وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: «العونية» في لحظات الذروة الأخيرة

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

لم يكن خطاب الرئيس الجمهورية الأخير، بدعوة جميع الفرقاء والقوى السياسية النافذة في لبنان، لمعالجة موضوعات اللامركزية، والاستراتيجية الدفاعية، وخطّة النهوض الاقتصادي، لم يكن هذا الخطاب، لغرض وضع البلد على سكة الحلّ، أو تشخيص مشكلات لبنان ومآزقه، ووضع الاستراتيجيات اللازمة لوقف الانهيار الكاسح للدولة، والاقتصاد وحتى الإنسان اللبناني.

وجهة الخطاب ورسائله، تدل على أنّها دعوة إلى تسوية سياسية بين الرئيس عون وحزب الله، تضمن انتقال رئاسة الجمهورية إلى صهره النائب جبران باسيل، وتمتين التحالف الانتخابي بين “الحزب” والتيار الوطني الحر، ليكون بالإمكان الاستفادة من فائض أصوات الشيعة الموالية للحزب، باحتسابها في الأصوات التفضيلية لمرشحي “التيار العوني”. مقابل تثبيت ثلاثية حزب الله الذهبية، التي تفضي عملياً بتسليم سيادة لبنان إلى حزب الله، وإطلاق يده في التصرف بها. (راجع مقالة لي عن هذه الثلاثية في موقع جنوبية).

إقرأ أيضاً: وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: تفاهم مار مخايل.. مؤشرات النهاية

هذه الدعوة تلقاها حزب الله، بمزيج من القبول والبرودة في آن، كما إن تجاهل هذه الدعوة من أكثر القوى الفاعلة في لبنان، وبالأخصّ: حزب القوات اللبنانية، وحركة أمل، وتيار المستقبل، تدل على أن هذه القوى وجدت في الدعوة استدراجاً من عون إلى ملعبه، ومحاولة يائسة منه لترتيب وضعية ما بعد عهده، بل محاولة لتثبيت معادلة السلطة القائمة.

وجدوا أن الرئيس عون لا يتصرف كحليف بل كمحارب ومحتكر للتعيينات

أما القوى التي تجاهلت الدعوة، فقد عانت الأمَرَّين، بسبب التسوية التي حملت ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، حيث انقلب عون وصهره وتياره على كل الاتفاقيات التي أبرمت مع القوات، وتم التنكيل بمكانة سعد الحريري السياسية، وحرص عون على إخراجه من المشهد السياسي. أما الحلفاء اللدودين، وفي مقدمهم الرئيس بري، فقد وجدوا أن الرئيس عون، لا يتصرف كحليف بل كمحارب ومحتكر للتعيينات، مع مسعى جدّي منه، لتوسيع مساحة صلاحياته الدستورية، على حساب المؤسسة التشريعية.

الأولوية باتت الآن في تقليص نفوذ حزب الله الداخلي وإحداث تغيير في تركيبة لبنان السياسية

دافع التجاهل الآخر، هو أن الأولويات الدولية تجاه لبنان لم تعد نفسها. فإذا كان استقرار لبنان السياسي، هو الدافع الذي أدى إلى تمرير رئاسة عون في السابق، فإن الأولوية باتت الآن في تقليص نفوذ حزب الله الداخلي، وإحداث تغيير في تركيبة لبنان السياسية، والضغط باتجاه تعديل جهاز التمثيل النيابي، عبر الإتيان بوجوه وهيئات ومتّحدات جديدة. ما يعني أن تمرير الرئاسة إلى باسيل، لن يحظى بالقبول والاعتراف الدوليين، ويؤدي إلى عزلة قاتلة للبنان.

أما برودة حزب الله في تلقي الدعوة، رغم ترحيبه العلني بها، نابعة من فقدان عون وصهره العمق المسيحي المؤيد لهما، وتنامي أصوات ومواقف الرفض المسيحي الكامل لحزب الله وسلاحه. ما يعني أن عون لم يعد يملك أوراق التسوية التي كان يحملها في السابق، وأنّ ما كان ينفع الحزب في اتفاق مار مخايل، بات الآن عبئاً على الحزب، بحكم عجز عون عن لجم التململ، بل الغضب المسيحي على الحزب، إضافة إلى فشل العهد العوني، في الحدّ من التصنيف الدولي المتزايد لحزب الله بصفته منظمة إرهابية.

الجميع يعرف بمن فيهم حزب الله، أنّ إعادة إنتاج تركيبة السلطة الحالية، التي كان تفاهم مار مخايل أحد أهم ركائزها، يعني: تمديد الكارثة الإقتصادية، القضاء على ما تبقى من مؤسسات الدولة، مزيد من العزلة الدولية، بل الحصار الدولي الذي سيحول دون أي انفراج اقتصادي، تضخم التناقضات الداخلية ذات الطابع الاجتماعي والطائفي ودفعها باتجاه الانفجار العنيف الذي يطيح بالأمن والاستقرار الداخليين.

حزب الله بات الآن حاجة لعون بل ورقته الأخيرة

حين أبرم تفاهم مار مخايل، كان ذلك بمثابة إنجاز وظفر، حققهما حزب الله في الداخل اللبناني، أي كان ميشال عون حينها حاجة وضرورة له. أما الآن فإن حزب الله بات حاجة لعون، بل ورقته الأخيرة بعدما بات عون وصهره مهددان في الاحتفاظ بمكتسبات تيارهما. في حين أن حزب الله يملك خيارات أوسع، وبإمكانه بحكم براغماتيته المتقنة، إنتاج سلطة جديدة برئاسة جديدة وتوزيع مختلف، تضمن جميعها للحزب، الغطاء اللازم لسلاحه محلياً وربما دولياً، وتمتص النقمة الشعبية العارمة ضد ولائه الإيراني الفاقع، وتخفّف من حجم الانهيار الاقتصادي الحالي.

هذه مؤشرات تدل على أن ما تبقى من رئاسة ميشال عون، هي بمثابة اللحظات الأخيرة للذروة العونية، لتستحيل بعدها الظاهرة العونية، حالة محدودة تعتاش على ذاكرة ماضيها الصاخب: المليء بالتناقضات والمتخم بالمغامرات المتهورة حيناً والفاشلة حيناً آخر.

السابق
آخر أيام عون.. حوار على مين؟!
التالي
صور تحت رحمة التفلت الأمني.. وإستنفار حزبي!