حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: عندما «تتيامن» ايران واسرائيل!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ان يتفق عدوان مفترضان، او خصمان متنافسان، على موقف موحد من قضية ما، فهذا امر يستدعي التمهل والتوقف عنده، والتأمل فيه كثيرا، خاصة وان كل طرف منهما، لا يخفي نواياه في القضاء على الاخر مهما كلف الامر من خسائر واضرار. اذ ان كل واحد منهما يتربص بالاخر عند اول خطأ، ليبادر بالرد عليه وتدميره او محوه عن الوجود في دقائق معدودات.

هذا هو الحال بين ايران واسرائيل، حال ازدادت وتزداد تصاعدا وتصعيدا وتوتيرا، منذ الاعلان عن استئناف المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة الخماسية الدولية (4+1) وواشنطن، في فيينا اواخر الشهر الماضي (29 نوفمبر)، وارتفعت وتيرة التهديدات بين الطرفين – اللدودين الحميمين – مع عودة الحديث عن حصول انفراجات في المفاوضات، قد تشكل الارهاصات الاولى لامكانية التوصل الى تفاهم او اتفاق، خاصة بعد تأكيد الاطراف المشاركة في التفاوض جميعها، على العودة الى طاولة التفاوض واستئناف الحوارات في جولة ثامنة في يوم الاثنين المقبل (27 ديسمبر2021).

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»:إيران.. وعُقدة «النووي الإلهي»!

لكن اللافت في هذه العداوة والتصعيد، انه في الوقت الذي لا تتردد القيادات العسكرية وحتى السياسية في تل ابيب، بالحديث علنا ومباشرة، عن استعدادها لتوجيه ضربة عسكرية واسعة ومدمرة للبنى التحتية الايرانية، لا تقتصر على المنشآت النووية، وتعلن دوريا عن مناورات عسكرية لقواتها الجوية تحاكي هجوما جويا على ايران، ووصل الامر وزير دفاعها الى ضرب مواعيد شبه نهائية للقيام بهذه الخطوة. فان القيادات العسكرية الايرانية، خاصة في قوات حرس الثورة، تبدي تجاوبا مع هذه التهديدات، وتذهب الى مستويات اعلى لامكانيات الرد على اي اعتداء او تعرض، وتهدد بتدمير مدن بكاملها فضلا عن البنى التحتية، في حال تعرض الداخل الايراني لهجوم اسرائيلي.

اللعب على الوتر نفسه في التهديد، لا يتقصر على البعد العسكري والهجوم والهجوم المعاكس، بل يتوسع ليشمل الجانب السياسي، خاصة ما يتعلق بالمسار التفاوضي الجاري في فيينا مع المجموعة الدولية 4+1 وواشنطن. ولعل ابرز مؤشرات على هذا التناغم، ما يتعلق بالجدل حول امكانية ان تنتهي مفاوضات فيينا، الى الاعلان عن “اتفاق مؤقت” يقوم على مبدأ “التعليق المتزامن”، بين العقوبات الامريكية وانشطة تخصيب اليورانيوم الايرانية، والتأسيس لمسار تفاوضي طويل الامد، شرط ان لا يكون مفتوحا، يتم فيه الاتفاق على المسائل العالقة وهواجس الطرفين، ان كان فيما يتعلق بابعاد البرنامج الصاروخي او النفوذ الاقليمي.

القيادات العسكرية الايرانية تبدي تجاوبا مع التهديدات وتذهب الى مستويات اعلى لامكانيات الرد

قد تكون النقطة الابرز في المفاوضات والمباحثات، التي اجراها مستشار الامن القومي الامريكي جيك سولفين في تل ابيب مع نظيره الاسرائيلي ورئيس الوزراء، هي مسألة اقناع الجانب الاسرائيلي بقبول التفاهم، الذي خرجت به الجولة السابعة من التفاوض مع الايرانيين حول “اتفاق مؤقت”.

وامام التمسك والتشبث الاسرائيلي برفض اي اتفاق مؤقت بين واشنطن وايران، يسمح بحصول ايران على تسهيلات اقتصادية ومالية مع ومن المجتمع الدولي، بحيث تكون قادرة على ترميم اوضاعها الداخلية الاقتصادية، والعودة الى تنشيط فعالياتها الاقليمية خاصة مع حلفائها في المنطقة، يبدو ان الجانب الامريكي عبر سوليفان، يحاول طمأنة تل ابيب باجراءات عاقبية قاسية ضد طهران، في حال رفضت الذهاب الى مفاوضات واسعة تشمل جميع مصادر القلق الامريكي والاسرائيلي والاقليمي، وتتضمن هذه الاجراءات، وقف ايراني تام لتطوير برنامجها النووي، والعودة الى الاطار الذي رسمه اتفاق عام 2015، وكذلك الى فرض عقوبات اقتصادية جديدة، وضغوط اعلى واقسى، في حال عدم التوصل الى الاتفاق المطلوب.

يبدو الانقسام واضحا داخل الصف الايراني حول الاتجاه الذي ستذهب اليه المفاوضات الجارية في فيينا

في المقابل، وبالتزامن مع ما يؤكده كبير المفاوضين علي باقري كني، بان بلاده لن تقبل باقل من الاتفاق الموقع، يبدو الانقسام واضحا داخل الصف الايراني، حول الاتجاه الذي ستذهب اليه المفاوضات الجارية في فيينا، وما يمكن ان تخرج به الجولة الثامنة المقررة الاسبوع المقبل، خاصة حول التوصل الى اتفاق “مؤقت” او “تعليق مقابل تعليق”، خاصة وان الجولات الجديدة من التفاوض، حسب جناح اليمين في التيار المحافظ، تنطلق من النقطة الي انتهت اليها الجولات الست الماضية، في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، وان مهمة المفاوض الايراني، يجب ان تتمحور حول القضايا التي تشكل نقضا للاتفاق، وعدم الغاء العقوبات في اطار الشروط التي وضعها النظام، وان اي اتفاق محتمل، يجب ان لا يخرج على اساس مطلب الغاء جميع العقوبات، التي تم ادراجها في الاتفاق، وتلك التي تم اضافتها او فرضها بعد الاتفاق، مع التمسك بمبدأ مرحلة اختبار النوايا، والضمانات المطلوبة لحسن التنفيذ، وضرورة ان يستغل الفريق المفاوض، ما تحقق من تقدم في الانشطة النووية و النفوذ الأقليمي، اللذين يشكلان مصدر قلق للامريكي، من اجل تحسين شروطه التفاوضية، وان لا يوافق او يقبل بمبدأ الاتفاق المؤقت او التعليق المتبادل والضغط من اجل الوصول الى اتفاق “جيد” يلبي مطالب النظام وشروطه.

التيار الايراني الواقعي مع الجناح البراغماتي من التيار المحافظ يعتقدان بان المفاوض الايراني يواجه على ما يبدو جبهة موحدة في فيينا

التيار الايراني الواقعي، والذي يشكل مساحة يشترك فيها الاصلاحيون والمعتدلون، مع الجناح البراغماتي من التيار المحافظ، يعتقدون بان المفاوض الايراني، يواجه على ما يبدو جبهة موحدة في فيينا، تضم جميع الدول المفاوضة في مجموعة 4+1، بما فيها الحليفين الروسي والصيني، تقول بضرورة ان تقبل طهران بعرض “الاتفاق المؤقت”، بما فيه المرحلة التالية المطروح على طاولة التفاوض، خاصة وانه يلبي المطلب الايراني المباشر بالغاء العقوبات، ويسمح لها بالعودة الى تنفيذ تعهداتها، فيما يتعلق بانشطة تخصيب اليورانيوم.

واذا ما كان اليمين الايراني يرى ان الكرة باتت في الملعب الامريكي، فهي من وجهة نظر الواقعية الايرانية في الملعب الايراني بالقدر نفسه ايضا، وان على الطرفين استغلال الفرصة، والقبول بما هو مطروح كمخرج للازمة وتجنب التصعيد، خاصة وان الاصرار على اتفاق شامل، قد لا يكون متاحا للطرفين في الفترة الزمنية القصيرة، وان الارضية من اجل ذلك، تبدو متوفرة لدى الفريق المفاوض، الذي لم يخرج من الجولة السابعة باجواء سلبية، ما يعني انه عاد الى طهران لاستمزاج رأي قيادة النظام، للمضي بما وافق عليه ضمنا، بعقد اتفاق مؤقت يسمح للنظام بالتقاط انفاسه، قبل الدخول في جولات جديدة اكثر تعقيدا واوسع اهتماما.

السابق
الراعي يُطلق صرخة الحياد خلال عظة الميلاد.. وهذا ما أبلغه لغوتيريش
التالي
بالصورة: فرار «هوليوودي» لسجناء وعسكريين في البقاع!