«الميثاق أو الانفكاك».. كتاب جديد لنزار يونس

كتاب نزار يونس
لم يكتفِ رجل الأعمال الدكتور نزار يونس بما يشغله في عالم المقاولات من مشاريع عمرانية، فقرر قبل سنوات التصدي أيضاً للشأن العام، وكان له صولات وجولات في عالم السياسة، مرشحاً تارة للانتخابات النيابية، في مغامرة مشهودة، مواجهاً الزعماء و"الحيتان" في لبنان، وتارة أخرى باحثاً ومؤلفاً لكتب، تبحث في إشكالات وتغوض مشاكل هذا الوطن الصغير المهدّد بالانحلال.

في كتابه الجديد “الميثاق أو الانفكاك” الذي صدر حديثاً قبل شهرين في تشرين أول 2021 عن دار سائر المشرق، خصص الدكتور يونس هذا الكتاب من أجل البحث في “الميثاق الوطني اللبناني”، الذي أورث علّة التحاصص الطائفي، طارحا في النهاية الحلّ برأيه، وهو ليس التنكّر لهذا الميثاق، وإنما النفاذ إلى جوهره الوفاقي واستكماله بخارطة طريق رسمتها الوثيقة المعروفة “باتفاق الطائف”. 

مئة عام من الضياع

يتناول الجزء الأول من هذا الكتاب وعنوانه “مئة عام من الضياع” قراءة في الأحداث التي استجدّت منذ إعلان “دولة لبنان الكبير” إلى حرب الأشرار على أرضنا التي استفحلت في العام 1975، وخرّبت بلادنا، واغتصبت زهوة سني جيلنا. ثم جاء ميثاق الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) ، الذي أقرّه اللبنانيون برعاية عربية ودولية، ليضع حداً للاقتتال العبثي وليرسم خارطة طريق الوفاق على قيام الدولة الديمقراطية الحديثة المحررة من سجون الطائفية والتخلّف والجهل، غير ان الوصاية السورية لم يناسبهم الميثاق الجديد، فلم ينفذ حرف واحد من نصوصه. 

شرعية الوطني اللبناني

أما الجزء الثاني من الكتاب وعنوانه “شرعية الوطني اللبناني”، فهو مراجعة، أكاديمية المنحى، حول شرعية المزيد من الأضاليل والترهات التي يروّجها المنظّرون السفهاء الضالعون مع الأولياء في إنكار حق بلادنا بالسيادة الكاملة على ترابها، من دون منازع أو مغامر أو مراوغ. 

ويركّز هذا الجزء، على حقائق العلم والتاريخ والجغرافيا التي تؤكد أن هذا الوطن، ربما كان الوحيد في هذا المشرق، الذي كوّن حدوده الجغرافية، عبر نضال تاريخي خاضته أجيال الرواد العظام، وأنه، خلافاً لسواه، وطن تعددي عربي الهوية والانتماء، يحمل رسالة كونية. وقد غدا حاجة للعرب وللعالم. 

اقرأ أيضاً: «مضبطة» عبد الكريم الخليل «الشعرية» بحق رياض سلامة.. «يا أفضل الحُكام»!

تطرّق هذا الجزء أيضاً إلى الفصل بين كل مفهومي الوطن والدولة، لتفادي الخلط الحاصل بين الوطن المُستباح وبين ما نُطلق عليه تسمية الدولة التي لم توجد بعد. وقد بيّن الاستحالة المطلقة لقيام دولة عصرية على أساس الشراكة الافتراضية والمستحيلة بين الكيانات الطائفية. كما تناول مفهوم الديمقراطية التي تتعارض كلياً مع الأنظمة الطائفية القائمة على التمثيل الطائفي، وذكّر بالمبادئ الفقهية الناظمة لتراتبية المعايير القانونية، لتجنّب الخلط بين الميثاق والدستور. 

الميثاق أو الانفكاك: الطائف ذلك المجهول

أما الجزء الثالث وعنوانه “الميثاق أو الانفكاك: الطائف ذلك المجهول”، فيتناول ميثاق الوفاق الوطني الذي وضع حداً للحرب الأهلية ورسم خارطة الطريق لقيام الدولة الديمقراطية الحديثة. ومن المحزن أن الميثاق، وهو الابتكار الأهمّ في تاريخ الوطن الحديث، ما زال مجهولاً ومغيّباً ومحجوراً عليه، موظفاً لترويج الحكايات وتأجيج الفتن لاستمرار النظام الفاسد والمدمّر. 

الالتزام بالميثاق والتقيّد بأحكامه ليس خياراً، فهو يتقدم، في تراتبية المعايير القانونية، على الدستور وعلى الاستفتاء العام وعلى رأي الأكثرية والأقلية

لقد تم الوفاق في الطائف على إقرار النظام السياسي اللاطائفي لقيام الدولة الزمنية، فكان من البديهي أن تتحالف وتتضافر القوى المتضررة من قيام الدولة اللاطائفية، مع الخوارج المعادين لاستقلال لبنان وسيادته، للانقلاب على الميثاق وتشويه جوهره والتعمية على أهدافه، بغية تعطيله للعودة إلى زمن الوصاية أو إلى العنف والحروب، في سبيل تهجير من بقي من شعبنا. 

فالالتزام بالميثاق والتقيّد بأحكامه ليس خياراً، فهو يتقدم، في تراتبية المعايير القانونية، على الدستور وعلى الاستفتاء العام وعلى رأي الأكثرية والأقلية. وهو غير قابل للانتقاص أو التعديل أو التجزئة. 

أما خاتمة هذا الكتاب فتتناول الوباء الطائفي الذي لم يكن يوماً من طبيعة شعبنا وشِيَمه ومن طويّة أجياله، ولكنه ما زال السلاح الوحيد المتبقي لمنظومة التحاصص الطائفي. وكان لا بد من طرح السؤال التالي: هل إن الطائفية وهم ولدته سذاجة المغرر بهم تحت وطأة الهواجس والخوف من الآخر، أم إنها جريمة مدبرة مستمرة، ينظمها خوراج ضالون في سبيل تفريغ البلاد من نُخبها وتهجير شعبها واغتصاب قرارها؟ 

السابق
عام الانهيار الثقافي الكبير!
التالي
«التفشي أصبح مجتمعيًا».. عراجي يحذر من سيناريو ما بعد رأس السنة!