عبد الحسين شعبان يكتب لـ«جنوبية»: هل انتهى العصر الأميركي «الذهبي» لمكافحة الإرهاب الدولي؟!

عبد الحسين شعبان
يستضيف موقع "جنوبية" الأكاديمي والمفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان عبر مقالات تحاكي القضايا الاستراتيجية و التحديات السياسية والإقتصادية ومجالات حقوق الإنسان في المنطقة والعالم.

 هل غيّرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 العالم؟ اعتقاد يكاد يقترب من الإجماع بعد تلك “الجريمة ضد الإنسانية” كما تم وصفها، وهي جريمة بحق تستوجب عملاً دولياً مشتركاً لملاحقة مرتكبيها وسوقهم إلى العدالة؛ فقد خلّفت تداعيات كبرى على الصعيد العالمي، ومن أبرزها إحياء الرئيس جورج دبليو بوش “حرب ريغان على الإرهاب” كما يذهب إلى ذلك المفكر الأمريكي نعّوم تشومسكي، في كتابه “من يحكم العالم؟” وهو ما نجم عنه غزو أفغانستان في العام 2001 ومن ثم إحتلال العراق العام 2003، إضافة إلى التهديدات المتواصلة التي تم إطلاقها بالهجوم على “محور الشر”.

اقرا ايضا: عبد الحسين شعبان يكتب لـ«جنوبية»: المختفون قسرياً.. جريمة متمادية ضد الإنسانية

     بعد عقدين من الزمن على جريمة 11 سبتمبر/أيلول، هل حققت الولايات المتحدة أهدافها من استراتيجية مكافحة الإرهاب الدولي؟ وهل أصبح العالم أكثر أمنأ وأماناً بعد تشكيل “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”؟ وهل بات العالم العربي والإسلامي أقل تعصّباً وتطرّفاً وبالتالي أقل عنفاً وإرهاباً ؟ ويمكن إعادة السؤال على نحو معاكس، هل إستدرج أسامة بن لادن الولايات المتحدة لإلحاق هزيمة بها في بلاد المسلمين عبر حروب صغيرة، إلاّ أنها مكلفة وستؤدي في نهاية المطاف إلى إفلاسها كما كان يعبّر عن ذلك؟

 بعد عقدين من الزمن على جريمة 11 سبتمبر هل حققت واشنطن أهدافها من استراتيجية مكافحة الإرهاب الدولي ؟

     وحسب تقديرات معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون، فإن الفاتورة النهائية ستصل إلى حدود 3.2- 4 ترليون دولار، وربما زادت عن هذا الحدّ في السنوات الأخيرة، بعد إحتلال داعش للموصل وتمدّدها في ثلث أراضي كل من العراق وسوريا. 

     باندفاع واشنطن باستراتيجيتها في العالمين العربي والإسلامي، زادت وتيرة التعصّب والتطرّف، وهذان أنتجا عنفاً وإرهاباً دولياً، خصوصاً حين استهدف إضعاف ثقة الدولة بنفسها، وثقة المجتمع والمواطن بالدولة، لاسيّما إذا كان عابراً للحدود؛ ولعلّ ذلك ما أراده بن لادن وهو ما قصدته أو لم تقصده واشنطن بشأن ” الفوضى الخلّاقة“، فقد أصبح الأمر واقعاً، حتى وإن لم يخطر على بال أصحاب القرار في البيت الأبيض من الرؤساء المتعاقبين، بوش وأوباما وترامب وآخرهم بايدن.

     فهل هناك من يتصوّر أنه بعد عقدين من الزمن، ستستلم طالبان مقاليد الأمور في كابول، وستخرج القوات الأمريكية مهزومة في جنح الظلام، بعد أن بشّرت بحلول ربيع الديمقراطية في أفغانستان والعراق، بل وعموم دول المنطقة.

 باندفاع واشنطن باستراتيجيتها في العالمين العربي والإسلامي زادت وتيرة التعصّب والتطرّف، وهذان أنتجا عنفاً وإرهاباً دولياً

والشيئ بالشيئ يذكر كما يُقال، فالإنقلاب الذي نظّمته وكالة الإستخبارات الأمريكية CIA ، في سانتياغو (تشيلي) في 11 سبتمبر/أيلول 1973 للإطاحة بحكومة سلفادور أليندي اليسارية المنتخبة وقاده الجنرال أوغوستو بينوشيه، أوقع البلاد في لُجة القمع والإرهاب والتعذيب، بدلاً من التطور الديمقراطي المنشود، وقد وصف الرئيس نيكسون هدف عملية تشيلي، بالقضاء على”الفيروس” الذي قد يعمّ أمريكا اللاتينية، الأمر الذي قد يعرّض صدقيّة واشنطن للتصدّع وفقاً لكيسنجر.

وكان من تداعيات 11 سبتمبر الأزمة المالية والإقتصادية التي ضربت العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة في العام 2008 ومن نتائجهاٍ الإنسحاب من العراق ( نهاية العام 2011 )، ومؤخراً الإنسحاب من أفغانستان (صيف العام 2021 ) فهل سيؤدّي ذلك إلى أفول العصر الأمريكي، الذي روّج له المفكّرفرانسيس فوكوياما ونظريته حول “نهاية التاريخ”وظفر الليبرالية على المستوى الكوني حسب صموئيل هنتنغتون صاحب نظرية “صدام الحضارات“، بعد انهيار الكتلة الإشتراكية وتفكّك الإتحاد السوفييتي السابق، كدولة عظمى ذات ترسانة نووية منافسة للولايات المتحدة حينها. 

     لقد باتت “اللحظة الأمريكية” أمام إمتحان جديد، بعد الإنتصارات التي حققتها منذ الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد انتهاء عهد الحرب الباردة في نهاية الثمانينيات، وإقامة نظام دولي جديد بقيادتها وهيمنتها الكونية، وذلك بصعود قوى جديدة في مواجهتها، تقف الصين  في آسيا منافساً قوياً لها، بحيث تشير التقديرات إلى أن الإقتصاد الصيني، سيكون الأول في العالم عام 2030، في ظل نظام عالمي يميل إلى التنوّع والتعدّدية، بعد أن أصبح أحادياً وبسيادة أمريكية. 

باتت “اللحظة الأمريكية” أمام إمتحان جديد بعد الإنتصارات التي حققتها منذ الحرب العالمية الثانية

     فهل انتهى العصر الذهبي الذي عاشته واشنطن، بعد إنتهاء الصراع الإيديولوجي مع النظام الإشتراكي العالمي، أم أن قوّتها مستمرة دون أن يعني إمكانيتها على فرض إرادتها بالكامل؟

     والأمر له علاقة بالداخل الأمريكي أيضاً، ونظام الصحة والتعليم والخدمات والحريات مثلما له علاقة عالمياً، حيث كانت واشنطن تتفرّد بالزعامة، إلا أن انخراطها في حروب صغيرة، ولكنها ذات تكلفة عالية عمّق من أزمتها البنيوية، بحيث أصبح مجرّد الشعور بوجود ” خطر وشيك الوقوع” أو “محتمل” مبرراً كافياً لشن ” الحرب الوقائية” أو “الإستباقية” ضد عدو غير محدّد أو حتى موهوم، وفي ذلك عودة للقانون الدولي التقليدي الذي كان يجيز” الحق في الغزو“و ” الحق في شنّ  الحرب” لتحقيق مآرب “الدولة القومية”  ومصالحها وتأمين “مجالها الحيوي”، كما كانت التبريرات تساق حينها، وهو الأمر الذي حاولت واشنطن العودة إليه والتعكّز عليه بالقرار 1373، الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 28 سبتمبر/أيلول 2001 ، بلحاظ مكافحة “الإرهاب الدولي” وذلك بعد أسبوعين من تفجير برجي التجارة العالميين. 

السابق
بعدسة «جنوبية»: اعتراضا على اقصاء البيطار.. اهالي ضحايا المرفأ من أمام «العدلية»: «ما تقتلونا مرتين»!
التالي
عن السلطة الفارة من وجه عدالة.. المرفأ!