لبنان.. لا حكومة من دون تعويم الأسد

تجري على وقع الكارثة اللبنانية حياكة حثيثة لموقع دولة الانهيار اللبنانية كحديقة الخلفية للنظام السوري المترنح في ظل العقوبات الدولية، وعلى رأسها قانون قيصر.

وبهذا المعنى فإن لبنان معلق حتى تنجز هذه المهمة.. اللبنانيون يعيشون أوضاعاً كارثية على كل المستويات بانتظار أن تصاغ المهمة التي أناطها حزب الله ببلدهم، والمتمثلة بأن يكونوا حبل نجاة بشار الأسد، وقناة لتصريف حاجاته. علماً أن لبنان لطالما أدى هذه المهمة سواء لجهة مساعدة النظام في سوريا على الالتفاف على العقوبات عبر توظيف النظام المصرفي في خدمته، أو عبر فتح الحدود والمرفأ والمطار له، ولكن المطلوب الآن هو استعمال لبنان لكسر العزلة نهائياً.

إقرأ أيضا: عون يُخيّر اللبنانيين: «الجهنم المفتوحة» او الثلث المعطل..ورفع الدعم يُلهب الشارع!

وقائع الأسبوع الفائت كشفت سر الاستعصاء اللبناني، ليس ميشال عون هو من يعطل تشكيل الحكومة، فالرجل ليس سوى لاعب صغير في هذه الملهاة. عون قد يستفيد من الاستعصاء، وقد يوظفه في معاركه الصغيرة المتمثلة في تأمين مستقبل صهره، الأمر الأول والأخير في موضوع تشكيل الحكومة هو لحزب الله. يجب أن تتشكل حكومة إحدى مهامها تأمين خروج النظام السوري من حال الاختناق التي يعيشها.

الإشارة التي أرسلتها السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا عن استجرار الكهرباء من الأردن عبر سوريا، جرى استقبالها بوصفها احتمالاً لكسر العقوبات، فتحرك على إثرها الملف الحكومي في بيروت، إلى أن اكتشف حزب الله أن الإشارة غير كافية وأن لدى واشنطن حسابات موازية، فعاد الاستعصاء ليلف مهمة تشكيل الحكومة!

والحال أن لبنان المعلق، والذي يعيش أسوأ أيامه منذ تأسيس الكيان ليس محل ابتلاء الحزب.. أن يجوع اللبنانيون وأن يموتوا على أبواب المستشفيات وأن تنهار أعمالهم وتذوب عملتهم فهذه شؤون لم يسبق أن شغلت بال حزب الله الذي يعيش على موازنة من خارج دورة الاقتصاد اللبنانية.

والحديث الذي يساق عن أن بيئة الحزب تعيش اختناقا هو جزء مما يعيشه اللبنانيون، صحيح نسبياً، إلا أنه لن يكون دافعاً للحزب كي لا يعيق تشكيل الحكومة. فحال الاستقطاب المذهبي التي يستثمر فيها الحزب ما زالت تؤمن له احتضاناً مذهبياً يقيه من احتمالات أصابت شركاءه في السلطة من الأحزاب المذهبية غير الشيعية. وبهذا المعنى فإن لدى حزب الله القدرة على تمديد أجل الكارثة، طالما أن لهذه الكارثة وظيفة تتمثل في تعويم نظامه في دمشق.

وحزب الله، ومن ورائه الحرس الثوري الإيراني، التقط مؤخراً إشارات تفيد بأن الجو الدولي والإقليمي يتيح له التحرك نحو المهمة. الانسحاب الأميركي من أفغانستان وانكفاء دول الخليج والدور الفرنسي الملتبس، كلها عوامل تتيح لحزب الله أن يتحرك باتجاه كسر العزلة عن النظام السوري. كما أن أوهاماً تساور أنظمة مثل الأردن ومصر بضرورة المبادرة نحو النظام في سوريا بهدف انتزاعه من طهران، وهو ما أتاح لحزب الله وللإيرانيين مزيداً من الفرص لتعويم نظامهم في دمشق.

ووسط هذا المشهد يبدو لبنان تفصيلاً ضرورياً لتقميش المهمة. حل معضلة الكهرباء فيه تتطلب حكومة لا تقاطع دمشق، ووقف تهريب النفط إلى سوريا يتطلب تنسيقاً أمنياً مع الأجهزة الأمنية السورية. حكومة تصريف الأعمال يمكنها أن تتولى المهمة طالما أن الحكومة العتيدة لم تقدم التزاماً واضحاً في هذا الاتجاه.

الأثمان التي يدفعها اللبنانيون بسبب عدم تشكيل الحكومة ليست محل ابتلاء الحزب. الجوع والمرض والإفلاس جزء من المشاهد العادية في ثقافة ولاية الفقيه أينما حلت. ولا بأس من الانتظار طالما أن وزراء تصريف الأعمال يتوجهون إلى دمشق وينسقون مع نظامها خطواتهم.

أما حال التفتت والإرهاق والشعور بلا جدوى المواجهة التي يعيشها اللبنانيون، فهي حال نموذجية بالنسبة للحزب، وهي نفسها حال السوريين مع نظامهم وحال الإيرانيين أيضاً. العيش في أسوأ الظروف وفي ظل أسوأ الأنظمة وأكثرها فساداً وفشلاً هو ما تسعى هذه الأنظمة إلى جعله عادياً ومقبولاً، وليس استحضار المؤامرة في وجه أي صوت وأي معادلة إلا وسيلة تسبق القتل ولكم الأفواه.

لا حكومة في لبنان إلا إذا انخرطت في مهمة تعويم النظام في سوريا، ولا كهرباء إلا إذا تقاضى النظام هناك ثمناً لمرورها عبر أراضيه، ولا بنزين إلا اذا كانت الكميات المستوردة تكفي لبنان ونخب النظام السوري ممن يؤلفون مافيات التهريب عبر الحدود. وفي هذا الوقت لا بأس أن يستفيد ميشال عون من فتات الاستعصاء، وأن يواصل نجيب ميقاتي زياراته للقصر الجمهوري حاملاً تشكيلاته الحكومية التي سيواصل الرئيس رفضها بانتظار إشارة من مرشد الجمهورية.

السابق
بعدما تجاوز الـ 19000.. كم بلغ دولار السوق السوداء اليوم؟
التالي
ولادة عسيرة.. حكومة من 24 وزيرا وهذه الأسماء المقترحة!