لجم دولار السوق السوداء.. «صرخة في برية»!

دولار ولبناني
"دولار السوق السوداء دايما طالع ولا مرة ثبت على حال منذ بداية الازمة"، عبارة تدور على ألسنة اللبنانيين الذين يسمعون يوميا أخبارا وتعاميم من مصرف لبنان، بهدف ضبط السوق السوداء و محاصرة إنفلات سعر الدولار، فلماذا كل هذه التعاميم والخطوات لا تجدي نفعا؟

تبدو كل محاولات مصرف لبنان لإعادة شيء من التوازن إلى سعر الدولار في السوق السوداء، والحد من جنونه المتمادي كأنها “صرخة في برية”، فإطلاق المنصة الاولى لسعر صرف الدولار على 3900 ليرة لدعم السلة الغذائية والادوية في بداية الازمة، ثم إطلاق منصة “صيرفة” في بداية الشهر الحالي لتأمين الدولار إلى التجار على سعر 12 ألف ليرة للدولار الواحد، ناهيك عن قانون الكابيتال كونترول الموجود في مجلس النواب، الذي من المفروض أن يُقر قريبا لتهدئة روع المودعين وتنظيم سحب ودائعهم، كل هذه الخطوات المسّكنة لم تستطع تجنيب اللبناني ألم الاحتراق بالإرتفاع المستمر في سعر دولار السوق السوداء.

كل هذه التطورات والتعقيدات الحاصلة في الوضع المالي والنقدي في لبنان من أكثر من 18 شهرا( بداية الازمة) تجعل البحث مشروعا، عن السبب العلمي الذي يؤدي إلى إنفلات الدولار من عقاله وتحليقه أكثر فأكثر في السوق السوداء.

تعدد سعر الصرف هو السبب؟

الاجابة على هذا السؤال تأتي من أكثر من زاوية، إذ يرى وزير المال الاسبق جورج قرم لـ”جنوبية” أن “إرتفاع الدولار في سوق السوداء سببه تعدد أسعار الصرف، وهذا أمر خطير يسمح بألاعيب عديدة ولم يحصل في أي بلد، خصوصا أن إختلاف سعر الصرف يُستعمل لدعم المنتجات الاساسية خارج أي منطق إقتصادي ومالي ونقدي في العالم”، معتبرا أن “الحل هو في تغيير السياسة والنهج المالي لمصرف لبنان، خصوصا أن تعدد أسعار صرف الدولار مقابل الليرة يستعملها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لدعم مواد أساسية من دون العودة إلى مجلس الوزراء مجتمعا، وليس هناك مصرف مركزي في العالم يقرر دعم هذا المنتج ووقف الدعم عن ذلك المنتج إلا في لبنان”.

قرم لـ”جنوبية”: تعدد أسعار الصرف  يسمح بالألاعيب

يلفت قرم إلى أن “الخطوة الثانية هي تثبيت نظام صرف شبه عائم لليرة اللبنانية مقابل الدولار، أي أن يتراوح سعر الصرف بين الرقم كذا والرقم كذا وهذا ما يطبق في كل بلدان العالم”، مشددا على أن “الخطوة الثالثة هي في إعادة ثقة المودعين بالنظام المصرفي اللبناني، لأن وضع اليد على ودائع الناس كما حصل في لبنان خطوة غير مسبوقة في العالم، وعدم الثقة تدفع اللبنانيين إلى شراء الدولار من السوق السوداء وتخزينه في المنازل”.

ويختم:”الخطوة الرابعة هي إعادة لبنان إلى عالم الانتاج من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، التي تؤمن الإكتفاء الذاتي للبنان، بدل الإتكال على تحويلات المغتربين في الخارج كما حصل في السنوات الماضية”.

وزير المال الاسبق جورج قرم
وزير المال الاسبق جورج قرم

على ضفة الخبير الاقتصادي الدكتور مروان قطب( أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية)، فإن “السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا سعر الدولار لا يزال يتجه صعودا على الرغم من العديد إقتراحات الحلول  التي يتم تداولها”، ويجيب “جنوبية” بالقول:”هناك ملفان أساسيان كانا يهدفان إلى لجم سعر صرف الدولار، الأول هو منصة “صيرفة” والتعميم الاخير القاضي بحصول المودعين على 400 دولار كاش و400 دولار على سعر المنصة”، مشيرا إلى أن “الملف الثالث هو مشروع قانون كابيتال كونترول، لتنظيم عملية السحب من المصارف أكثر من لجم سعر دولار السوق السوداء”.

قطب لـ”جنوبية”: الحلول المطروحة غير واقعية

يضيف:”كل هذه الحلول هي غير واقعية، تتناقض مع الامكانيات المالية والنقدية للقطاع المصرفي والاقتصاد اللبناني، وهي في إطار التخدير لأسباب عدة أولها، أن منصة “صيرفة” حين بدأ تطبيقها، بدأ الدولار في السوق السوداء بالارتفاع، وهذا أول دليل على فشلها لأنها نظمت عمليات الطلب للدولار، ومن هي المؤسسات التي تدخل في هذه المنصة (مؤسسات الصيرفة النظامية والمصارف التي أعطيت رخصة صيرفة) وثبّتت أنه يحق للتجار طلب الدولار للإستيراد”، مشددا على أن “الاشكالية الكبرى هي عدم تنظيم العرض، أي من يجب أن يموّل هذه المنصة، طالما أن مصرف لبنان يعاني من شح في السيولة النقدية بالعملة الاجنبية و يعاني أيضا من عدم قدرته على الاستمرار بالدعم، فكيف له أن يموّل هذه المنصة”.

إقرأ أيضاً: التحويلات «تُنجي».. مارديني لـ«جنوبية»: الـ«Fresh dollars» غير كافية لوقف الانهيار

و يضيف:” المنصة ولدت ميتة في الوقت الراهن نتيجة التأزم السياسي، وعدم وجود ضخ نقدي بالعملات الاجنبية يخلق التوازن، ويمكن أن تتحقق الغاية إذا حصل إنفراج سياسي و ضخ للملات الاجنبية من الخارج” .

يرى قطب أن ” التعميم بإعطاء المودعين 400 دولار كاش شهريا له محاذير كبيرة، أولها من الذي سيؤمن هذه الدولارات للمودعين،  خصوصا أن المصارف تقول أنها لا تملك الامكانيات لتأمينها”، لافتا إلى أن “مصرف لبنان أعلن أنه سيؤمن نصف المبالغ على أن تؤمن المصارف النصف الاخر، وبالتالي تقدر الكلفة خلال 3 سنوات 7 مليار و500 مليون دولار، لكن هناك إرباك حول التعميم والدليل هو إعتراض المصارف على التعميم”.

ويشير إلى أن”الخطير في التعميم هو أن الجزء الثاني من أموال المودعين، سيتم إعطائه لهم بالعملة اللبنانية على سعر 12 ألف ليرة للدولار، وهذا يعني تضخم الكتلة النقدية بالعملة اللبنانية، مما يعني أن إستمرار إرتفاع الدولار في السوق السوداء”، موضحا أن”كل هذه الخطوات هي حلول تخديرية غير مجدية، وتعودنا منذ بداية الازمة أن تأتي الحلول غير واقعية، لأن الواقع الاقتصادي صعب ومتأزم ونحن في مرحلة إنهيار، ولا يمكن أن تكون الحلول مجدية في ظل هذا التحلل للإقتصاد اللبناني”.

يختم:”كل حل  يجب أن يكون في إطار حل سياسي- إقتصادي شامل  وحكومة تعطي ثقة للبلاد والإستثمار وإلا كل الحلول تكون صرخة في واد”. 

مروان قطب
مروان قطب
السابق
نقيب المُحامين الفرنسيين للدفاع عن سلامة: البعض يلعب بالنار!
التالي
بيروت تنتفض.. اليكم الطرقات المقطوعة