حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: روسيا «أم العروس».. النووية!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

قد لا يعطي المندوب الروسي في الامم المتحدة ميخائيل اوليانوف فرحته لاحد، ومن الصعب ان يقايضها باي فرحة اخرى، وتكاد فرحته هذه تشبه فرحة “أم العروس”، وهو يتابع بدقة كل التفاصيل التي تشهدها جلسات الحوار والتفاوض العلنية، وما يجري في الكواليس، واللقاءات الثنائية التي تجري بين الفريق الايراني ومفاوضي الدول الاخرى المشاركة والشريكة، والجلسات الكثيرة والمتعددة، قبل الجلسات العلنية الموسعة وبعدها، بينه وبين المفاوض الايراني، تحت عنوان تنسيق المواقف والمساعدة في تدوير الزوايا، من اجل الوصول الى الهدف المطلوب، باعادة احياء الاتفاق النووي, وهو لم يتردد في تأكيد المستوى العالي من التنسيق، في كل التفاصيل بينه وبين ممثل الادارة الامريكية المشارك في فيينا بشكل غير مباشر. 

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: عندما «تتيامن» ايران واسرائيل!

واذا ما كان التفاهم المرتقب بين ايران ومجموعة 4+1 قد ينتهي في الاسابيع المقبلة، حسب جرعة الامل التي اكد عليها جميع الاطراف المفاوضة، الى اعادة احياء الاتفاق او التوصل الى صيغة جديدة، تدرج على شكل ملحق على اتفاق 2015، وما يعنيه بالنسبة لايران من رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها،١ مقابل عودتها الى الالتزام بالتعهدات التي نص عليها الاتفاق. الا ان هذه النتيجة قد تكون المحطة التي تحظى بدرجة متقدمة في سلم الاهتمامات الروسية، وقد تفوق ما يأمله الجانبان الامريكي والاوروبي من التفاهم وحل الازمة. 

ما يسعى اليه الروسي في الطريق الى الاتفاق، وما يرغب به ما بعد الاتفاق، ليس في اثبات دوره المحوري في تليين الموقف الايراني، وتدوير زواياه واقناعه بتقديم تنازلات، بل في المكاسب التي حققها ويحققها ، على الطريق الى هذه التفاهمات وما بعدها، سواء في المجال السياسي او الاقتصادي او العسكري، وتعزيز موقع الاستراتيجي في المعادلات الدولية عامة والاقليمية الشرق اوسطية خاصة. 

ما يسعى اليه الروسي في الطريق الى الاتفاق وما يرغب به ما بعد الاتفاق ليس في اثبات دوره المحوري في تليين الموقف الايراني بل في المكاسب التي حققها ويحققها

فالعين الروسية تنظر الى حدود التنازلات (التعاون حسب التسمية المعتمدة من النظام الايراني) التي من المفترض ان تقدمها طهران على طاولة التفاوض، والتي لا تقتصر فقط على الجانب المتعلق بالانشطة النووية، بل تتسع لتشمل ايضا ساحات النفوذ الايراني الاقليمية، اذ ان الاعتقاد السائد، حتى داخل الدوائر الايرانية الرسمية والموالية للنظام او الاصلاحية، يرى بان موسكو تطمح، بان تكون الوريث الاول لكل التنازلات، التي قد يلجأ اليها النظام الايراني في الاقليم، سواء نتيجة تفاهمات ثنائية بينهما، او صراع مصالح في هذه الساحات المشتركة، خاصة في سوريا ولبنان. او التنازلات التي يمكن ان يقدمها النظام الايراني، ان كان على طاولة التفاوض مباشرة، او لاحقا في اطار ملاحق تفاوضية يتم التأسيس لها في فيينا حاليا، في اطار تفاهم سياسي شامل مع الادارة الامريكية تعالج الهواجس ومصادر القلق العربية والغربية، وحتى الاسرائيلية، من تنامي واتساع النفوذ الايراني في الاقليم. 

وجهود موسكو لتكون الوريث لاي تقليص للدور الايراني في المنطقة، تأتي في ظل الحرص بان لا ينتهي الى تصادم بينهما، خاصة وان اي تراجع في الدور الايراني، سيصب تلقائيا في “الساقية” الروسية، التي استطاعت توظيف البوابة الايرانية واستغلالها، لتكريس وجودها على سواحل البحر الابيض المتوسط، وتوظيفه في اطار استراتيجياتها، وتحسين شروطها الجيوستراتيجية في الصراعها على مناطق النفوذ مع غريمها الامريكي. 

تأمل روسيا في توظيف الحذر لدى قيادة النظام الايراني من مفاعيل الانفتاح الاقتصادي في حال حصوله مع الغرب لصالحها

في البعد الاقتصادي، تأمل روسيا في توظيف الحذر لدى قيادة النظام الايراني، من مفاعيل الانفتاح الاقتصادي في حال حصوله مع الغرب لصالحها، خاصة قلق النظام من ان يؤدي ذلك، الى فتح باب النفوذ لهذه الدول، على الداخل الايراني والتأثير عليه باسلوب مختلف عن الية العقوبات. لذلك تعتقد موسكو بان اعادة احياء الاتفاق النووي، والغاء العقوبات او تخفيفها ، يفتح الطريق امام تعاون واسع اقتصاديا مع ايران. خاصة وان ايران تعتبر الشريك التجاري لروسيا، ان كان على المستوى الثنائي او على مستوى اقتصادات المنطقة الاوراسية، وبالتالي فان اي انفراج في موضوع العقوبات، سينعكس ايجابا على رفع مستوى التعاون التجاري بين البلدين. 

قرار الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق مع ايران، والعودة الى سياسة فرض العقوبات، اضر بالمصالح الروسية بحيث اطاح بالكثير من الرهانات، على تعاون عسكري بينهما، باتجاه واحد من موسكو الى طهران، لان تعليق الاتفاق حرم روسيا من الاستفادة، واستثمار البند المتعلق بتحريم الاسلحة على ايران بيعا وشراء، الذي انتهت مفاعيله رسميا قبل سنة، خاصة وان التعاون العسكري والتسليحي، يحتل مكانة متقدمة في الرؤية الروسية للتعامل والتعاون مع ايران، اكثر من المسائل التجارية الاخرى، لجهة ان هذا النوع من التجارة يجد له ارضية عطشى لدى ايران، التي تأمل وتسعى للحصول على منظومات اسلحة متقدمة ومتطورة، غير قادرة على امتلاك تقنياتها لاكلافها المالية العالية، او صعوبة استخدام تكتولوجيا الهندسة العكسية لانتاجها في الداخل، مثل منظومة “اس – 400 او اس – 500″، ومنظومات صاروخية اخرى، فضلا عن سعيها لتطوير سلاحها الجوي العسكري، الذي يعاني من ضعف كبير لم تستطع تعويضه، مما فرض عليها الذهاب الى خيار تطوير برنامجها الصاروخي، الذي تحول الى احدى ازماتها الحقيقة مع المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي. 

المساعي الروسية لانهاء الازمة النووية واعادة احياء الاتفاق النووي يعني ان كماً من التدفقات المالية ستدخل الى ايران

المساعي الروسية لانهاء الازمة النووية واعادة احياء الاتفاق النووي، يعني ان كماً من التدفقات المالية ستدخل الى ايران، وان قسما مهما منها ستوظفه طهران، في المجال العسكري وابرام عقود تسليح معها، فضلا عن ان رفع العقوبات، سيجعل من الزيارة المقررة للرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى موسكو، زيارة مفصلية في اهدافها، التي يأتي في مقدمها التوقيع على اتفاقية التعاون الاستراتيجي لمدة 20 سنة بين البلدين، خاصة وان توقيت الزيارة، يتزامن مع التقديم الايجابي لمفاوضات فيينا، وقد تكون متقدمة عليها او متأخرة عنها ومتآثرة بها. 

السابق
ترقبوا يوم غضب في 2022!
التالي
بالفيديو: استقبلوا 2022 بحذر.. هذه الإجراءات الوقائية الواجب التقيّد بها داخل المطاعم!