باحثون يدافعون عن تصور غير قومي لمفهوم العروبة في «منتدى أصيلة»

العروبة إلى أين؟” في ظل التحولات الإقليمية والدولية الجديدة وواقع العالم العربي؛ سؤال طرحته ثالث ندوات جامعة المعتمد بن عباد التي ينظم دورتها الخامسة والثلاثين موسم أصيلة الثقافي في دورته الثانية والأربعين.

وبين رؤية العروبة بوصفها موئلا للتكتل دونَها مزيدٌ من التشتت، ورؤيتها موضوعا تلوكه الألسن منذ عقود دون أثر على واقع المنطقة من المحيط إلى الخليج، دافع مُتدخّلون عن تصور غير قومي للعروبة، أي غير مستند إلى العرق والتعصب والاستعلاء، مبرزين تحديات المستقبل التي تقتضي امتدادا لا يقتصر على الدول المتحدثة باللغة العربية، مع حضور إجماع على الحاجة حاليا إلى ترميم الصف الداخلي لدول المنطقة أولا، بعدما صارت كثير منها فاشلة أو مارقة، وفي ظل ما يهدد العديد منها من مخاطر التقسيم، والنزاعات الإثنية والطائفية، فضلا عن الصراعات البينية.

“عروبة” لا “قومية عربية”

سجل الحسين شعبان، أكاديمي وكاتب عراقي، أن “العروبة تختلف عن فكرة القومية”، فالعروبة، وفق تعريفه، “هوية جامعة ذات بعد حضاري وثقافي، وهي رابط وجداني يربط الأمة من المحيط إلى الخليج”، بينما “القومية فعل سياسي بشحنة إيديولوجية”.

ودافع شعبان عن عروبة لا تكون قومية؛ فلا تكون بالتالي “عروبة سياسية مفرّقة واستعلائية ومتعصبة”، وزاد طارحا مفهوم “العروبة الثقافية الجامعة الإنسانية”، التي هي “واقع وليست فكرة إيديولوجية”، وهي المتصلة بـ”المعرفة والشعر والتراث”، علما أنه “لا يمكن اختزال العروبة في النسب والقومية، وإلا أين نضع المعتمد بن عباد؟ والأندلس ككل؟”.

وانتقد الكاتب معتمدي “العصبية القبلية” الذين يقدمونها كعروبة، قائلا: “أين نضع إذن الجاحظ وابن خلدون وابن رشد وسيبويه وابن سينا وابن المقفع وبشار بن برد وصلاح الدين الأيوبي… إذا اعتمدنا قصْرَ العروبة بالعرق، فكلهم أسسوا للعروبة ثقافة ولغة؟”.

وعلى هذه “العروبة الحضارية” التي “ضد التفتّت”، يتابع شعبان، تأسس مشروع النهضة في القرن التاسع عشر، القائم على الحرية والتنمية المستدامة، مسجلا أن هذه العروبة “ليست مسألة ساكنة ونهائية، بل هي متجددة باستمرار، تتغير بعض مظاهرها حذفا وإضافة”، مؤكدا في الآن ذاته أن “اختلاف الهويات واقعي لا مفتعل، وللشعوب والجماعات والأشخاص الحق في الهوية”.

ويهدد العروبة، حسب المتحدث، تصدع الدولة العربية، وتراجع القضية الفلسطينية الجامعة للعروبة، وانفجار الهويات الفرعية، والرياح الطائفية والإثنية المناوئة لفكرة العروبة، وحضور قوى أخرى بالمنطقة، مثل تركيا وإيران.

وتشبث الكاتب بحاجة المنطقة إلى “التنوع وقبول الآخر والإقرار بالحق في الاختلاف”، قبل أن ينهي مداخلته قائلا: “لا بد من الكشف عن مصادر القوة الروحية لفكرة العروبة تاريخيا، كما سبق أن دعا إلى ذلك المؤرخ قسطنطين زريق، علما أن هذا مشروع لم ينجز، ويحتاج وعيا جديدا”.

أولوية “المصالحة الوطنية”

من جهته، قال محمد بن عيسى، الأمين العام لمنتدى مؤسسة أصيلة، إن محاولات التحديث التي ظهرت في العالم العربي منذ القرن 19 قد اقترنت وامتزجت بالعروبة في ثلاث صياغات متميزة؛ أولاها “صيغة حضارية” تمثلت في جهود المفكرين والأدباء الذين آمنوا بإمكان النهضة العربية، باستلهام قيم الإصلاح والتنوير الديني واستنباتها في العالم العربي، وثانيها في الصيغة الإيديولوجية المتمثلة في التنظيمات السياسية والحركية التي تبنت القومية العربية، وعمل فيها دعاة الوحدة العربية انطلاقا مما اعتبروه المقوّمات المشتركة التي يمكن أن يتم بها تشييد الدولة العربية المكرسة لهوية الأمة، أما الجانب الثالث فهو النظام الإقليمي الاندماجي الذي تبنته جامعة الدول العربية”.

وتوقف بنعيسى، الدبلوماسي الذي سبق أن تقلد منصبَي وزير الثقافة ووزير الخارجية، عند التحولات الإقليمية والدولية التي تعيش المنطقة تحولاتها، والتي أثرت إلى حدود اللحظة سلبا على فكرة العروبة، إضافة إلى الشرخ في كيان الدولة الوطنية بعدد من الأقطار العربية، و”التداعيات الكارثية” لذلك في “بعض التجارب المريرة”.

هذا الوضع، بحسب المتحدث، “شجّع القوى الإقليمية غير العربية على التدخل والتأثير في الساحة العربية المضطربة”، وهو ما فجر بـ”صيغة أو أخرى النّزعات الإثنية والطائفية، بما في ذلك في الدول التي كانت مهد العروبة والقومية العربية”.

ومع تشبثه بالأمل، وإمكان التفكير والعمل من أجل “آليات جديدة” تستشرف الواقع العربي الجديد، وما تعرفه منطقته المجاورة، سجل بن عيسى أن “النقاش الجاد يبدأ بانتقاد الذات”، وأن “المصالحة” داخل الدول نفسها “مسألة مهمة جدا”، فـ”لا أسرة في بيت مقسم مهجور”.

من جهته، ساءل مصطفى نعمان، سفير يمني سابق لدى إسبانيا محلل سياسي، الوجود العملي لأثر فكرة العروبة، قائلا: “فكرة العروبة هل هي اجتماعية أم سياسية، أم فقط لغة تجمع مساحة جغرافية يقطنها مجموعة من الناس؟”، قبل أن يجيب جازما: “لا أجد في فكرة العروبة أكثر من موضوع نلوكه منذ عشرات السنين، لكنه لا ينعكس على المنظومة الاجتماعية والسكانية المتحدثة بهذه اللغة”.

وقدم المتحدث مثالا بـ”الجامعة العربية التي لم تستطع التدخل وحل مشكلة عربية واحدة”، بل “نشأ الاتحاد المغاربي لضعفها في القيام بالمهمة التي أنشئت من أجلها”. وتابع قائلا: “هي فكرة جميلة ومثالية، لكن لا نستطيع إسقاطها على أرض الواقع بسبب غلبة الذاتي على الموضوعي، وما يحدث من نزاعات في العالم العربي كثير منها ذاتي، ومن الغريب والعجيب أن تتحول إلى أزمات”.

وواصل متسائلا: “أَ العروبة فكرة فقط كنا نتغنى بأغانيها ونحن صغار (… ومن نَجْدٍ إلى يمن إلى مصر فَتِطوان…) بينما المفهوم السياسي للعروبة مفرغ من جوهره ومضمونه، وكان يجب أن نعمل من أجل ترسيخه؟ ماذا أنجزت الجامعة العربية وهي تجمع 22 دولة في مجالس اقتصادية واجتماعية وشبابية وإعلامية… لكنها مجرد جهاز إداري يقبض فيه عاملوه مبالغ سخية، بتقاعد سخي، لكن هل ينجزون ما أنشئت من أجله؟”.

واسترسل السفير اليمني السابق: “ما دور الجامعة العربية في الأزمة الخليجية الأخيرة؟ لا مقترح، ولا استطاعة للوساطة ولا الانخراط، لأن الدول في مجلس التعاون لم تسمح لها، لأنها جعلت الشأن الخليجي خارج الجامعة العربية، وهذه الأخيرة لا تستطيع أن تعمل شيئا في واقع الأمر، ولماذا لا نستطيع إيجاد بدائل لها؟ لِعدم وجود إرادة، لا لإيجاد بديل ولا لتفعيل الموجود”.

وأضاف المتحدث: “كيف لا يوجد مبعوث عربي كما أن هناك مبعوثين أمميين (…)؟ هل العروبة هي التحدث بلغة واحدة (…) ومساحة جغرافية واحدة، ومصالح واحدة، ومخاطر مشتركة؟ علما أن مصالحنا ليست واحدة، فالعلاقة مثلا مع دولة تزعج الإقليم، تكون مزعجة لطرف وطيبة لطرف آخر. هل العروبة مجرد شعار نتغنى به أم فكرة علينا التمسك بها وتطويرها وتفعيلها في مجتمعاتنا؟”.

وأجمل نعمان تدخله قائلا: “كثير من الدول العربية تحتاج مصالحة وطنية داخلية، ليشعر المواطنون بأنهم أصحاب حق لهم مسؤوليات وعليهم واجبات، وبعد هذا الاستقلال الوطني، يمكن أن نتحدث بعد ذلك عن العروبة”.

من جهتها تحدثت إلهام كلاب، رئيسة جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان بلبنان، عن إسهام النساء اللبنانيات في الفكر النهضوي، من خلال الإعلام، معرجة على “الطور الاستبدادي” الذي دخلته لبنان في متم القرن التاسع عشر تحت الحكم العثماني، مما أدى إلى ظهور هذه الإسهامات اللبنانية أولا في مصر، حيث أسهمت النساء في “النهضة” من خلال الصحافة، والصالونات الثقافية، والمسرح… وعددت نماذج أبرزها روز اليوسف التي تستمر مجلتها في الصدور إلى اليوم. قبل أن تتوقف عند واقع الإعلام في المجال الجغرافي نفسه، قائلة: “لكل عصر نضاله وقضاياه وسقفه”.

وتفاعلا مع سؤال الندوة “العروبة إلى أين؟” تساءلت الباحثة “لبنان إلى أين؟”، بعدما كان “مهدا للعروبة”، ساهم في “صيانة اللغة والثقافة”، إلا أن “لبنان الرائد يكاد يفقد ريادته، وتلك العصبيات التي قضينا دهرا نواجهها، تعود بقوة بسبب الفساد وسوء الحوكمة…”.

وفي متم تعقيبها على مداخلات الجمهور، تمنت الباحثة أن تتطور في المنطقة “فكرة المواطنة، بدل الطائفة والعائلة”، علما أنه “في هذه المرحلة نحتاج ترتيب البيوت الداخلية للدول أولا”.

“لا يجب أن نفقد الأمل”

من جهته، ذكر نبيل الحمر، مستشار ملك البحرين، أن الساحة العربية تشهد حروبا داخلية وصراعات بين إخوة، وتدخلا خارجيا، في “صورة قاتمة لا يجب أن تفقدنا الأمل”، لأنه “توجد بذور تحولات عربية إيجابية، فالإنسان العربي أصبح أكثر وعيا بالمؤامرات التي تحاك، وأكثر تشبثا بعروبته، وكثير من الدول التي عانت بدأت تستوعب الدروس وتعود رويدا رويدا إلى صفوف أمتها”.

ومع إبراز تعدد الخيارات في آسيا وإفريقيا، بعدما “لم يعد العالم منقسما إلى معسكرين”، ذكر المتدخل أنه ما تزال للمنطقة “ليس فقط قدرةٌ على مواجهة التحديات والتحولات، بل صناعة التحولات، لتكون قوة يحسب لها حساب في الاستراتيجيات والسياسات التي يتخذها آخرون”، قبل أن يختم بالقول: “ضماناتنا الأكبرُ في البقاء والصمود والإنجاز”، والتشبث بـ”العمق الاستراتيجي لنا جميعا”.

وبالنسبة إلى كايد هاشم، نائب الأمين العام للشؤون الثقافية في منتدى الفكر العربي، فإن “إدامة التَّفَاكُر في مآلات العالم العربي، دليل عافية”، من “الفكر المستنير” و”التطلع الإنساني المشروع” لـ”الخروج من حلقة معاناة طويلة، للأمة ومكوناتها، بعد ما يزيد عن القرن من التحولات، التي أنتجت تحديات متلاحقة، وصدامات أيديولوجية ومادية”.

ورأى المتحدث أن المشروع النهضوي العربي الذي بدأ يتشكل منذ منتصف القرن التاسع عشر، لم يتسن له “الانتقال إلى الواقع، على نحو يتيح تقييمه بصيغة شمولية، وإن كانت التجربة لا تخلو من دروس مستفادة من واقع التراجع والانتكاس”، مع استحضاره كون الرؤى النهضوية “حصيلة جماعية” للفكر والعمل الجمعوي، “تدور في فلك الحوار المعرفي الشامل الذي يتوخى مصلحة”، في إطار “منظور تنموي شامل”، يجعل الإنسان “أساس المواطنة وعمادها”.

ورصد المتدخل واقع المنطقة التي شهدت وتشهد الاستعمار والتدخلات والأجندات الخارجية، والصراعات الإيديولوجية، والاصطفاف بين معسكري الغرب والشرق في أثناء الحرب الباردة، والقصور التنموي، والتبعية الاقتصادية، واتساع الهوة التقنية، وقضايا التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان والحرية والتطرف والتشرذم.

وتقتضي “التنمية بمفهومها الشامل”، وفق هاشم، إعادة الترابط العربي في حقول التنمية الذي يبدأ بالمفاعيل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وصولا إلى بناء كتلة اقتصادية تشكل صوتا للمنطقة العربية ضمن كتل متنافسة أخرى.

“فكرة ناظمة لا بديل عنها”

عبد الله السيد ولد أباه، أكاديمي موريتاني منسق الندوة، تحدث عن “الرصيد الإيجابي لفكرة العروبة”، منبها إلى ما أدته في وقت سابق من “مسؤوليات كبرى صانت هوية هذه الأمة”، بعدما برز “دور الأدباء والمفكرين من بلاد الشام ومصر”.

وأضاف: “هي فكرة كانت وقودا لحركية المقاومة ضد الاستعمار والاحتلال الأجنبي، ونذكر هنا البعد الثقافي الأساسي لحركية المقاومة. والأفق الاستراتيجي لبلدان المنطقة، علما أن فكرة النظام الاستراتيجي العربي إنجاز في حد ذاته. والتكامل الموضوعي الاقتصادي الذي أدى أدوارا إيجابية عبر صناديق التنمية العربية، والمنظمات الثقافية العربية التي لها أدوارها الإيجابية، وهذا كله حقيقة”.

لكن الأكاديمي الموريتاني استدرك متحدثا عن تحديين كبيرين؛ أولهما اعتبار “الدولة الوطنية”، في مرحلة معينة، “عبئا، وكنا نسميها دولة قطرية ودولة تجزئة لا شرعية لها”، في حين إن ما يطرح على العروبة أولا هو: “كيف نطرح مشروع الدولة المهدد بالحروب الأهلية والتدخل الخارجي؟”، و”كيف نطرح مسألة التحديث السياسي وما هو أهم من الديمقراطية: بناء المجال العمومي وبناء هندسة سياسية لحفظ الدولة العربية؟”.

ثاني التحديين أمام المنطقة العربية، وفق ولد أباه، وجود “تشكل إقليمي جديد وتحولات دولية كبرى وتحولات إقليمية تستهدفنا كعرب”.

ثم استرسل متحدثا عن “نمط من التحدي في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، التي لها ارتباط حيوي بالعالم العربي في الخليج وواد النيل مثل مصر والسودان، وهي تحديات لم يعد بإمكاننا معها إعادة بناء النظام الإقليمي العربي دون أن نكون فاعلين فيها”. وكذلك “منطقة الساحل والصحراء، ومنطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا التي لا يمكن أن تتصور حلولا استراتيجية لإشكالاتها الراهنة دون منطقة أوسع تشملها، هي الساحل ومنطقة غرب إفريقيا، ومنطقة ثالثة هي شرق المتوسط، التي تتمحور حولها العديد من التحديات الاقتصادية والاستراتيجية، ولا يمكن إعادة بناء نظام إقليمي عربي دون أن نكون طرفا فاعلا في هذا المجال الحيوي”.

ونفى عبد الله السيد ولد أباه عن نظره التشاؤم، قائلا: “هذه الفكرة التي حكمتنا في الماضي يمكن أن تكون قوة دافعة في المستقبل أيضا”، ثم زاد معقبا على أسئلة الحضور: “من حقنا وواجبنا انتقاد الإيديولوجيات القومية العربية، وتقسيم النظام الإقليمي العربي، لكن ما البديل عن فكرة العروبة؟ هذا هو السؤال. سؤال الندوة حول العروبة كفكرة ناظمة للوجود العربي المشترك التي علينا تحصينها، وليس عنها بديل، وليست الندوة عن القومية العربية”.

إما “وعي بالتهديدات” أو “مزبلة التاريخ”

تاج الدين الحسيني، أكاديمي محلل سياسي مغربي، نبه من جهته إلى وجود “تهديد حقيقي لهويتنا وعروبتنا، لا يقتصر على العروبة كفكرة وممارسة، بل يهدد كياننا من الداخل والخارج”، وشارح بالقول: “من يشكك اليوم في الحضور الإيراني القوي وإرادة إيران في وجود أكبر وحضورُها سيؤدي إلى مزيد من الطائفية، وتركيا التي ولو نعيش معها سلما على أكبر المستويات، لكن وجودها القوي يؤثر بقوة، وإسرائيل؟”.

وزاد المتحدث: “هذه قوى إقليمية صاعدة تؤثر في كياننا، فضلا عن القوى الشمولية مثل أمريكا والصين والاتحاد الأوروبي. هذا تهديد يمس كياناتنا الجغرافية (…) ومن كان يصدق أن هذا التقسيم سيصير واقعا؟ وشاهدنا السودان ينقسم. (…) إذا لم نفطن إلى حقيقة التحديات، التي تبدأ بهرم فكرة العروبة، وواقعنا المعاش والمواجهات الطائفية والحروب الأهلية (…) فسيُدخِلنا تفتيت الدول إلى كيانات صغيرة في حلقة تبعية ليس لها سابق ثم إلى مزبلة التاريخ”.

وفي تساؤل عن وجود نظام إقليمي عربي، قال الحسيني: “هل كانت حدود دقيقة تفصلنا عن جيراننا؟ في بلداننا عندما شرعت تمارس السيادة (…) والنظام يعني وجود وحدات معينة تتعايش وتتفاعل وتحدد مواقف خاصة بها تجاه أطراف أخرى خارجها”.

ومع استحضار تعريفٍ لعناصر “النظام الإقليمي”، شرّح المحلل واقع المنطقة، قائلا: “أول عنصر هو التجانس الثقافي والاجتماعي؛ والعالم العربي غني بالعناصر بالحديث بلغة واحدة وأكثر من 90 في المائة يدينون بالإسلام وتداخل إثني لا مثيل له. وثاني العناصر التقارب الجغرافي المتحقق في كون العالم العربي وحدة جغرافية من المحيط إلى الخليج، بل هو مجال استراتيجي ومركزي للقاء الحضارات”.

هنا، قال الحسيني إن من عناصر تعريف “النظام الإقليمي” المواقف السياسية والسلوك الخارجي المشترك. ثم أضاف: “يجب أن نتوقف ونطرح السؤال متى كانت لهذا النظام نفس المواقف خارجيا ولنسائل ممارسة مبادئ الديمقراطية ودور العسكر…”، أما رابع العناصر فوجود “المؤسسات السياسية المتجانسة أو المشتركة من برلمان ومجالس اقتصادية وفصل للسلطات… ونعاني من اختلال في هذا العنصر”. أما آخر العناصر فهو: “الاعتماد الاقتصادي المتبادل”.

ومع استحضار محاولات الوحدة التي “ليست بالشيء النادر في العلاقات العربية”، إلا أن المتحدث سجل كونها فشلت في مجموعها، باستثناء الخليج العربي، لكن مجلس التعاون تلقى “ضربة موجعة” في القطيعة مع قطر.

ورصد المحلل أن توقف هذه المحاولات لم يكن يقف في مرحلة الاندماج، وقدم مثالا بالاتحاد المغاربي الذي وضع “وثيقة استراتيجية مغاربية مشتركة” وقع عليها رؤساء الدول في سنة 1990، وتحدثت عن تأسيس منطقة تبادل حر في 1992، ثم التطور التدريجي في 1995 لإزالة الحواجز الجمركية بينها في المواجهة مع الخارج، للوصول إلى سنة 2000 التي تكونت فيها “السوق المغاربية المشتركة”، في “استراتيجية لعدم الوقوع في خطأ الجامعة العربية التي أعلنت السوق العربية المشتركة في سنة 1965″، لكن، تاج الدين الحسيني سجل أن هذا توقف لمّا “سارعت المؤسسة العسكرية الجزائرية بعد صعود “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” إلى إجهاضها، في أخطاء قاتلة تقتل مراحل الاندماج والتطور في مهدها”.

وزاد قائلا: “نتمنى أن نراجع الدرس مجددا لندرك الأخطاء الحقيقية لتفاديها. وعالمُنا العربي، بكل تشاؤم، يعيش في أسوأ أزماته منذ تاريخ نشأة دوله وحصولها على استقلالها، فنصفها إما دول فاشلة بمعنى أن الدولة المركزية لم يعد لها نفوذ، أو دول مارقة، والبعض الآخر يتأرجح بين هذا وذاك”، علما أن “الصراعات الحقيقية -توجد-داخلها”.

ولم يرَ الحسيني “إمكانية لمستقبل أفضل” إلا بالعودة إلى “أنفسنا، وأوطاننا، وبلداننا”، و”تطبيق المعايير الكبرى التي اعتمدتها الحضارات الكبرى في سلوكها، من تطبيق ديمقراطي سليم في مؤسساتنا دون الاقتصار على الانتخابات التشريعية”، في واقع يشهد وجود “زعامات ماراثونية تؤدي إلى عزوف الشباب، ومؤسسات فكرية تغيب فيها النزاهة الفكرية والصدق”، وهو ما يظلّ معه “السلاح الوحيد بأيدينا: إصلاح الداخل الوطني بكل بلد، في انتظار مرحلة أفضل لنتحدث عن الاندماجات الإقليمية، ثم الوحدة، ثم أمة تستحق مواجهة باقي الأمم كنموذج للرقي والحضارة والتقدم”.

السابق
استعدّوا لارتفاع جديد بسعر فاتورة المولدات!
التالي
اللبنانيون ممنوعون من الدخول الى الكويت.. لا تأشيرات حتى إشعار آخر!