«حزب الله» مرتاب من الإنزال الدبلوماسي خلف خطوط نفوذه!

قصر بعبدا ميشال عون

بدا «المشهدُ الدموي» في السياسة الذي ارتسم أمس بلغة «الذبح والنحر والمسلخ» بمثابة «جرسِ إنذارٍ» لكل مَن بالغوا في الرهان على الدينامية الخارجية المكثّفة حيال الواقع اللبناني، سواء لجهة إمكان أن تُفْضي إلى «انتزاع» حكومةٍ جديدة برئاسة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري أو «فض النزاع» الذي عطّل مسار التأليف منذ تسعة أشهر على قاعدة توفير «هبوط آمن» ومنظّم لمرحلة ما بعد اعتذار الرئيس المكلف يكون أقرب إلى «طريق مختصر» يوفّر على لبنان تذخير «العاصفة الشاملة» وتحويلها «تسونامي» غير قابل للاحتواء.

وفي حين كانت بيروت تحاول رصْد نتائج محادثات السفيرتيْن الأميركية والفرنسية دوروثي شيا وآن غريو في المملكة العربية السعودية والتي علمت «الراي» أنها كانت بالدرجة الأولى في إطار «مهمة إغاثية» للشعب اللبناني وهو ما عكستْه طبيعة لقاءاتهما في موازاة ترْك الجانب السياسي من النقاشات حول الأزمة اللبنانية الذي تصرّ عليه واشنطن وباريس مع الرياض لمستويات أعلى، فإنّ «الانفجار» الجديد في العلاقة بين فريقيْ رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري عبر اتهامات السقف الأعلى أمس ودعوة الرئيس المكلف «احسْم أمرك»، أكد المؤكد على صعيديْن:

الأول استحالة تعايُش الطرفين تحت سقفٍ حكومي بات يختزل كل عناصر «الثأر بمفعول رجعي» كما عوامل الحجْز المبكّر لـ«استحكاماتٍ» داخل الحكومة ذات صلة بتقوية المواقع بملاقاة استحقاقات 2022 (الانتخابات النيابية ثم الرئاسية).

لبنان ينزلق إلى «خطاب دموي» بالسياسة… ذبْح ونحْر ومسلخ

والثاني عدم إمكان تَصَوُّر تسليم فريق عون، مدعوماً من «حزب الله»، بأيّ «مقايضةٍ» ولو ضمنية بين اعتذار الرئيس المكلف وبين تشكيلة برئاسة غيره ولكن بشروطه، سواء تحت عنوان حكومة انتخابات نيابية أو لا، خصوصاً بعد إشاراتٍ أطلقها الحزب وفُسِّرت من جانب قريبين منه على أنها تعبير عن «ارتياب مشروع» من الحِراك الدولي المتجدّد خصوصاً الأميركي – الفرنسي بوصْفه «إنزالٌ ديبلوماسي» خلف خطوط حمر راكمَها في الملف اللبناني بالقضم «الناعم» أو باستخدام «الأنياب» كأحد امتدادات قوس النفوذ الإيراني الذي يشكل الورقة المستورة في مفاوضات «النووي».

إقرأ أيضاً: باسيل يتهم الحريري بـ«نحر البلد »..و«المستقبل» يَرد: اللهم نَجّنا من «الذبح العوني»!

فبعد مواقف انطوت على كلامٍ «حمّال أوجه» حمل في طياته نبرة تليينية في الشكل تعاطت معها أوساط عدة على أنها من باب «رفْع المسؤولية» عن دفْ الحريري للاعتذار، خرج رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر عون) بتصريحات نارية أعلن فيها «اذا أردنا أن ننتظر(هوى رئيس الحكومة المكلف) نكون نتفرّج على النحر اليومي للبنان أكان في موضوع الأدوية أو المحروقات أو غيرهما، ونحن نناشده منذ أن كُلّف بأن يؤلّف واليوم عناصر التأليف باتت متوافرة ونحن ذلّلنا كل عقبات التشكيل الداخلية وعلى حسابنا».

وإعتبر «ان على الحريري تخطّي المشكلات الخارجية حتى نلاقيه ونحن لن نختار يوماً الخارج على حساب الداخل ولكن اذا كان كل ما قمنا به غير كاف بالنسبة إليه لتذليل المشكلة الخارجية و(مقرر يعتذر) فلماذا يقوم بذبح البلد ويساهم في نزيفه أكثر فأكثر؟ ومن أراد حرق العهد إنما حرق البلاد بأكملها»، ولافتاً إلى أن الحركة الخارجية تعكس أن مشكلة الحكومة ليست داخلية «والتدويل جُرّب في لبنان من قبل والقوات الدولية أيضاً، وكل ذلك لا يوصل الى نتيجة (…) ورهانات ستخسر».

ولم يتأخر «تيار المستقبل» بالردّ في بيان من «العيار الأعنف» على «صهر العهد الذي يتقن فن اهانة نفسه ورئاسة البلاد كلما نطق بتصريح يستهدف فيه الرئيس الحريري»، وقال: «يتحدث باسيل عن النحر اليومي للبنان ويوجه تهمة النحر للرئيس الحريري، وتغيب عن عبقريته السياسية أن المسلخ الوطني مقره الرئيسي في بعبدا (القصر الجمهوري)، وأن رئيس البلاد هو مؤسس التيار الوطني الحر المعني الأول بمآسي اللبنانيين، وأن ملائكة جبران في الحكومة يصولون ويجولون في كافة الوزارات (…) فمن أين لجبران باسيل هذا التجرؤ على الحقيقة عندما يقول إنه ذلل كل عقبات التأليف، فيما القاصي والداني من أصحاب المبادرات يشيرون إليه بأصابع الاتهام بالتعطيل من الداخل والخارج».

وأضاف: «مسكين جبران باسيل. وقع الشاب ضحية لسانه، وأوقع معه العهد القوي في مستنقع لا نجاة منه. والمهم أن نحمي البلد من أن يغرق في مستنقع الشالوحي (حيث مقر التيار الحر)، ومن الذبح على الطريقة العونية… وأن يكون انفجار مرفأ بيروت آخر ضحايا العهد العظيم»، ومستعيناً بالكتاب المقدّس ليحذّر باسيل من «مصير الدمار».

وجاءت هذه السخونة المستعادة على وقعِ التحضيراتِ لإطلالةٍ تلفزيونية للحريري الأسبوع المقبل عبر قناة «الجديدة» يُنتظر أن تعطي إشاراتٍ حول إذا كان حسم خياره بالاعتذار ليعلنه أم أنه سيستفيد من المواقف الدولية الداعمة لاستمراره بالتكليف لمحاولة تحصين مرحلة ما بعد هذا الاعتذار، وسط توقف أوساط سياسة عند إشارة دعم روسية تلقاها الرئيس المكلف خلال الاتصال الذي جرى بينه وبين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي أكد حسب بيان الخارجية الروسية «ضرورة دعم كل الجهود في سبيل الإسراع بتشكيل لبنان حكومة مهمة قادرة، من التكنوقراط، برئاسة الرئيس سعد الحريري».

وأتى الموقف الروسي فيما كانت ديبلوماسية العمل معاً الأميركية – الفرنسية تعود من مهمة في الرياض علمت «الراي» أنها ركّزت على الجانب الإغاثي على قاعدة أن واشنطن وباريس تعملان في لبنان مع منظمات من المجتمع المدني والجيش وليس مع مؤسسات حكومية وأن بالإمكان توفير احتياجاتٍ للشعب اللبناني من خلال هذه القنوات كما عبر العمل مباشرة مثلاً مع المستشفيات دون المرور بوزارة الصحة.

ووفق هذه المعلومات لم تتطرق السفيرتان خلال زيارة الرياض إلى الشأن السياسي ذي الصلة بالملف الحكومي في لبنان، وهو ما عكسه بطريقة غير مباشرة البيان المشترك الأميركي – الفرنسي حول «زيارة العمل التي أكّدت فيها السفيرتان غريو وشيا الحاجة الماسّة إلى حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة، تكون ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات.

وقد أشارتا إلى أنّ الحكومتين الفرنسية والأميركية، وكذلك شركاء آخرين، يعتمدون التوجّه نفسه، يقومون بمواصلة تقديم المساعدة الطارئة إلى الشعب اللبناني، بما في ذلك الدعم الصحي والتعليمي والغذائي»، موضحاً «أن السفيرتين شدّدتا على أنّ إجراءات ملموسة يتخذها قادة لبنان لمعالجة عقود من سوء الإدارة والفساد، ستكون حاسمة لإطلاق دعم إضافي من فرنسا والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين والدوليين».

لم تتطرق السفيرتان خلال زيارة الرياض إلى الشأن السياسي ذي الصلة بالملف الحكومي في لبنان

وترافق ذلك مع تأكيد مساعد وزير الخارجية الأميركية (لقناة الحدث) أنّ «على سياسيي لبنان تشكيل حكومة فوراً إذا أرادوا الظهور بمظهر القادة»، لافتاً إلى «أننا لن نخصّص أموالاً لمساعدة لبنان دون رؤية تغييرات أساسية».

ولم يكن عابراً أن ترتسم في لبنان ملامح «حائط صدّ» للاندفاعة الخارجية وهو ما لا يمكن فصل قراءته في ذاته ولا في تداعياته المحتملة عن «مسرح العمليات» الإقليمي وتحديداً الملف النووي الإيراني، سواء عبر تصعيد «التيار الحر» بوجه الحريري أو استعجال «حزب الله» الأخير أن يحسم خياراته والترويج لبحثٍ بدأ عن بدائل «تتيح الوصْل مع الشرق دون القطْع مع الغرب».


السابق
«طنجرة الضغط» الشعبية تقترب من «الانفجار» في لبنان
التالي
القاهرة تطلب من الحريري عدم الإعتذار عن تأليف الحكومة