هاني فحص.. صانع الحوار وناشر المحبة!

محمد حسن الامين وهاني فحص

قد لا تَصدُق مقولة وتنطبق على إنسان كما تنطبق مقولة، “وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر”، على السيد هاني فحص طيب الله ثراه. ففي ذكراه السابعة التي تحل غدا نفتقده أكثر، كيف لا، والظلام يحيط بنا من كل جانب، سواء كلبنانيين أفراد أو لبنان كوطن أو كشيعة أحرار، من كل إرتباط خارجي أو داخلي، سوى الإرتباط بالفكر الإنساني الحر، الذي يستوعب كل الهويات، والذي كان الراحل الكبير أحد أعمدته في لبنان والعالم العربي .

فالسيد هاني فحص كان مع رفيق دربه الذي خسره لبنان هذا العام أيضا، ونعني به السيد محمد حسن الأمين، من طراز نادر من “السيَّاد”، فهو لم يكن سيداً من خلال عباءته وعمامته فحسب، بل كان سيداً بعلمه وفكره وأدبه وإنفتاحه على الآخر،  من خلال حركيته وحسه الإنساني العالي، الذي أكسبه “سيادة ” حقيقية وإحتراما كبيرا من قِبَل كل من عرفه سواء، عن طريق التواصل الشخصي أو التواصل الفكري عبر كتاباته وأحاديثه .

لم يكن هاني فحص “رجل دين” كالكثير من معتمري الزي الديني، الذين يأخذونك إلى عالم الغيبيات  ويدخلونك في عالم بعيد عن الواقع المعاش، ما يجعل الكثيرين ينفرون من الدين و”رجاله”،  بل كان وبحق ” دعالم دين”، يشرح ويقدِّم الدين عن طريق العلم والمنطق والمعرفة، ودون تعقيد في نفس الوقت، على طريقة السهل الممتنع، ولا يكتفي بالظاهر من معاني الآيات والحديث بل يدخل إلى عمقها ليستنبط الأحكام منها، التي تتواءم مع حاجات الناس في حياتهم اليومية. 

إن تحدث في علوم الدين حبب الدين إليك، وإن تحدث بالفكر قرَّبك من الفكر أكثر

بإختصار كان صادقا محبا للناس والوطن، ناشرا للمحبة أينما حل وكيفما تحدث.إن تحدث في علوم الدين حبب الدين إليك، وإن تحدث بالفكر قرَّبك من الفكر أكثر ، وإن تحدث بالأدب والشعر جعلك تشعر بجمال الكون. 

كان رجل حوار وعضو مؤسس مع صديقه سمير فرنجية، للمؤتمر الدائم للحوار اللبناني، وعضو مؤسس للفريق العربي للحوار الإسلامي – المسيحي، وكذلك عضو مؤسس للقاء اللبناني للحوار، كان مسكونا بالحوار والتفاعل الإنساني، بهدف نشر ثقافة السلام في المجتمع، لإيمانه، وهو الذي خاض الكثير من التجارب في السياسة والفكر والإجتماع، بأن الحوار هو السبيل الوحيد والأسلم، للوصول بالأوطان والمجتمعات إلى بر الأمان، مهما طالت سبل الحوار وتشعبت.

في ذكرى غيابه، ونحن نعيش في ظل “حوار الطرشان” الجاري في البلد

اليوم وفي ذكرى غيابه، ونحن نعيش في ظل “حوار الطرشان” الجاري في البلد، بين مكوناته السياسية التي أوصلته إلى الإنهيار، وفي ظل غياب المبادرات الحوارية، على مستوى المجتمع والنخب الفكرية، نفتقده رجل حوار مبدئي صادق، كان يهدف إلى لملمة الصفوف دون غاية أو منفعة شخصية، لا حِواريا بهدف المحاصصة السياسية، ولا بهدف تنفيذ أجندات خارجية، بإسم الدين أو القومية أو المذهب، هو الذي قام بمراجعات نقدية سياسية وفكرية، جعلت منه أحد أكبر أحرار الشيعة في لبنان والوطن العربي، نقول الشيعة ليس إنطلاقا من فكر مذهبي متعصب، كان يرفضه الراحل الكبير، بل إنطلاقا من التعريف بفكر مقاوم حر، هو المستهدف الأول بالترهيب، ما جعله يتصدر الصفوف الأمامية بمواجهة الفكر الديني الشمولي، الذي يحاول أخذ التشيع وأتباعه، بعيدا عن أوطانهم إلى أماكن لا يريدونها ولا يستسيغونها، وجعلهم وقودا لمشاريع إمبراطورية مشبوهة لا تشبههم، ووضعهم تحت الوصاية بذريعة الحماية. 

سنة سابعة غياب، وتبقى سيرته العطرة وفكره الإنساني الحر، في عقل وقلب وضمير كل إنسان حر، وعلى لسان كل المناضلين الأحرار  الذين لم تزدهم محاولات “الإغتيال” المعنوي والجسدي، إلا إصراراً على التمسك بمبادئهم وأحلامهم بالحرية والعدالة الإجتماعية، بعيدا عن التهريج وإدعاء الإنتصارات الوهمية، في زمن يصدق فيه القول بأن “القابض فيه على حريته وأحلامه كالقابض على الجمر” . 

السابق
بالأسماء: أميركا تستأنف عقوباتها على افراد تموّل «حزب الله»!
التالي
اعطوا المحروقات لسوريا.. لا للبنان!