«حزب الله».. كمين على مين؟!

حزب الله وطارق البيطار

كل فكرة مفادها التظاهر ضد القاضي طارق البيطار، هي فكرة خاطئة يريد الثنائي الترويج لها. الأصح أن الثنائي الشيعي يتظاهر ضد القضاء بأكمله، لأن القاضي البيطار التزم بقرارات القضاة الذين لم يوافقوا على كف يده عن الملف، وبالتالي فهناك قضاة جددوا له الثقة، بعدم كف يده عن الملف. مما يعني أن حصر الحديث عن البيطار والتصويب نحو شخصه فقط لا غير هو تصويب خبيث مفاده؛ نحن كثنائي شيعي ندعم القضاء ونرفض البيطار. الثنائي الشيعي يود القول بأن المشكلة هي بشخص القاضي، لكن سياق الأحداث لا يوحي بذلك أبدًا، فالصحيح بأن كل تظاهر ضد البيطار يعتبر حالة مناهضة للقضاء بأكمله.

إما إغلاق ملف التحقيق بنهاية سعيدة لحزب الله وإما التلويح بالحرب الأهلية كما شهدناها أمس

وسياق الأحداث يشير بما لا يحتمل الشك، بأن حزب الله وحلفاءه، لا يريدون متابعة التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت، سيما وأن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، كان قد اتهم في وقت سابق القاضي فادي صوان بأنه “يعمل وفق أجندة 6و6 مكرر الطائفية وهذا لا يجوز”، وبعد كف يد صوان والإتيان بالبيطار، سرعان ما وجهت تهم للقاضي الجديد بالإستنسابية. هي استنسابية وطائفية وصهيونية ومؤامراتية، وشتى أنواع الإتهامات ستوجه لكل قاض لا يلتزم بالتعليمات، ويشذ عما يريد له حزب الله أن يكون، وعما رسمه سلفًا لنتائج التحقيقات. وكل ما عدا ذلك سيكون بمثابة وضع اللبنانيين أمام خيارين أحلاهما مر: إما إغلاق ملف التحقيق بنهاية سعيدة لحزب الله (خطأ مهني ودفع شركات التأمين للتعويضات وكان الله يحب المحسنين)، وإما التلويح بالحرب الأهلية كما شهدناها أمس الخميس على خطوط التماس بين الشياح وعين الرمانة.

شيعة شيعة…

عديدة هي النقاط التي يمكن الخوض بنقاش حولها. تبدأ من النواح الحاصل بعد وقوع المتظاهرين “السلميين”، في كمين المتظاهرين المدججين بالأسلحة والعتاد والقذائف، على مرآى من الجيش اللبناني، ودخولهم إلى أحياء ذات لون مسيحي، وهتافهم “شيعة شيعة شيعة”، وتكسير السيارات، كما عاثوا فسادًا في المنطقة. لكن ما فاجئهم وهز ضمائرهم وأزعجهم أن هناك من واجههم. هم هكذا دومًا يطمحون لاستباحة الجماعات الأخرى، ولا يستسيغون أي ردة فعل من قبل الطرف الأخر.

هم هكذا دومًا يطمحون لاستباحة الجماعات الأخرى، ولا يستسيغون أي ردة فعل من قبل الطرف الأخر

لكن للمفارقة، في كل هذه الحروب الأهلية المتنقلة “حروب جونيور”، لم نسمع ان القوات اللبنانية اقتحموا منطقة الشياح، ولم نسمع بأن عرب خلدة اقتحموا أحياء الشيعة، ولم نسمع أن أهالي شويا اقتحموا قرى شيعية، ولم نسمع أن الدروز نزلوا من الشويفات ونهبوا أحياء الشيعة في حي السلم والصحراء، ولم نسمع أن مسيحيي دير الأحمر قاموا بهجوم عسكري لاحتلال بعلبك. كل ذلك لم نسمع عنه.

كانت دومًا الأمور كالتالي: حزب الله يدخل إلى مناطق الجماعات الطائفية، ويهدد عيشهم وأمنهم ويفرض ستاتيكو جديد عليهم، وعلى حياتهم المجتمعية والسياسية فرضًا وبالقوة. هذا هو لب الموضوع، وكل ما عدا ذلك تفاصيل مكررة يومية وستعاد مئات المرات. المشكلة أن هناك حزبًا لم يكف يومًا عن تهديد اللبنانيين، وممارسة العنف بحقهم كما في السابع من آيار، وكما حصل مع منتفضي 17 تشرين، وكما يحدث مع الشيعة المعارضين، وكل ذلك بغية فرض أجندته بالقوة والعنف المادي والمعنوي.

بدنا نقبعك!!

على سبيل المثال، في أي خانة يمكن وضع كلام وفيق صفا حين قال للقاضي بيطار “بدنا نقبعك”، وفي أي خانة يمكن وضع خطاب نصرالله حول البيطار ووصفه بأنه “مسيس”، والطلب من الحكومة التدخل لتنحيته، وفي أي خانة يمكن وضع حديث علي حسن خليل قبل يوم من أحداث الخميس، بأنهم سيلجأون إلى الشارع لإسقاط البيطار، وفي أي خانة يمكن وضع الحملات العنيفة على السوشيال ميديا وتخوينهم للبيطار، ووصفه بالعميل الصهيوني وبأنه ينفذ أجندة أمريكية وقواتية، وفي أي خانة يمكن وضع مقالات جريدة الأخبار وتحريضها المستمر منذ شهر وأكثر (البيطار دفع أقساط شقته، البيطار لديه أموال، اتق الله يا بيطار وارحل) ألخ..

سيكون الأمر غريبًا لو لم يكن هناك التحضير لمواجهة هذا الغزو المغولي من قبل الثنائي الشيعي

بعد كل ذلك، يتفاجئ حزب الله بأنه وقع في كمين! كمين على مين! للصراحة سيكون الأمر غريبًا لو لم يكن هناك التحضير لمواجهة هذا الغزو المغولي من قبل الثنائي الشيعي في كل مرة باتجاه طائفة أخرى ومنطقة أخرى. على سبيل النكتة كتب أحدهم في الفيسبوك: “والله حرام هالحزب، دايمًا بيوقعوا بكمين، بكونوا رايحين مظاهرة عفوية، حاملين عبوات الماي والتلفونات وأعلام لبنان، ويا دوب مع كم قطعة سلاح وقذيفة، بيتفاجأوا بكمين، طب معقول ما خلوهن يقصفوا آر بي جي، ولاو!”.

فاتورة الدم

يمكن القول بأريحية، بأن الدم المسال فاتورة مسؤول عنها الثنائي الشيعي، وهي فاتورة كان يهدف إليها من أجل وضع معادلة جديدة قوامها: “الدم مقابل الدم، أي أن لكم شهداؤكم في المرفأ ولنا شهداؤنا في مواجهة البيطار، وتعالوا نقفل الملف، وإلا.. وإلا.. فالويل والثبور من عظائم الأمور، فالجولة الثانية لن تكون كما سابقتها”، هذا لسان حال حزب الله.

ومن النافل القول: لا يوجد شخص في لبنان لديه ذرة عقل، يمكن أن يواجه حزب الله سوى شخص مجنون أو ساعي وراء الحقيقة. لذا، ما فعله القاضي بيطار لا يمكن أن يصب بأي حال من الأحوال في خانة النكد السياسي، أو في خانة ضرب خصوم التيار الوطني كما يدعي البعض، أو في خانة الأمركة أو السعودة، أو التواطؤ مع القوات اللبنانية المؤامراتية وغيرها أو في أي خانة أخرى. لا تفسير سوى أنه فعل سعي مخلص نحو الحقيقة. وكل من يتشدقون بعكس ذلك، لو وضعوا في موقف كموقفه لتنازلوا عند أول هزة إصبع لنصرالله..

الدم المسال فاتورة مسؤول عنها الثنائي الشيعي وهي فاتورة كان يهدف إليها من أجل وضع معادلة جديدة

يضاف إلى ذلك، لو أردنا الإفتراض أن البيطار يضغط بهدف تحصيل مكاسب سياسية لفريق ما، فإن هذا الإفتراض لن يصمد طويلًا لأن فعلة البيطار توضع في خانة الضرب تحت الحزام، وهو فعل خارج سياق التوازنات الداخلية المتفق عليها بين الحلفاء والخصوم المؤسسين لهذا النظام. وأيضًا، النكد السياسي يمكن حله بتنازلات من هنا أو هناك بين الفرقاء السياسيين في لبنان.

لكن، أن يقف البيطار في وجه عسس الحرب الأهلية والأحزاب الطائفية، وأن يتهم بالارتهان لأجندات حزبية أو خارجية، هي أيضًا حجة لا تصمد أمام كمية التهديد لحياة القاضي وحياة عائلته، سيما وأن الماضي لا زال جاثمًا أمام اللبنانيين، حيث قضى رتل من المفكرين حتفهم لسبب أو بدون سبب. ولا بد من التذكير هنا بوسام الحسن وبوسام عيد ولقمان سليم. لا بل أكثر من ذلك، حتى الأمريكيين يعرفون أن قرارات البيطار هي ضرب تحت الحزام، وهذا النوع من القرارات يتخطى ما هو معمول به ومتفق عليه والمسموح به بين أفرقاء النظام.

حتى الأمريكيين لو كانوا سيطلبون شيئًا من البيطار، لما كانوا وصلوا إلى حدود كسر الجرة مع حزب الله والاصطدام معه

يعني حتى الأمريكيين لو كانوا سيطلبون شيئًا من البيطار، لما كانوا وصلوا إلى حدود كسر الجرة مع حزب الله والاصطدام معه. لذلك، فلا تبرير لقرارات البيطار سوى كونه شخص يسعى لكشف الحقيقة وإحقاق العدل، ولو أراد البيطار المفاوضة والبيع والشراء في هذا الملف لكانت مكاسبه أكبر بكثير مما يمكن للبعض أن يتخيل. يمكن اتهام البيطار بالكثير الكثير، فالأبواق كثيرة في لبنان. لكن، أن يقف شخص ما ويواجه إلى هذا الحد، وإلى مرحلة المخاطرة بأمنه وحياته وسلامة عائلته، فهو إما مجنون يلهو خارج المنطق والواقع، وإما رجلًا يسعى وراء كشف الحقيقة وإحقاق الحق.

السابق
«التحقيق مخروق».. هجوم ناريّ من علوش على «حزب الله»!
التالي
لقاء على «شرف يهود لبنان في باريس».. زيدان لـ«جنوبية»: الدعوات محدودة ومشروطة!