بين شهادة الحسين وثورة حفيده زيد بن علي!

كلنا يعلم ان المسلمين الشيعة، يفتخرون بولائهم للإمام علي بن ابي طالب، ونجله الامام الحسين شهيد كربلاء، ولكن ما الفرق بين شهادته وشهادة حفيده زيد بن علي، الذي تنسب اليه طائفة اسلامية كبيرة هم "الزيديون" وموطن أغلبهم اليمن؟

فارق نوعي وجذري، بين طبيعة خروج الشهيد زيد بن الإمام علي (زين العابدين) وطبيعة خروج الحسين بن الإمام علي (ع) على السلطة الأموية الظالمة، كيف، ولماذا؟ 

خرج الشهيد زيد على السلطة الأموية الظالمة، خروجاً عسكرياً في ظلّ إمامة أخيه الأكبر محمد الباقر، من دون استئذانه في ذلك وهو امام معصوم كما يقول الشيعة، بل حذّره من النتائج السلبية، التي ستنعكس على أمن المسلمين الشيعة عموماً، وعلى معتقداتهم خصوصاً إذا خرج، وفعلياً انقسم بعد خروجه شيعة أهل البيت (ع) إلى طائفتين عقائدياً وفقهياً، الأولى الطائفة الزيدية، والثانية هي الطائفة الجعفرية أو الشيعية الإثني عشرية لاحقاً. 

اقرا ايضا: «عاشوراء شيعية شيعية» تتسلل الى مجالس «الشيعي الأعلى»

وعلماء الشيعة تاريخياً، في الوقت الذي يؤمنون فيه بمظلومية الشهيد زيد، وطهارة روحه ونظافة غايته وهدفه، فإنهم يؤكدون إدانة الإمام المعصوم لخروجه العسكري بروايات عديدة أبرزها ما أورده الكليني/٣٢٨/٣٢٩/هـ في كتابه أصول الكافي ـ باب الاضطرار إلى الحجة ـ الحديث ـ رقم ـ ٥ ـ ج ـ ١ ـ. 

الخروج السلمي ورفض المبايعة 

بينما علماء الشيعة، من الشيخ المفيد مروراً بالشريف المرتضى، وانتهاء بأبرز العلماء المعاصرين، يؤكدون أنّ الإمام الحسين (ع) لم يخرج عسكرياً ـ (كالشهيد زيد ) ـ بل تم إخراجه تحت التهديد بالقتل، من المدينة المنورة موطن ميلاده الشريف، إنْ لم يُبايع يزيد ويقرّ له بأنّه خليفة الله والرسول والمسلمين!! 

ورفض الإمام الحسين (ع) المبايعة والإقرار قائلاً (مثلي لا يُبايع مثله)، وخرج  تحت التهديد بالقتل، من المدينة المنورة بأطفاله ونسائه وعياله، الى مكة المكرمة مُرَدِّداً قوله تعالى : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } آية (21) سورة القصص. 

الامام الحسين خرج مع عائلته سلميا بدعوة من اهل الكوفة الذين انقلبوا عليه لاحقا  

خرج باتجاه مكة المكرمة، ولم يخرج باتجاه مدينة الكوفة، عِلْماً بأنَّ رسائلها كانت تحت يده، تدعوه فيها للمجيء إليها، للتَّخَلُّص من وصاية السلطة الأموية الجائرة. 

وأيضا لقد خرج من مكة المكرمة، بعدما أقام فيها شهوراً للسبب نفسه وعينه وذاته، الذي أخرجه من المدينة المنورة، أيّ إنَّ السلطة الأموية بعثت إليها من يغتاله فيها، ولو كان مُعَلَّقاً بأستار الكعبة! والنصوص التاريخية تؤكد بما لا غموض فيها ولا شك، بأنّ السلطة الأموية الظالمة لم تطرح على الحسين (ع) إلاَّ خيارين لا ثالث لهما :إما السِّلَّة أي الحرب، وإما الذِّلَّة أي المبايعة، ليزيد والإقرار له بأنه خليفة الله والرسول والمسلمين!! 

ولأنه (ع) رفض المبايعة، ورفض الحرب في آن معاً، حينئذ خرج من المدينتين المقدستين المدينة المنورة ومكة المكرمة، باتجاه مدينة الكوفة، حيث لا خيار آخر أمامه إلا هذا الخيار، فخرج خروجاً مدنياً بأطفاله ونسائه لا عسكرياً، خرج سلمياً لا حربياً، بدليل أنه لم يَدْعُ في المدينة ولا في مكة إلى الجهاد والتعبئة العسكرية، وأنّه طلب من أنصاره وأصحابه الخواص ليلة العاشر الإنصراف إلى أوطانهم وعيالهم. 

وحينما قال الحسين (ع): هل من ناصر ينصرنا قالها على أرض المعركة لحظة شن الحرب عليه. 

ولقد طرح على السلطة الأموية خيارات ثلاثة للمُسَالَمَة والمُوَادَعَة (من دون مبايعة ليزيد يقينا )، إلاّ أنّ السلطة هي التي رفضت تَجَبُّراً وبغياً، وأَصَرَّت على الحسين (ع) بأن يبايع يزيد، وحتى إنْ بايع فلقد صَرَّحت السلطة أيضاً وأفصحت عن نواياها الإجرامية بقولها: يجب على الحسين (ع) المبايعة ليزيد وبعدها إنْ شئنا قتلناه وإنْ شئنا عفونا عنه!! 

خيارات الامام الحسين 

ما هي الخيارات الثلاثة التي طرحها الحسين (ع) على السلطة مُسَالِماً لها وموادعاً  كتسوية للخروج من سفك الدماء؟ 

يقول العلامة الشهير بالشريف المرتضى /٣٥٥/٤٣٦/ هـ /  وهو من أبرز وأشهر علماء الطائفة الشيعية : إنَّ الحسين (ع) قال للسلطة على أرض كربلاء: اختاروا مني:إما الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو أن أضع يدي في يد يزيد فهو ابن عمي ليرى فيَّ رأيه، وليس للمبايعة يقينا وقطعاً، وإما أن تُسَيّروني إلى ثغر من ثغور المسلمين فأكون رجلاً من أهله لي ما لَهُ وعليَّ ما عليه؟ 

وإن عمر بن سعد (القائد العسكري) كتب إلى ابن زياد (الحاكم السياسي في الكوفة) بما سأل الحسين (ع) وطالب، فأبى ابن زياد ورفض عرض الحسين (ع)، وكاتب ابن سعد قائد عسكره يأمره بالمناجزة أي بقتال الحسين (ع)،  وتَمَثَّل بالبيت المعروف وهو: 

 الآن إذ علقت مخالبنا به… يرجو النجاة ولات حين مناص! 

فلما رأى الإمام الحسين (ع) إقدام القوم عليه، وأن الدين منبوذ وراء ظهورهم، وعلم أنه إنْ دخل تحت حكم ابن زياد اللعين، تعجل الذل والعار، وآل أمره من بعد إلى القتل، حينئذ التجأ إلى المحاربة والمدافعة بنفسه وأهله ومن صبر من شيعته، ووهب دمه له، ووقاه بنفسه، وكان بين إحدى الحسنيين، إما الظفر ـ فربما ظفر الضعيف القليل ـ أو الشهادة والميتة الكريمة. 

فكيف يُقال بعد ذلك إنه (ع) ألقى بيده الى التهلكة؟ 

ما نريد قوله والإفصاح عنه وتأكيده هو أن الروايات، التي تحت أيدي علماء الطائفة الشيعية، تؤكد بما لا غموض فيه ولا شك بأن الإمام الحسين (ع) قد تم إخراجه إخراجاً من المدينة المنورة موطن ميلاده الشريف، تحت التهديد بالقتل إن لم يبايع يزيداً، وأيضاً فإنه لم يخرج من المدينة أو من مكة بعد تهديده خروجاً عسكرياً (بأطفاله ونسائه وعياله، بل خرج خروجاً مدنياً سلمياً بسلاح التصريح بكلمة الحق في وجه إمامٍ جائر، وسلطان فاجر، وإنَّ أفضل أنواع الجهاد كلمة حق في وجه إمام جائر وسلطان فاجر،  وفق شرائع السماء وسيرة الأنبياء، وبعدما أَُخْرجوه من المدينة المنورة ومن مكة المكرمة تحت التهديد أيضاً، لم يدع إلى التعبئة العسكرية العامة فيهما، ولم يجد حرجاً شرعياً أن يُسالم السلطة ويوادعها (من دون مبايعة يقيناً) لإيمانه بوجوب الإحتراز والاحتياط الشديدين، في مسألة سفك الدماء، حيث لم يحترز الأنبياء وأهل البيت (ع) ولم يحتاطوا بشدة ودقة وجزع، كما احترزوا واحتاطوا بمسألة سفك الدماء خوفاً من مخاطر المغامرات، وكوارث المجازفات، ومآسي المقامرات، التي يخوضها العاطفيون الثوريون المتحمسون ببصيرة عمياء. 

زيد بن علي خطّط للثورة العسكرية ضدّ الأمويين فاستشهد في معركة غير متكافئة 

ثورة زيد ومجزرة كربلاء 

وأما سيرة الشهيد زيد بن علي السجّاد (ع) فلم تكن مواجهته للسلطة الظالمة بالطريقة نفسها التي واجهها الحسين (ع) بها، ولم يكن موقف السلطة الظالمة من الشهيد زيد كموقفها من الإمام الحسين (ع). 

فقد قرر زيد بن علي الثورة في الكوفة، فاجتمع مع مناصريه واطلعهم على خطته للحركة وتسريع ميعاد الخروج، وحدد زيد بن علي موعدًا للخروج، وذلك يوم الأربعاء 1 صفر 122 هـ، ولكن هذا التقديم أدى لسهولة كشف الثورة، حيث وصلت الأخبار ليوسف بن عمر، فأمر بجمع أهل الكوفة جميعًا يوم الثلاثاء آخر محرم أي قبلها بيوم في الجامع الكبير، وأخذ يتوعد من يتخلف بالقتل وأرسل الشرطة لجمع الناس بالجامع، وخرج زيد ومن وافقه على مذهبه يوم الأربعاء 1 صفر 122 هـ، وأخذ يرسل بعض فرسانه ينادون في نواحي الكوفة بشعار الثورة: يا منصور يا منصور، ولم يجتمع عنده إلا ثلاثمئة وثمانية عشر رجلاً فقط، وأصر زيد بن علي على مواصلة الثورة والخروج. 

وعندما التقى الطرفان أقبل يوسف بن عمر بجيشه، ودارت رحى حرب غير متكافئة، وثبت زيد ومن معه في القتال، فلما كان يوم الخميس 2 صفر واصل زيد القتال بضراوة شديدة، وانكشف بصب وابل من السهام عليه ومن معه، فأصابه سهم في جانب دماغه الأيسر، فحمله أصحابه تحت جنح الظلام وطلبوا له الطبيب، ولكنه ما إن نزع السهم من دماغه حتى مات، ودفنه أصحابه في حفرة من الطين ثم أجروا عليها الماء حتى لا يعثر عليه أحد. 

ما نريد قوله والتأكيد عليه هو: أنّ النصوص تفيد بأنّ زيد بن علي قام بثورة، في حين ان كربلاء جده الحسين (ع) هي مجزرة غادرة وفاجعةٌ بحقه وحق اهل بيته؛ وليست ثورةً مسلحةً، ولا تمرداً وانقلاباً عسكرياً، وهي اشبه بالمجازر التي ترتكبها السلطات الظالمة في العالم الإسلامي الفاقدة لشرعية الديموقراطية، أو للشرعية الدينية وهي أشبه بصورة سلطة يزيد، وهيهات ثم هيهات أن تكون حركات وأحزاب وميليشيات اسلامية جائرة همها الحكم والتسلط على العباد باسم الدين وحتى باسم الحسين (ع)، هيهات أن تكون بصورة حركة الإمام الحسين عليه السلام. 

إنَّ الإمام الحسين (ع) إمام من أئمة العدل والصدق والإسلام، اما من يتمسحون بمظلوميته فهم منغمسون بالكذب والظلم والبغي والإجرام. 

السابق
بلقيس تدخل متحف الشمع في لندن كأول فنانة عربية
التالي
بالفيديو: غضب كبير في صيدا واقتحام لشركة الكهرباء!