باسيل.. «الولي الفقيه» بنسخته المسيحية!

جبران باسيل نبيه بري حسن نصرالله
كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في خطابه المتلفز يوم الأحد الماضي حمل أكثر من رسالة، ويؤدي الى قراءة سياسية مسيحية شيعية مختلفة.

الرسالة الأولى كانت كالعادة لأنصاره وللمسيحيين عموما، بأنه إنما يدافع عن حقوقهم ولو كان عن طريق إختزالهم بتياره وحزبه وشخصه، لا يهم سواء كانوا موارنة أم كاثوليك أم أرثوذكس، وسواء كانوا كتائب أو قوات أو طاشناق أو مردة أو مستقلين، المهم أنه يخوض معركتهم ولو عن طريق إلغائهم ومصادرة حقهم في أن يكون لهم رأيهم في تقرير مصيرهم، فهو بمثابة “الولي الفقيه” للمسيحيين في لبنان وسائر المشرق.

الرسالة الثانية كانت للمسلمين بشكل عام سواء كانوا شيعة أو سنة أو دروز، وسواء كانوا من حزب الله أو حركة أمل أو تيار المستقبل أو الحزب التقدمي الإشتراكي، بأنه لن يقبل ما إعتبره مثالثة في حكومة الثلاث ثمانات، نافيا بذلك الصبغة المسيحية عن ممثلي تيار المردة والقومي السوري الإجتماعي، وإعتبرهم من حصة المسلمين وهذا ما يريد قوله عن الوزيرين المسيحيين المتبقيين لإكتمال عقد الحكومة، أي بإختصار يريد أن يقول للمسلمين بأن لكم كلكم بجميع مذاهبكم نصف الحكومة، ولي أنا وحدي جبران باسيل النصف الآخر، والعجيب الغريب أنه يجاهر بهذه النظرية “نظرية النصف”، في معرض نفيه أنه يطالب بالثلث المعطل، ويخاطب الجميع في أمر الحكومة في معرض نفيه أنه يطلب شيئا لنفسه وتياره، بل هو إنما يطالب دفاعا عن حقوق المسيحيين، وصلاحيات رئيس الجمهورية وكأن الرئيس عاجز عن ممارسة هذه الصلاحيات وأوكلها إليه، وكأن المواطنين المسيحيين طوبوا له أنفسهم، ومنحوه حق التصرف بهم وبمستقبلهم، وفي الحالتين إنما هو يتجاوز كل الأعراف والقوانين، ويضع نفسه حقيقة في موضع منتحل الصفة.

إقرأ أيضاً: عون «يَضرب» نفسه.. وبري «الثلث الضامن» للحريري!

الرسالة الثالثة وهي الأهم كانت بإتجاه الثنائي الشيعي على طريقة ضربة على “حافر” حركة أمل، عبر الهجوم على الرئيس نبيه بري وإتهامه بالإنحياز للرئيس المكلف، وكذلك التعسف بممارسة صلاحياته في المجلس النيابي، حد التلميح بأن المجلس ليس ملكية خاصة له ، وضربة على “مسمار” حزب الله عبر اللجوء إلى السيد حسن نصرالله والتلطي وراءه أو حشره من زاوية الممارسات المتبعة من قبل “الشيعية السياسية”، من أجل رفع ما يعتبره هو، الظلم بحقه وحق المسيحيين الواقع عليهم من قبل الرئيس نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، عبر طرح حكومة الثلاث ثمانات التي يعتبرها مثالثة مقنعة، ويحاول اللعب بها على الوتر الطائفي، مع أن زيادة عدد الوزراء كان بناء على طلب الرئيس ميشال عون.

إستعمل باسيل نفس التعابير التي إستعملها نصرالله في خطابه الأخير، عندما أعلن أنه سيستعين بصديق للمساعدة في تذليل العقبات

في حديثه الموجه إلى أمين عام حزب الله، الذي إعتبره البعض من خصومه إستنجادا بالحزب وإستجداءاً له، حد وصفه بـ”الذمية” السياسية، وجه باسيل رسائل بالشكل والمضمون إلى السيد حسن نصرالله، قد يكون القصد منها هو غير الإتجاه الذي ذهب إليه بعض هؤلاء الخصوم، من أن باسيل يريد تسليم أمر المسيحيين لنصرالله، ففي الشكل إستعمل تقريبا نفس التعابير التي إستعملها السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، عندما أعلن أنه سيستعين بصديق للمساعدة في تذليل العقبات قدر الإمكان من طريق الحكومة، وسمى الرئيس نبيه بري هذا الصديق وأوكل الأمر إليه، ليأتي حديث باسيل بهذا الشكل، وكأنه رد على السيد بحيث يبدو وكأنه تعامل الند للند، ليقول لنصرالله بأن الصديق الذي إختاره ليس أميناً على المهمة التي أوكلها إليه، وبأنه هو جبران باسيل يعيد الكرة إليه، هذا في الشكل.

باسيل كأنه يقول بأنه لن يقبل بأقل من مساواته بالثنائي الشيعي سواء بالممارسة “التعطيلية” أو بعدد المقاعد التي يتولاها تياره

أما في المضمون، فهو غمز من قناة الثنائي الشيعي وتمسكه بوزارة المالية، وكذلك إصراره على وحدانية تسمية ممثليه في الحكومة، الأمر الذي يُنكرونه عليه وعلى رئيس الجمهورية من وجهة نظره، طبعا ناسياً أو متناسياً بأن الثنائي الشيعي، هو الممثل الوحيد للشيعة في البرلمان – للأسف وهذا موضوع آخر – بينما هو يمثل طرفا وإن كان الأكبر من الأطراف المسيحية والمارونية الأخرى في المجلس النيابي، وبدا ذلك واضحا من قوله بأنه يقبل من السيد نصرالله ما يقبله السيد لنفسه، وكأنه يقول بأنه لن يقبل بأقل من مساواته بالثنائي الشيعي سواء بالممارسة “التعطيلية” إن لزم الأمر، أو بعدد المقاعد التي يتولاها تياره، حتى ولو كانت على حساب بقية الأطراف الأخرى من المسيحيين، ولعل غياب ” القوات اللبنانية ” والكتائب عن المشهد، أمده ببعض المبررات في هذا الإطار .

إن ما يقوله ويفعله جبران باسيل، والذي يحاول من خلاله الظهور بمظهر الشخص القوي والتيار القوي، أمام مناصريه والمسيحيين عموما على مسافة أقل من عام على الإنتخابات النيابية – إن حصلت – هو في الحقيقة يخفي مأزقاً حقيقيا له ولتياره بعد العقوبات التي طالته وكذلك التجاهل العربي والدولي له، وهو ما يحاول تعويضه في الداخل، عبر الدخول في كباش حتى مع أكبر وأهم حلفائه وهو حزب الله، ولو أنه من المستبعد أن يرغب أو يستطيع الذهاب، إلى أكثر من سياسة حافة الهاوية مع الحزب، كما أن هذه التصرفات لا يمكن فصلها – في الواقع – عن ممارسات الثنائي الشيعي السياسية، بالتضامن والتكافل مع حليفهم التيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون ومن ثم باسيل، منذ ما بعد حرب تموز 2006 حتى اليوم، من مخالفات دستورية وخرق للأعراف والقوانين، في سبيل الإمساك بالسلطة وإجهاض ما حققته ثورة الأرز من تغييرات يومها في المشهد السياسي، والذي توج بأحداث 7 أيار وإتفاق الدوحة، وما تلاه من تعطيل لنتائج إنتخابات 2009، وصولا إلى فرض ميشال عون رئيساً للجمهورية إلى يومنا هذا.

لبنان اليوم يدفع ثمن ممارسات باسيل التي لا تمت للصراع السياسي الدستوري والقانوني بأي صلة

بذلك يكون لبنان اليوم يدفع ثمن هذه الممارسات التي لا تمت للصراع السياسي الدستوري والقانوني بأي صلة، والتي إعترف الرئيس بري نفسه يوم أمس في حديثه لـ” النهار ” عن واحدة منها، وإعتبرها خطأ وهي إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011، وهو على أبواب البيت الأبيض يومها ، لذلك يبدو اليوم لبنان وشعبه وكأنه يدفع ثمن “دلال ونفخ” الثنائي الشيعي لباسيل ، ولسان حاله يقول .. هذا ما جناه الثنائي الشيعي عليّ، أما الثنائي الشيعي نفسه وبالأخص حزب الله خاصة بعد الإنتقادات، كي لا نقول الهجومات التي طالته مؤخرا من قياديين في التيار الوطني الحر، خاصة في ما يختص بسلاحه ، وبفشل تفاهم “مار مخايل” في بناء الدولة، فإنه يصح فيه القول.. على نفسها جنت براقش .

بإنتظار ما ستحمله الأيام والأسابيع المقبلة من تطورات، يبقى الشعب اللبناني أسير طوابير الذل، التي تحول بعضها مصيدة للقتل كما حصل بالأمس وقبله على الطريق الساحلي الجنوبي، حيث أبيدت عائلة بأكملها في مشهد كارثي يشي بما وصلت إليه الأوضاع، جراء الفساد المستشري والإستهتار بمصالح الناس، سواء من العهد أو من حكومته العاجزة حتى عن تصريف الأعمال، أو من الطبقة السياسية بشخصياتها وأحزابها ومنظماتها، ليبقى الشعب يصارع وحيدا في طوابير البنزين والأدوية والأفران، ليزيد عليها يوم أمس طابور البن، والآتي على ما يبدو أعظم!

السابق
دياب يرفض «التوقيع» ليخضع لاحقاً.. ولهذا السبب أقفل الخط بوجه غجر!
التالي
صورة مؤثرة: «خبز فلت».. والرغيف بـ500 ليرة!