حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران واذربيجان تلعنان.. «الشيطان»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

قبل اسابيع شهدت العلاقات الايرانية الاذربيجانية تصعيدا غير مسبوق، وتوترا كاد يقود الى حرب مفتوحة بين الطرفين، على خلفية اجراء قامت به حكومة باكو، بفرض رسوم جمركية على الناقلات الايرانية التي تعبر في الممر الحدود، بين اذربيجان وارمينيا باتجاه جورجيا ومنها الى اوروبا. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «ليالي الأنس» في بروكسل وليس في فيينا!

طهران اعتبرت الاجراء التي قامت به باكو تهديدا استراتيجيا، ومحاولة لاحداث تغيير في الواقع الجيوسياسي في منطقة القوقاز الجنوبي، يهدف الى محاصرة ايران بالتنسيق مع الحكومة التركية، ودعم من الحكومة الاسرائيلية. وفي خطوة سريعة، لجأت الى اعلان مناورات عسكرية مشتركة، بين الجيش النظامي وقوات حرس الثورة اطلقت عليها اسم “فاتحو خبير” ، في منطقة صفر مسافة عن الحدود المشتركة، معلنة انها على اتم الاستعداد للتصدي للمخطط الاسرائيلي الساعي لاستهدافها، بالاضافة الى استعدادها لمواجهة الخطر المتأتي، من وجود جماعات تابعة لجماعات سورية ارهابية تعمل بالامرة التركية. 

شهدت العلاقات الايرانية الاذربيجانية تصعيدا غير مسبوق وتوترا كاد يقود الى حرب مفتوحة بين الطرفين

في تلك المرحلة وصفت طهران المناورات التي قامت بها، والحراك الدبلوماسي والوفود العسكرية التي جالت على العواصم المعنية بهذه التطورات، سواء باكستان وموسكو في زيارة قائد الاركان المشتركة الجنرال محمد باقري، او تحرك وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان، كانت تهدف لمنع الوصول الى الحرب العسكرية، ومحاولة حصرها في الحرب الكلامية والضغوط المتبادلة، من أجل التوصل الى تسوية للازمة الناشئة. كلها جاءت تحت السقف الذي رسمه المرشد الاعلى للتعامل مع الخلاف مع اذربيجان، خصوصا وان اي تصعيد كان سيؤدي الى حدوث شرخ خطير، تطال تداعياته الداخل الايراني وقد يفجر نزاعا قوميا تحت الرماد بين الحكومة المركزية وابناء القومية الاذرية التي تسكن المناطق الحدودية مع جمهورية اذربيجان وتركيا، خصوصا في ظل وجود حركات اذرية انفصالية تدعو الى الانفصال عن ايران والاندماج مع جمهورية اذربجيان. بحيث عمدت الى استيعاب الابعاد التي دفعت اسلام اباد للمشاركة في المناروات العسكرية الى جانب تركيا واذربيجان، بالاضافة الى محاولة تفريغ الهجوم التركي التصعدي الذي حاول البحث عن متنفس لما يتعرض له من ضغوط في مناطق اخرى، وبالتالي ضبطه تحت سقف المصالح المشتركة بين الاطراف المعنية في هذه المنطقة الاستراتيجية ان كان باعتبارها جزء رئيسا من خطوط النقل والتجارة في بين اسيا واوروبا، او لجهة ما تختزنه من كميات هائلة لمصادر الطاقة من نفط وغاز. 

الحل الالتفافي الذي لجات له طهران بالاتفاق مع العاصمة الارمينية ايروان، على فتح طريق التفافي يبتعد عن مناطق النزاع ومصادر  التوتر الاخير مع باكو، استطاع التخفيف من مسار التصاعدي للتوتر والنزاع، وهدأ من حدة اللهجة التي سيطرت على مواقف الرئيس الاذربيجاني الهام علييف تجاه ايران. وسمح بعودة الاتصالات الدبلوماسية، في محاولة لمحاصرة ذيول هذا التصعيد والعودة الى الحوار، من اجل التوصل الى مخارج تحافظ على مصالح  جميع الاطراف. 

بدأت ايران مسيرا التفافيا في تسويغ مواقفها التصعيدية ضد جمهورية اذربيجان على خلفية علاقاتها مع اسرائيل

وفي السياق نفسه، بدأت ايران مسيرا التفافيا في تسويغ مواقفها التصعيدية ضد جمهورية اذربيجان، على خلفية علاقاتها مع اسرائيل، والسماح لها باستغلال اراضيها لتهديد الامن والاستقرار الايراني، من بوابة حدودها الشمالية الغربية. اذ جاء الاتصال الهاتفي، الذي اجراه وزير الخارجية عبداللهيان مع نظيره الاذربيجاني جيحون عزيز أغلو بيراموف، على خلفية اطلاق باكو سراح سائقين ايرانيين سبق ان اعتقلا بداية الازمة، بمثابة دعوة ايرانية لنسيان ما حصل بين البلدين في الشهر المنصرم، بحيث يمكن اعتبار هذه الخطوة التي قام بها الوزير الايراني، هي خطوة منطقية على طريق وقف التصعيد، والبحث عن حلول دبلوماسية وسياسية لهذه الازمة، لادراك طهران عدم قدرتها على تحمل تبعات اي تصعيد قد يأتي نتيجة المناورات العسكرية التي اجرتها، وامكانية ان ترتد عليها الامور سلبا، وبالتالي فان استعادة الهدوء على خط العلاقة مع باكو، يشكل المدخل او السلم الذي يسمح لقادة عسكريين من حرس الثورة، بالنزول عن التصريحات والتهديدات التي اطلقوها، وانهم سيحرثون الاراضي التي تستثمر فيها اسرائيل زراعيا في اذربيجان، وتستخدمها للتجسس على ايران. خصوصا في ظل الانشغالات التي تستنزف جهودها في ساحات اخرى، تبدأ من افغانستان ولا تنتهي في العراق وسوريا، بالاضافة للضغوط الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، والبحث عن آليات عودة مأمونة الى المفاوضات النووية. 

عادت طهران للحديث عن المشتركات المذهبية والثقافية والتاريخية والقومية التي تربط بين شعبي البلدين من اجل بناء علاقة متينة تضع حدا للتصعيد

قد لا يكون مستغربا ان تلجأ طهران الى استراتيجية جديدة، في التعامل مع الضغوط الخارجية، والتي تعتبرها بالدرجة الاولى اسرائيلية، وهي استراتيجية تقوم على “عكس مفعول” ما تتحدث عنه كاستراتيجية اسرائيلية، التي تعمل على تعميق الخلافات بين ايران ودول الجوار، سواء العربية منها او غير العربية، باعتماد سياسة الانفتاح وخفض التوتر مع هذه الدول، واعادة ترميم العلاقات معها والابتعاد عن العداء والخلاف، ما يساعد في ابعاد التهديد الاسرائيلي عن حدودها. وفي الحالة الاذربيجانية، عادت طهران للحديث عن المشتركات المذهبية والثقافية والتاريخية والقومية، التي تربط بين شعبي البلدين، بعد ان تم تناسيهما في الايام الماضية، من اجل بناء علاقة متينة، تضع حدا للتصعيد، وتقطع الطريق امام الاستغلال الاسرائيلي. وهو الامر نفسه الذي تسعى جاهدة لتحقيقه، والوصول اليه مع دول الجوار الخليجي، وتحديدا الحوار القائم مع المملكة العربية السعودية، واصرارها للوصول الى نتائج ايجابية ونهائية، تعيد العلاقات بينهما بحيث تشكل نكسة للجهود الاسرائيلية الساعية لعرقلة هذا المسار، في حين تحاول مع دولة الامارات العربية المتحدة قطع الطريق امام تل ابيب لعدم توظيف اتفاقية السلام الموقع مع ابو ظبي ضد مصالحها. 

التجربة الاذربيجانية قد تشكل مؤشرا على مرحلة جديدة من التعامل الايراني مع الازمات التي تواجهها في الملفات الدولية والاقليمية

التجربة الاذربيجانية، قد تشكل مؤشرا على مرحلة جديدة من التعامل الايراني، مع الازمات التي تواجهها في الملفات الدولية والاقليمية، وان السلطة الجديدة ترى ان هذه المرحلة، تشكل فرصة ذهبية لاخراج ايران من الازمات التي افتعلتها في السابق، بناء على صراعات داخلية، لكنها خرجت عن السيطرة وتحولت الى تهديد استراتيجي للمصالح الايرانية، وبالتالي فان النظام والدولة العميقة، لن يسمحا بتفويت فرصة التأسيس لنقلة نوعية بقيادة تيار وقوى النظام، تعيد وضع ايران على الخارطة الدولية والاقليمية في اطار سياسة الانفتاح والتعاون والحوار، وبناء علاقات ايجابية ومستقرة مع الخارج. 

المصالح الايرانية والحاجة الى التهدئة على جميع الجبهات دفعت الدبلوماسية الايرانية للمبادرة باتجاه باكو من اجل ترميم العلاقة

المصالح الايرانية والحاجة الى التهدئة على جميع الجبهات، دفعت الدبلوماسية الايرانية للمبادرة باتجاه باكو، من اجل ترميم العلاقة وتفعيل المصالح الاقتصادية المتشركة ومنع استغلال الازمة وعدم الانزلاق نحو الاسوء، وبالتالي قد تكون سلاحا لمواجهة المشروع الاسرائيلي لاستهداف ايران. وهي دعوة ايرانية لكل دول الجوار لـ “لعن الشيطان الاصغر– اسرائيل” الذي يوسوس بين الجميع ليزيلهم عن طريق المحبة والاخوة، ويودي بهم الى طريق الضلال وبئس المصير!

السابق
الوضع «مزر» في قطاع الاتصالات.. فهل يتوقّف عن العمل؟
التالي
أميركا «تهز العصا» لحزب الله وباسيل..ولبنان خارج تفاهم الرياض- طهران المرتقب!