حكومة «الستاتيكو».. العالم يربح ولبنان يخسر!

نجيب ميقاتي
وفي نهاية الشهر الـ 13 من الفراغ الحكومي، ولدت حكومة العهد الرابعة، من رحم التطورات والتجاذبات الدولية والإقليمية، ما بين جزرة أميركية مجزية، وعصا ليست غليظة تولى تسويقها مع اللاعبين الآخرين في المنطقة، خاصة مع الجانب الإيراني "السمسار الفرنسي"، الباحث عن دور بهدف إنقاذ "ماء وجه" مبادرته، التي ماتت عمليا ودفنت دون الإعلان عن ذلك، بعد أن تبين بأن جماعة محور إيران، سواء ممثليه كحزب الله أو الأتباع من جماعة العهد وجبران باسيل، قد إتخذوا منها وسيلة لتمرير العاصفة التي هبت بتفجير مرفأ بيروت، ولضرورة تقطيع الوقت، بهدف إنتظار نتائج الإنتخابات الأميركية، ليبنى على الشيء مقتضاه وهكذا كان.

الجزرة الأميركية تمثلت، بمنح الإذن بصورة إستثنائية، خلافا لقانون قيصر لمرور الغاز المصري عبر سوريا إلى لبنان، وهو ما يضرب عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية هو يعتبر  “كريدت” أميركي للنظام السوري، العزيز على قلوب الديمقراطيين الأميركيين، وكذلك راعيه الروسي ، ومن ناحية أخرى هو قرار يسحب ورقة بواخر الوقود الإيراني المعنوية  – على ضعفها الفعلي والمادي  – من يد النظام الإيراني، من دون القدرة على رفضه من قبل هذا النظام، لأنه سيبدو في هذه الحال مع أتباعه في لبنان، وكأنهم يقفون ضد مصلحة الشعب اللبناني، التي يدَّعون دائما حرصهم عليها . 

العصا الأميركية الخفيفة – حتى الآن على الأقل – التي لوحت بها إدارة بايدن على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، كانت كلامه بأن الوقت بدأ ينفذ، بالنسبة لإعادة التفاوض على الملف النووي الإيراني، وقد جاءت بعد التطورات في أفغانستان، التي شهدت إنسحابا أميركيا – أطلسيا منسقا وسلسا مع حركة طالبان، التي أعادت سيطرتها على البلاد ، هذا الإنسحاب الذي أتى تنفيذا لإتفاق الدوحة، ما بين أميركا والحركة الذي عقد في 29 شباط من العام الماضي، والذي يعتبر غير مريح لإيران في أقل تقدير، إن لم نقل مزعجا لها بسبب من حدوثه في خاصرتها الرخوة، وإن تظاهرت هي بعكس ذلك درجة إدراج هذا الإنسحاب في سجل إنتصاراتها، بما تعتبره إبعادا للقوات الأميركية عن المنطقة، الذي تعهد به المرشد خامنئي، في أعقاب أغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني  أوائل العام 2020 في بغداد.

لا شيء تغير أو سيتغير مع هذه الحكومة، التي تهدف للحفاظ على الوضع القائم وتمديدا للأزمة مثلها مثل حكومة حسان دياب

هذه التطورات الإقليمية والدولية “الباردة”، أرخت بظلالها على تشكيل الحكومة اللبنانية، التي هلل لها جماعة العهد على وجه الخصوص وكأنها إنجاز، مع أنها في الواقع تمثل فشلا ذريعا للعهد والسلطة السياسية في البلد بكل أطرافها، بحيث يمكن ألقول بأن جميع الأطراف الخارجية، قد أخذت ما تريد من هذه التشكيلة بإستثناء لبنان واللبنانيين، بحيث كانوا هم الخاسر الأكبر، لأن لا شيء تغير أو سيتغير مع هذه الحكومة، التي هي في الحقيقة حكومة “الستاتيكو”، أي الحفاظ على الوضع القائم وتمديدا للأزمة، مثلها مثل حكومة حسان دياب، مع فارق بسيط أنها حكومة تصريف أعمال أصيلة غير مستقيلة، تذكرنا بقاعدة قضائية تقول “يبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء”، حتى تقضي التطورات أمراً كان مفعولا، سواء عبر الإنتخابات النيابية – إن حصلت – أو عبر تطورات في المنطقة، وهو أمر غير مستبعد في منطقة حبلى بالتطورات المتسارعة .

كل ما تريده اميركا هو مد لبنان ربما ببعض “الأوكسيجين” للبقاء على قيد الحياة وليس للتعافي التام

فأميركا ليست مستعجلة على شيء، وهي لن “تقاتل” في سبيل لبنان واللبنانيين، وكل ما تريده وتسعى إليه في الوقت الحاضر، هو مد لبنان ربما ببعض “الأوكسيجين”، للبقاء على قيد الحياة وليس للتعافي التام ، خاصة بهدف عدم تأثير الإنهيار الحاصل، على القوى العسكرية اللبنانية وعلى رأسها الجيش، لذلك فهي تستمر بتقديم العون له، سواء مباشرة أو عبر حلفائها من الدول العربية، التي مدت وتمد يد العون له خاصة على مستوى الغذاء،  حتى يحين موعد التسويات والحلول، لذلك فليس لديها ما تخسره، حتى ولو تركت لبنان فريسة للأطماع الإيرانية في الوقت الحاضر. 

فرنسا هي الأخرى لم تعد تلك الأم الحنون التي يهمها مصير لبنان وشعبه وهمها وعينها اليوم على إستثماراتها النفطية التي تسعى للحصول عليها في إيران

فرنسا هي الأخرى لم تعد تلك الأم الحنون، التي يهمها مصير لبنان وشعبه، وهمها وعينها اليوم على إستثماراتها النفطية، التي تسعى للحصول عليها في إيران، بحيث لا ترى في لبنان سوى ورقة على طاولة شركة توتال، فيما رئيسها يسعى وراء أي إنجاز خارجي مهما كان ضئيلا، سواء في لبنان أو في غينيا كوناكري، حيث حدث إنقلاب عسكري مؤخرا، يأتي من ضمن الصراع الفرنسي – التركي في أفريقيا كما يبدو، في ظل فشل سياساته الداخلية، ليثبت لنفسه وللفرنسيين، بأن فرنسا لا تزال قوة مؤثرة، وليحاول صرف هذا “الإنجاز” داخليا، في الإنتخابات الرئاسية المقبلة العام 2022 .

لولا بعض من دعم مصري وربما تعاطف إماراتي، لكان الدور العربي، الذي أكثر من يمثله في هذه الفترة هو سعد الحريري في خبر كان

إيران هي الأخرى ليست في وضع، يجعلها تبدو صدامية مع العالم في الوقت الحالي على الأقل، في ظل الوضع الجديد في أفغانستان ، وكذلك بسبب من مشاكلها الداخلية الإقتصادية على وجه الخصوص، وهي تبدأ عهدا جديدا يلزمه بعض الوقت لترتيب أوراقه، وإلتقاط الأنفاس لدراسة ملفاته المتعددة داخليا وخارجيا، في ظل التطورات سيما في العراق، حيث هناك رئيس وزراء ديناميكي، يحاول قدر الإمكان إمساك العصا الإقليمية من الوسط، لمحاولة إبعاد بلاده عن تداعيات الصراع الإقليمي، وفي سوريا حيث الكلمة العليا باتت لروسيا، وهو وضع غير مريح لها، كذلك في اليمن حيث بات الوضع القائم هناك بمآسيه وعبثية الحرب فيه، يشكل عاملا ضاغطا عليها كما على السعودية، لمحاولة إيجاد حل معقول ومقبول لكل الأطراف .

يبقى الجانب العربي، الذي هو لا في العير ولا في النفير للأسف الشديد، في ظل “الحرد” السعودي على سُنة لبنان، وممثلهم  في السلطة الحالية سعد الحريري، الذي وعلى الرغم من كل المآخذ على سياساته منذ التسوية الرئاسية حتى اليوم، إلا أنه يبقى وضعه هو الأقرب إلى وضع لبنان، من حيث هو “لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير”، ولولا بعض من دعم مصري وربما تعاطف إماراتي، لكان الدور العربي، الذي أكثر من يمثله في هذه الفترة هو سعد الحريري في خبر كان . 

لهذه الأسباب كلها قد تكون ولدت حكومة لبنان اليوم، بالصورة التي ولدت فيها، حكومة الحفاظ على الوضع القائم مع بعض الرتوش البسيطة، وهو وضع مريح لكل تلك الأطراف، بإستثناء اللبنانيين الذين لم يكن لهم من دور، في هذه التطورات سوى “ترف” المناكفات السياسية، لمحاولة كل طرف من الأطراف شد العصب الطائفي لدى جماعته، عشية إنتخابات نيابية تقاطع توقيتها، مع حاجة كل طرف من الأطراف الخارجية، لفترة من الوقت لإلتقاط الأنفاس، فكان التوافق على هكذا حكومة، بإنتظار إجرائها دون النظر إلى مصلحة الشعب اللبناني، ومعاناته من الأوضاع الإقتصادية والمالية والإجتماعية، التي يبدو أنها مستمرة حتى إشعار إقليمي ودولي آخر. 

السابق
عبد الحسين شعبان يكتب لـ«جنوبية»: المختفون قسرياً.. جريمة متمادية ضد الإنسانية
التالي
What Will the Parliamentary Elections Hold After this Cabinet Formation?