حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران والامارات .. ما تجمعه المصالح لا تفرقه إسرائيل!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بعد الاعلان عن توقيع اتفاقية “سلام ابراهيم” بين اسرائيل ودولة الامارات ومملكة البحرين، برعاية الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب في حديقة البيت الابيض في الحادي عشر من سبتمبر 2020، ومن ثم الانتقال السريع الى تطبيع العلاقات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كان الموقف الايراني من هذا الاتفاق وردة فعل قيادة النظام، الدينية والامنية والعسكرية والسياسية، من اشد المواقف المنددة بهذا الاتفاق، خاصة في جانبه الاماراتي. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: أميركا ترفع «عصا الحرير» بوجه إيران.. ماذا عن الخليج؟!

وعلى الرغم من السقف الايديولوجي الذي رسمه المرشد الاعلى للنظام، في الموقف من هذه المعاهدة او الاتفاقية في شقها الاماراتي، واعتبرها “خيانة للعالم الاسلامي والشعوب العربية ودول المنطقة، كما هي خيانة لفلسطين وشعبها”، متهما ابو ظبي بانها “مهدت لدخول الصهاينة إلى المنطقة، ووضعت القضية الفلسطينية التي هي قضية اغتصاب وطن في عالم النسيان”. في حين ان القيادات العسكرية والامنية، وجهت تحذيرات لدولة الامارات من تداعيات هذه الاتفاقية، في حال سمحت بتحويل اراضيها الى مصدر تهديد اسرائيلي لأمنها واستقرارها. 

القيادات العسكرية والامنية وجهت تحذيرات لدولة الامارات من تداعيات هذه الاتفاقي، في حال سمحت بتحويل اراضيها الى مصدر تهديد اسرائيلي لأمنها واستقرارها

في ظل هذا التصعيد، لم تذهب طهران وقياداتها الى خطوات عملية لترجمة هذه المواقف، بل ان التسريبات تحدثت عن زيارات متبادلة بين الطرفين، على اعلى المستويات بعيدا عن الانظار، بعضها عقد تحت عنوان رفع مستوى التنسيق الامني في مياه الخليج، واخرى، وهي الاهم، لبحث سبل آليات تقليل المشاركة الاماراتية في الحرب اليمنية، تمهيدا لانسحابه من التحالف مع السعودية. 

ولعل الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاماراتية الشيخ عبدالله بن زايد الى العاصمة السورية دمشق، واللقاء مع رئيس النظام بشار الاسد، شكلت لحظة تحول في التنسيق الاماراتي الايراني، كشفه الاتصال الذي جرى بين الوزير الاماراتي مع نظيره الايراني حسين امير عبداللهيان بعد عودته من دمشق، الذي تزامن مع اعلان انسحاب القوات الاماراتية من السواحل اليمنية الغربية في محافظة الحديدة، حيث ابدى الوزير الايراني ارتياحه وترحيبه، بنتيجة المباحثات التي جرت مع القيادة السورية. 

لم تذهب طهران وقياداتها الى خطوات عملية لترجمة هذه المواقف بل ان التسريبات تحدثت عن زيارات متبادلة بين الطرفين

وفي الوقت الذي كان من المتوقع ان تستقبل طهران في الايام المقبلة، مستشار الامن الوطني الاماراتي الشيخ طحنون بن زايد، في اول زيارة علنية له الى ايران، بعد سلسلة زيارات غير معلنة في السنتين الاخيرتين، اعلن البلدان عن زيارة، قام بها مساعد وزير الخارجية الايرانية ومسؤول ملف التفاوض النووي علي باقري كني الى ابو ظبي، واجراء مباحثات مع وزير الدولة للشؤون الخارجية والسفير الاسبق للامارات في ايران (1999 – 2009) خليفه شاهين المرر، ومعه الشخصية الاشد في مواقفها تجاه ايران الوزير السابق والمستشار السياسي لرئيس الدولة انور قرقاش. وذلك قبل ايام من الموعد المقرر لاستئناف الجولة السابعة لمفاوضات فيينا لاعادة احياء الاتفاق النووي. 

تأكيد الطرفين على عمق العلاقة التي تربط بين البلدين، وضرورة توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، خاصة وان الامارات تعتبر الشريك التجاري والاقتصادي الثاني لايران بعد  الصين، يسقط الموقف الايديولوجي الذي صدر عن المرشد الاعلى، ما بعد التوقيع على اتفاقية السلام مع اسرائيل، خاصة وان مثل هذه الزيارة واهمتيها في هذه اللحظة التاريخية، لا يمكن ان تحدث من دون الحصول على موافقة ولي الفقيه مباشرة. وبالتالي تكشف، ان الموقف من العلاقة بين ابو ظبي وتل ابيب، لا تدخل في اطار التهديد لمصالح ايران في المنطقة، وهي لن تكون مختلفة عن تفاهمات مثل دولة قطر وسلطنة عمان، واتفاقيات عقدتها دول اخرى في الاقليم مع تل ابيب، كالاردن، وتحرص ايران على تعزيز وتمتين علاقتها بها، واعادة احياء المقطوع منها كمصر والمغرب، وانتظار اتضاح الصورة في السودان. 

الموقف من العلاقة بين ابو ظبي وتل ابيب لا تدخل في اطار التهديد لمصالح ايران في المنطقة

واذا ما اخرج الخطاب او البعد الايديولوجي والعقائدي من الخطاب المعادي لاسرائيل، والمتمسك بالقضية الفلسطينية، من معادلة الموقف الايراني من الدول التي اقامت علاقات مع تل ابيب، والذي لا يدخل في ما له علاقة بين هذه الدول وخياراتها، بالذهاب الى اتفاقيات سلام وتطبيع، فان الحرص الايراني على استمرار او بناء العلاقة مع هذه الدول، يصب في اطار المصالح الاستراتيجية وجزء منها، وبما يخدم طموحاتها في الاقليم.

من هنا يمكن فهم المبادرة الايرانية باتجاه ابو ظبي وزيارة مساعد وزير الخارجية، اذ انها جاءت بعد بيان قمة الرياض، الذي عقد بمشاركة امريكية والترويكا الاوروبية والاردن ومصر مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتحمل هذه الزيارة رسالة للمبعوث الامريكي في الملف الايراني روبرت مالي، بان طهران قادرة على بناء علاقات مباشرة مع دول الجوار الخليجي، ورفع مستوى التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي من دون وساطة او اشارة امريكية، خاصة وان هذه الدول تشعر بنوع من التخلي الامريكي عنها، بعد سلسلة من الاجراءات التي قامت بها واشنطن في منطقة غرب آسيا، تبدأ من الانسحاب من افغانستان، ولا تنتهي عند الاستعدادات التي تقوم بها للانسحاب من الساحيتن السورية والعراقية، فضلا عما تعتبره تنازلات قدمتها لطهران في الملف النووي، وازمة العقوبات من دون الحصول على اي تنازلات منها. 

الحرص الايراني على استمرار او بناء العلاقة مع هذه الدول يصب في اطار المصالح الاستراتيجية وجزء منها وبما يخدم طموحاتها في الاقليم

وقد يكون الرهان الايراني في المبادرة نحو الامارات، يهدف الى ايصال رسالة الى تل ابيب، بان التعنت الذي تمارسه في معارضتها، لاي اتفاق او تفاهم بينها وبين واشنطن من جهة، وبينها وبين الاتحاد الاوروبي من جهة اخرى، ومحاولة استغلال حالة التوتر بينها وبين دول الجوار الخليجي، لن يوفر لها الارضية للاستفادة من الاتفاقيات، التي عقدتها مع هذه الدول وتوظيفها في جهود محاصرتها وتهديد امنها واستقرارها، خاصة وان اي اجراء ميداني عسكري قد تلجأ له تل ابيب، لن تكون اثاره ونتائجه محصورة في اسرائيل، بل سيطال المنطقة باكملها، وهذا يعني ان استقرار ومصالح هذه الدول سيكون في دائرة الخطر، وان هدف الخروج من دائرة الصراع الايراني الاسرائيلي، الذي يشكل احد اهم خلفيات خيار السلام معها، لن يكون مجديا. 

الخطوة الايرانية باتجاه الامارات والتي يمكن وصفها تجوزا بتطبيع المطبع قد تحاول طهران توظيفها كورقة ضغط على الصديق السعودي اللدود

الخطوة الايرانية باتجاه الامارات، والتي يمكن وصفها تجوزا بتطبيع المطبع، قد تحاول طهران توظيفها كورقة ضغط على الصديق السعودي اللدود، خاصة في ملف الازمة اليمنية، اذ ان اخراج الامارات من المعادلة اليمنية وابعادها عن التحالف العربي، يسحب من الرياض الورقة التي توفر لها الغطاء الخليجي، ويتركها تواجه وحدها ازمة البحث عن مخارج لهذه الحرب وازمتها، وبالتالي تسمح لطهران ومع الحوثيين في الاستفراد بها وفرض الشروط. وبالتالي اهدار فرصة التوصل الى تفاهمات وتطبيع العلاقة بعد خمس جولات من المفاوضات المباشرة بينهما، اصطدمت بتصلب سعودي، بضرورة الحد من النفوذ الايراني ودوره المخرب في دول المنطقة وعواصمها. 

السابق
بعد تقديم استقالتهن.. هذا قرار القاضي عبود بشأن القاضيات الثلاث!
التالي
رسالة من البابا فرنسيس الى عون.. ماذا جاء فيها؟