عام الانهيار الثقافي الكبير!

لبنان

ليس مبالغة القول بالانهيار الثقافي الكبير، في وطن الثقافة والحرف والكلمة والكتاب، في عاصمة الثقافة العربية، عاصمة الأمل بيروت. فمنذ دخول السنة الأولى من الالفية الثالثة الميلادية والبلاد تحت قوس غير قزح، قوس أسود حالك، حجب ويحجب بصيص الأمل والمعرفة والتطور والحضارة.

اقرأ أيضاً: سنة «الحرب على العدالة».. ملفات قضائية تترنح على وقع التدخلات والتهديدات والمحميات!

اشتدت الازمات وتوالت وتفرعت، وتعاكس الطالح على الصالح ، خربت البلاد، وجنّ العِباد ولم يعد في مساحة الوطن الصغير سوى الخيبات والنكبات والانهيارات.
المرافق الاقتصادية والمالية والسياسية.. خضعت لسطوة الافلاس، وانكشفت البلاد على قارعة الفوضى واللصوص الكبار حكام البلاد ، وأكثر ما تجلى واشتد في هذا الانحدار هو الانهيار الثقافي الكبير، والذي اشتدت معالم انهياراته، وكادت تختفي لمعاته الثقافية،نهائيا، من فضاء الثقافة الأرحب.

وما زاد (طين) الأزمة السياسية (بلة) تزامن هجوم (كورونا ) على الحياة والانسان وجعلهما في عصفٍ لا يحسدان عليه.
في الانهيار الثقافي الكبير ، مشاهد ووقائع وفواجع لا يمكن حصرها، لكثرة ما هي عابقة بغبار سميك ودخان أسود .

الثقافة هي العنوان الحضاري لأي مجتمع من لا ثقافة له لا وطن له فهل أرادوا قتل الثقافة كي يموت الوطن!!


ومنذ اندلاع ثورة 17تشرين 2019 وانهيار العملة والعمالة والسوق والاسواق، ووصول المجتمع الى 70بالمئة فقراء، انعكس هذا التردي المباشر على كل القطاعات الانتاجية، ولحقت الثقافة بأخواتها، لتركن الى مرتبة الحضيض. وفي تفنيد الثقافة وانهياراتها، يُقرأ التالي:


١ – الكتاب والكتب والمكتبات ودور النشر، فقدان محورية الكتاب بما يشكل من قيمة ثقافية كبيرة ومؤثرة في المجتمع والمجتمعات. لقد دمرت الأزمةالسياسية الكتاب وأطيافه. فأن تسأل ناشراً صاحب دور نشر عريق عن طباعة الكتاب، فيبادر للقول أنه مفلس ولم يعد باستطاعته طباعة اكثر من كتاب في السنة بعدما استفحلت الازمة المالية وقبضت على عصب اقتصاد الكلفة والسوق.
٢- المسرح، ليس أفضل حالاً من أزمة الكتاب. كان المسرح خشبة الخلاص والابداع في بيروت والمناطق.واليوم يكاد ينقرض المسرح بسبب الظروف التي ألمت بالبلاد. كل المسارح في العاصمة متوقفة، وتحتاج الى معجزة لدب حركة التمثيل على الخشبة.
٣- الفن التشكيلي، لا حدث ولا خبر، لا معارض لا لوحات، ويقول أغلب أصحاب صالات العروض أنهم في أتعس حالاتهم، صالاتهم معتمة، وكذلك يشكو الفنانون من غلاء المواد الأولية في الرسم،وتالياً لا لوحات ولا زركشة تلون المدينة.
٤- الفنون السمعية، كالموسيقى والطرب والتأليف الموسيقي بخبر كان. ضحالة وشبه صمت للآلة الموسيقية ومؤلفها وعازفها ومؤديها، لا (طاقة مالية ) تحرك أوتارها.
٥- الأنشطة الثقافية المتنوعة من امسيات وندوات ومؤتمرات، ذهبت الى الاختفاء، فلا سيولة مادية،ولو بسيطة، متوفرة لدى المنظمين، طبعاً حجة وزارة الثقافة جاهزة وتجاهر بعجزها وقلة حيلتها المادية.
٦- السينما، قبل أكثر من عشرين سنة أقفلت أغلب دور العرض صالاتها،وبات شارع، كشارع الحمراء الذي يضم أهم صالات السينما كمسرح الحمراء والالدورادو وستراند وسارولا… بات الشارع الأصفر الفاقد لضوضاء وصخب الشاشات الكبيرة، ورغم افتتاح دور السينما في وسط بيروت، تلاشت ،تدريجياً حركة ونشاط السينما،الى درجة لا تفي بغرض اسمراريتها.
٧- الصحافة المكتوبة الورقية، فقد تلقت الضربة القاضية،بعدما لجأت أهم وأعرق الصحف للإقفال النهائي تحت وطأة الأزمة المالية الاقتصادية.
٨- السوشال ميديا وووسائل التواصل الاجتماعي، ربما كانت هي الوحيدة المستفيدة والمنتشرة كالفطر في الواقع الافتراضي. وكأنها أو حاولت أن تكون البديل للصحافة المكتوبة، أو انها أخذت الشكل الصحافي الجديد الذي يواكب العصر وتطوره التكنولوجي.
٩- المهرجانات الثقافية الفنية الكبيرة كمهرجانات بعلبك وبيت الدين وبيبلوس وسواها، كلها توقفت عن الاستمرار،ومنذ ثلاث سنوات لم نلحظ تنظيم أي مهرجان، والسبب عائد الى فقدان التمويل المادي لهذه المهرجانات.
١٠- الشاعر والكاتب والاديب والاعلامي والطبيب والمهندس.. النخبة الثقافية المثقفة في الوطن الصغير، هربت وتريد (حلاً؟) لأزمتها وضائقتها، ولا سبيل لذلك سوى الطوفان حول العالم، وترك البلاد خاوية من نخبها.

في نهاية عام وبداية عام، نلتفت الى مكاننا وذواتنا ونكاد لا نصدق ماذا حل بالبلاد، وكيف تراجعت الحياة في أرض الحياة،بعدما أحكمت الأزمة شباكها على كل فرد (باستثناء الزعماء وزبانياتهم!). وأكلت الثقافة الضربة الموجعة، وأردوها صريعة، وقد تحتاج لدهر كامل لعودتها الى رونقها الأصيل.
الثقافة هي العنوان الحضاري لأي مجتمع، من لا ثقافة له لا وطن له، فهل أرادوا قتل الثقافة كي يموت الوطن!!

السابق
هجوم شرس من الطفيلي على «حزب الله»: ضاعت الدولة وجاع الشعب في ظل سلطة «ثنائي الفساد»!
التالي
«الميثاق أو الانفكاك».. كتاب جديد لنزار يونس