إنقاذ لبنان… من السياسيين اللبنانيين أوّلا

خيرالله خيرالله

ثمة محاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من لبنان، إنقاذه من السياسيين اللبنانيين أوّلا. تتمثّل هذه المحاولة بالسعي لدعم الجيش اللبناني. لماذا الجيش؟ يعود ذلك إلى أن دعم الجيش اللبناني يستهدف الحؤول دون فوضى عارمة تفتت البلد نهائيا. لم يبق من لبنان سوى الجيش. في “العهد القويّ”، انهارت كلّ المؤسسات اللبنانية بفضل الإنجازات التي حقّقها الثنائي ميشال عون – جبران باسيل.

في حال كان مطلوبا استعادة لبنان في يوم من الأيام، لا تزال حاجة إلى ركيزة يمكن الاستناد إليها من أجل تحقيق القيامة، هذا إذا كان من مجال لقيامة أو لا يزال في الإمكان إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلد.

هذا ما يدركه المجتمع الدولي الذي تحرّك عبر فرنسا، بالتفاهم مع الإدارة الأميركية طبعا، من أجل منع انهيار المؤسسة العسكريّة التي لا تزال تجمع بين اللبنانيين. تحرّك المجتمع الدولي بعدما بلغت مفاعيل الأزمة الاقتصادية الخانقة مؤسسة الجيش اللبناني. استضافت فرنسا حديثا مؤتمراً برعاية الأمم المتحدة، عبارة عن تجمّع دولي لمساندة الجيش اللبناني عبر آلية الفيديو بحضور ما يقارب 20 دولة وعدد من المنظمات الدولية.

واضح أنّ تفادي سقوط لبنان في الفوضى الكاملة وراء انعقاد المؤتمر الهادف إلى دعم الجيش. أكد المشاركون ضرورة مساعدة المؤسسة العسكرية وتأمين متطلبات الدعم الأساسي لها كي تبقى قادرة على القيام بمهمّاتها في المحافظة على الأمن والاستقرار. أكّد قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي ينتمي إلى مجموعة قليلة من الشخصيات اللبنانية التي لا تزال فوق الشبهات أن “لبنان يواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة ويبدو واضحاً انعدام فرص الحلول في الوقت القريب والجيش يحظى بدعمٍ وثقة محلية ودولية. لذا تزداد الحاجة اليوم أكثر إلى دعمه ومساندته كي يبقى متماسكاً وقادراً على القيام بمهامه”. حذّر من أن “استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان سيؤدي حتماً إلى انهيار المؤسسات ومن ضمنها المؤسسة العسكرية وبالتالي فإنّ البلد بأكمله سيكون مكشوفاً أمنياً”. ليس سهلا قول قائد للجيش في بلد ما إن هذا البلد معرّض لانكشاف أمني كامل.

ليس مؤتمر دعم الجيش اللبناني سوى تعبير عن يأس المجتمع الدولي من أيّ إصلاحات في ظلّ “العهد القوي” برأسيه ميشال عون وجبران باسيل. سقط السياسيون في لبنان سقوطا عظيما. يؤكّد ذلك العجز عن تشكيل حكومة. يعرف المجتمع الدولي أنّ “حزب الله” وضع يده على لبنان. يعرف تماما مدى نفوذ “حزب الله” في قصر بعبدا ودوره في إطالة أزمة تشكيل حكومة. أكثر من ذلك، يعرف أنّه لا يهم الحزب بقاء أيّ مؤسسة من مؤسسات الدولة اللبنانية. هذا عائد إلى سببين. الأوّل أن لبنان ليس سوى “ساحة”، أو على الأصحّ ورقة إيرانية، والآخر أنّ هناك خططا لدى الحزب وغيره من أجل إقامة نظام جديد في لبنان يقوم على المثالثة بين المسيحيين والشيعة والسنّة. يشكل اعتبار فشل الطائف، بدليل المأزق الحكومي، الحجة المعلنة للوصول إلى المثالثة مستقبلا. هناك سعي إلى تغيير طبيعة النظام اللبناني مترافقة مع الإصرار على تغيير طبيعة المجتمع عبر إفقار اللبنانيين.

في كلّ الأحوال، لم يبق سوى الجيش المهدّد بالسقوط من داخله بسبب الأزمة الاقتصاديّة. هذا ما تنبّه إليه منذ فترة طويلة رفيق الحريري الذي دعّم المؤسسة العسكريّة منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي بغية المحافظة عليه وذلك قبل توليه موقع رئيس الوزراء. لم يدعم رفيق الحريري المؤسسة العسكرية وحدها. دعّم القطاع الصحّي والقطاع التعليمي. كان رفيق الحريري يعرف تماما ماذا يعني لبنان وعلى ماذا يقوم لبنان. من هذا المنطلق كان دعمه الباكر للجيش بغية المحافظة عليه وكان دعمه للجامعات وأساتذة الجامعات وللمستشفيات والأطباء في المستشفيات. سعى بكلّ بساطة لمنع هجرة الخبرات اللبنانية كما هو حاصل اليوم.

لا يوجد حاليا غير المجتمع الدولي الذي يحاول عبر فرنسا دعم المؤسسة العسكرية. الدعم العربي خجول للأسف. يمكن تفسير ذلك باليأس من “العهد القويّ” الذي جعل العرب والعالم لا يميزون بين لبنان و”حزب الله”. فكيف لدول عربيّة دعم لبنان فيما الجميع يعرف أنّه تحوّل إلى قاعدة حوثيّة وغير حوثيّة إضافة إلى أنّ لبنان صار غرفة عمليّات للتدخل في شؤون الدول العربيّة؟

المهمّ وسط كل ما يجري أن العالم لم يتخلّ نهائيا عن لبنان بعد. هناك مجموعة أسباب تدعوه إلى ذلك. من بين الأسباب أنّ القائد الحالي للجيش أثبت أنّه ماروني من طينة مختلفة وأنّه قادر على حصر همّه، كضابط محترف، بالمهنة التي يزاولها، أي حماية لبنان والسلم الأهلي وجعل الجيش على مسافة واحدة من كل اللبنانيين. لا يهمّ قائد الجيش أن يصبح رئيسا للجمهوريّة.. كما حال جبران باسيل المستعد لأيّ شيء من أجل الوصول إلى هذا الموقع.

الأكيد أن المجتمع الدولي أخذ علما بذلك وأخذ علما، على وجه التحديد، بما يمكن أن تكون عليه الأحوال في لبنان من سوء في حال استمرّت الأزمة الاقتصاديّة على حالها..

في النهاية، كيف يمكن توقّع قيام الجندي بمهمّته في حال كان لا يمتلك ما يكفي من المال للالتحاق بمركز عمله. كيف يمكن لهذا الجندي النزول إلى الشارع والمحافظة على السلم الأهلي مع رفاقه، في حال كانت عائلته جائعة.

في الرحلة الطويلة من أجل استعادة لبنان، هذا إذا كان في الإمكان استعادته، لا بدّ من نقطة انطلاق. نقطة الانطلاق هي الجيش، لعلّ وعسى ينتهي هذا “العهد القويّ” سريعا كي يبقى هناك ما يمكن إنقاذه وكي يجد ميشال عون مسيحيين يدافع عن حقوقهم.. بدل المتاجرة بهذا الشعار.

من المفارقات في أيّام “العهد القويّ” أنّه يحمل لواء الدفاع عن حقوق المسيحيين مستعينا بسلاح “حزب الله” الميليشيوي والمذهبي وفي وقت صار كلّ مسيحي لبناني، وكلّ مسلم أيضا، يبحث عن مكان يهاجر إليه. يدلّ ذلك على أن الرهان على الجيش أمر في غاية الأهمّية، بل فسحة أمل ولو ضيقة جدّا للبنان واللبنانيين.

السابق
اليكم أسرار الصحف الصادرة اليوم الاثنين في 21 حزيران 202
التالي
في الذكرى الثانية على حادثة«قبرشمون»..جنبلاط في خلدة للقاء ارسلان ووهاب!