شيعية سياسية؟

الصراع يتجدد بين "الثنائي"

يستسهل البعض عندنا استخدام المفاهيم والمصطلحات وتعميمها بعشوائية. مثال على ذلك مصطلح “الشيعية السياسية” ومن قبلها “السنية السياسية”.

استُخدم المصطلحان للدلالة على النفوذ “السياسي” لمذهب من المذاهب في حقبة تاريخية معينة، بعد أن أعتُبرت الحقبة الأولى التي تلت الاستقلال وصولا إلى حرب ١٩٧٥، هي حقبة “المارونية السياسية.”

اقرأ أيضاً: رفع عصا «المقاومة» لضرب اللبنانيين.. لا الإسرائيليين!

النفوذ “السياسي” يعني الحكم من خلال المؤسسات السياسية، وهذا ما كانت عليه “المارونية السياسية”، التي لم يرتبط اسمها بشخص معين. على عكس “السنية السياسية” التي ارتبطت بنفوذ رفيق الحريري في حقبة ما بعد الحرب.
لكن هذه السنية غلب عليها الطابع المالي والاقتصادي أكثر من الطابع السياسي، الذي، وإن مهّد له اتفاق الطائف وسهّل ممارسته، وضع له النفوذ السوري حدودا قاسية، من داخل المؤسسات ومن خارجها، مما فتح الباب أمام بروز ملامح “شيعية سياسية” موازية للحريرية الاقتصادية، بقيادة نبيه بري وبدعم من النظام السوري.

مع دخول حزب الله بقوة إلى الساحة السياسية، راحت الشيعية تعتمد على السلاح لتوسيع نفوذها، لكنها لم تستطع حتى اليوم ترجمة نفوذها هذا عبر المؤسسات السياسية. هي تحكم من خلال تعطيل المؤسسات السياسية وليس من خلال تشغيلها، وإذا اشتغلت هذه المؤسسات يجري تحريكها من خلال الضغط العسكري الفعلي أو الرمزي، وليس من خلال آلياتها القانونية الداخلية.

لم تكتسب الشيعية بعد صفتها السياسية، وهي تنشط من أجل ترجمة نفوذها العسكري على مستوى المؤسسات السياسية، ربما من خلال مؤتمر تأسيسي أو تغيير في النظام لا يكف حليف حزب الله، “التيار الوطني الحر”، عن الترويج له.

احدى مشكلاتها الاساسية، انه في حين استندت “المارونية السياسية” الى توافق ماروني- سني، و”السنية الاقتصادية”
إلى توافق سني- شيعي- درزي، حاولت الشيعية أن تكتسب مشروعيتها السياسية من خلال توافق شيعي- ماروني.

نجح هذا التوافق بداية من خلال “تفاهم مار مخايل” بين حزب الله والتيار العوني وتمكن من فرض عون رئيسا للجمهورية،
الا انه اصبح اليوم معدوم الفعالية، بعد أنهيار العونية مسيحيا وتصارعها مع شيعية حركة امل من جهة، وحاجتها للتمايز عن حزب الله لتعويم نفسها مسيحيا، خاصة بعد الانتفاضة وانفجار المرفأ، وتعطيل حكومة نهاية العهد.

لا يمكن للشيعية أن تتحول من “شيعية عسكرية” إلى “شيعية سياسية” بدون حليف مذهبي وازن، وهذا ما لا يبدو متوفرا اليوم، بل على العكس. فإذا كان بحسب الدستور، لا شرعية لسلطة تناقض العيش المشترك، فكيف سيكون بإمكان “شيعية سياسية” ممارسة السلطة بدون عيش مشترك في إطار حكومة، لا تسمح لها الشيعية الحالية بالانعقاد أو بممارسة سلطاتها إذا انعقدت؟

فمع شعور حزب الله بالعزلة المذهبية يلجأ أكثر فأكثر الى التعطيل السياسي او الى العنف أو الى التهديد باستخدامه،
اي انه يبتعد عمليا عن تجسيد مصطلح “الشيعية السياسية”، الذي لا يصح بدون عمل المؤسسات السياسية.

ومع أن كلمة “ممانعة” يستدل منها مقاومة الانخراط في مشروع اوسع، والمحافظة على ما هو قائم، إلا أن انخراط حزب الله في محور “الممانعة” الاقليمي الذي يشمل إيران وسوريا والعراق واليمن ولبنان، يجعل من المستحيل قيام “شيعية سياسية” في إطار المؤسسات اللبنانية. فإذا كان محور المقاومة هو “شيعية اقليمية”، فإن “الشيعية السياسية” في لبنان لا يمكن ان تكون الا شيعية وطنية، وهذا ما يتناقض مع الشيعية الإقليمية بالمعنى المؤسساتي للكلمة، وهو المعنى الأصلي لأي مذهبية سياسية في لبنان، تريد التشبه ب”المارونية السياسية.”

المارونية السياسية سقطت عندما تعسكرت، وخرقت قواعد العمل السياسي المؤسساتي. والشيعية تعجز عن التحول إلى “سياسية”، لأنها تعسكرت وليس بمقدورها أن “تتوطن مؤسساتيا”، بسبب تبعيتها للمحور الإيراني. وربما كان حزب الله في العمق، يرفض من الاساس فكرة قيام “شيعية سياسية” في لبنان، لأن شروط قيامها تفترض تخليه عن سلاحه.

السابق
لقمان «فاتحة» اغتيالات ٢٠٢١.. رشا الامير لـ«جنوبية»: نعرف القتلة ولن نيأس!
التالي
«حزب الله» ينشر أنظمة دفاع جوي في سوريا ولبنان.. هذا ما كشفه مركز أبحاث إسرائيلي!