حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: أميركا ترفع «عصا الحرير» بوجه إيران.. ماذا عن الخليج؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

في متابعة الحراك الامريكي باتجاه منطقة الشرق الاوسط، وتحديدا الدول الخليجية، تتداخل وتتشعب الصورة والخيوط، لدرجة انها تقترب من ان تشابه خيوط العنكبوت، تغشي المشهد وتمنع من تتبع اتجاهاته وتفاصيله، بحثا عن رؤية واضحة تكمن او تختبئ وراء المواقف الامريكية المعلنة، خاصة وان العنوان الابرز والعريض لهذا الحراك، هو الموضوع الايراني وما يشكله من تحد امني وسياسي وعسكري ونووي لكل المنظومة الاقليمية، ومصدر قلق دائم لدول المنطقة، تضاعفه الطموحات الايرانية، التي تمتطي وتستخدم ما تملكه من اذرع وحلفاء في العديد من عواصم الشرق الاوسط، قادرة على عرقلة مشاريع الحلول او تعيق بناء رؤية منافسة او معارضة لمشروعها. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العراق تحت قبة الوفاق.. إبحث عن العبادي!

بيانان لا تفصل بينهما سوى ساعات، صدرا عن لقائين منفصلين ومحور مباحثاتهما المسألة الايرانية، وتحديات مرحلة انطلاق مفاوضات فيينا النووية واعادة احياء الاتفاق النووي، وفي كليهما تمسك واشنطن بمفاتيح المواقف والملفات، التي تم التباحث والتحاور حولها، وعبر عنها البيانان. الاول عقدته واشنطن بمشاركة اوروبية والدول الخليجية مع مصر والاردن، والثاني في اطار مجموعة العمل المشتركة الامريكية الخليجية حول المسألة الايراني. 

على الرغم من حقيقة الدور الامريكي المحوري في اللقائين الا ان مخرجاتهما تستدعي التوقف عند التوظيف الذي قامت به واشنطن لكل لقاء بشكل منفصل عن الاخر

على الرغم من حقيقة الدور الامريكي المحوري في اللقائين، الا ان مخرجاتهما، تستدعي التوقف عند التوظيف الذي قامت به واشنطن لكل لقاء بشكل منفصل عن الاخر، وبالاتجاه الذي تريده ويخدم مصالحها في المرحلة المقبلة. فاستخدمت العصا مع ايران في اللقاء الثلاثي الامريكي – الاوروبي – العربي، خاصة فيما يتعلق بموضوع انشطة تخصيب اليورانيوم، والدور الاقليمي وتهديدها لاستقرار وامن دول المنطقة بدعم جماعات مسلحة موالية لها، الا ان هذه العصا كادت تكون من “حرير” خاصة في توصيف ما قامت به طهران من تخصيب بدرجة 60 في المئة ، بالقول “حيث اتخذت إيران خطوات ليس لديها حاجة مدنية لها”، وان هذه الخطوة التي “ستكون مهمة لبرنامج الأسلحة النووية”، تفرض على ايران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتكون شاهدا دوليا على ما وصلت اليه هذه الانشطة، وانها لا تخطط للانتقال الى المستوى العسكري، بغض النظر اذا ما كانت قد تجاوزت هذه المستويات الى مستويات اعلى ومتقدمة. 

قد تكون الرسالة الامريكية في اللقاء مع الاوروبيين والعرب واضحة بالنسبة لايران

قد تكون الرسالة الامريكية في اللقاء مع الاوروبيين والعرب، واضحة بالنسبة لايران. في الشكل سارعت طهران في المقابل للرد عليها بلهجة قاسية، متهمة واشنطن بانها تسعى لمنع التقارب بين ايران وجيرانها وعرقلة مساعيها للانفتاح على المجتمع الدولي، من خلال العودة للعب على وتر “ايرانوفوبيا” وما تشكل من مصادر تهديد لامن ومصالح هذه الدول والعالم. اما في المضمون، فقد فهمت طهران الرسالة الامريكية المبطنة التي حاولت واشنطن تأكيدها بان الخروج من العقوبات، والعودة الى الاندماج السياسي والاقتصادي مع دول الجوار والمجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الاوروبي يمر بالاتفاق النووي، وهذه المرة من التفاهم المباشر معها.

ما لم تقله واشنطن، ولمحت له طهران مرارا في الايام الاخيرة، بان الطرفين ذاهبان الى واحد من خيارين، اما التفاهم او اعلان وفاة الاتفاق النووي. مع وجود رغبة عارمة لدى الطرفين في انهاء حالة التعليق التي تسيطر على مشهد العلاقة بينهما، والانتقال الى اعادة فتح قنوات التواصل والغاء العقوبات وعادة احياء الاتفاق كما هو من دون اي تعديل، مع وعود بحوارات مستقبلية حول الملفات الخلافية العالقة، المرتبطة بمصادر التهديد الايراني عبر نفوذها الاقليمي وبرنامجها الصاروخي الذي اضيفت له مؤخرا مسألة سلاح الطائرات المسيرة. 

“الجزرة” في الكلام الامريكي جاء في الحديث عن “جولة سابعة”، بما يعنيه هذا العنوان من ان المفاوضات المرتقبة هي استكمال للجولات الست، التي جرت اواخر ولاية الرئيس الايراني السابق حسن روحاني، والجدل الدائر في الكواليس الايرانية، عن امكانية وآلية التوصل الى “اتفاق جيد” مع واشنطن والدول الاوروبية، فضلا عن دفع روسي واضح لتسهيل انعقاد طاولة التفاوض، من خلال الضغوط والموقف الحاسم الذي تستخدمها بوجه الشريك الايراني، مهدت له اجراءات تتحفظ طهران عن كشف اسم الدولة المعنية، كانت نتيجتها الافراج عن اكثر من 3 مليار ونصف المليار دولار، من الاموال الايرانية المجمدة نتيجة العقوبات الامريكية، بالاضافة الى نقاشات جدية في مجلس العموم البريطاني، بين رئيس الوزراء بوريس جونسون وبعض النواب، حول الاليات التي تسمح لبريطانيا بدفع ديون ايرانية قديمة، يعود تاريخها لبداية الثورة الاسلامية عام 1979 وتبلغ 400 مليون جنيه استرليني. وتخفيف القيود الى حد يقارب الالغاء على مبيعات النفط في الاسواق العالمية. بحيث يمكن القول بان هذه الاجراءات تصب في الشرط الذي وضعه وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبدالليهان على واشنطن، بالافراج عن 10 مليار دولار من الاموال المجمدة، كبادرة حسن نوايا، قبل العودة الى التفاوض. 

ما لم تقله واشنطن ولمحت له طهران مرارا في الايام الاخيرة، بان الطرفين ذاهبان الى واحد من خيارين اما التفاهم او اعلان وفاة الاتفاق النووي

في المقابل، فان تأكيد واشنطن في بيان فريق العمل المشترك مع دول مجلس التعاون الخليجي، على ضرورة ذهاب هذه الدول مجتمعة للانفتاح على التعاون الاقتصادي والسياسي مع ايران، قد يكون هدفه من جهة، عرقلة او قطع مسارات الحوارات الثنائية التي تجري بين طهرن من جهة والرياض وابو ظبي من جهة اخرى، خصوصا وان الدول الاخرى في مجلس التعاون لم تنقطع علاقاتها مع طهران، وعلى تنسيق متقدم معها في الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية والامنية.  ومن جهة اخرى، القول لطهران بانها – اي واشنطن- على استعداد لسد وعرقلة كل مساعي وجهود الخروج، من تحت الضغوط الاقتصادية والتخلص من العقوبات واستكمال مسار التقارب بينها وبين دول الجوار، خاصة الخليجي في حال لم تلتزم بالعودة الى الاتفاق النووي، بما يسمح باستئناف الاشراف على الانشطة التي تقوم بها، والتعهد بوقفها وتنفيذ تعهداتها السابقة، مع الاحتفاظ بالمستويات التي وصلت اليها وعدم تجاوزها. 

“الجزرة” في الكلام الامريكي جاء في الحديث عن “جولة سابعة” بما يعنيه هذا العنوان من ان المفاوضات المرتقبة هي استكمال للجولات الست

الحرص الامريكي الذي تمظهر في الجولة المقررة، للمبعوث الرئاسي للملف الايراني روبرت مالي على عواصم الدول الحليفة في المنطقة، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، يستدعي التوقف عنده، هذه المرة، فالتركيز على هذه الدول، يأتي في اللحظة التي تشهد تقاربا خجولا بين طرفي الخليج (الرياض وابوظبي)، بالاضافة الى انزعاج واضح من الحراك الذي تقوم به هذه الدول، باتجاه النظام السوري وعودة الحديث عن امكانية عودة دمشق الى الجامعة العربية، وهو انفتاح يترافق مع ارتياح ايراني، قد توظفه طهران في تخفيف الضغوط الروسية عليها في الساحة السورية، كل ذلك قد يكون دفع واشنطن للمبادرة، الى ضبط الايقاع لمنع خروج الامور والتطورات عن السيطرة، خاصة مع وجود توجه لدى هذه الدول لاعطاء مصالحها الاولوية في علاقاتها الاقليمية والدولية. 

السابق
انتخابات المحامين: منافسة بين مرشحي الثورة والاحزاب.. لمن الغلبة؟!
التالي
العمل للنقل.. لا النقل للعمل؟!