«المقاومة» حرّرت جنوب لبنان و«احتلّت» الدولة

عيد المقاومة والتحرير

لن تجد غالبية اللبنانيين ما تحتفل به، في “عيد المقاومة والتحرير”، فالأرض التي تخلّصت من عبء الاحتلال الإسرائيلي، قبل واحد وعشرين عاماً، وقعت، تحت عبء الفقر والحرمان والهجرة والتسلّط وانحلال الدولة، ورُميتْ في الجحيم.

وهكذا، فإنّ هذا العيد الذي أريد له أن يخلّد ذكرى انتصار لبنان المقاوم على إسرائيل المحتلة، تحوّل، مثله مثل مناسبات وطنية أخرى، كالاستقلال مثلاً، إلى مجرّد ذكرى تُشعِل المنابر خطابات، وتُدمي القلوب حسرات.

وبالفعل، فإنّه قد جرى تفريغ هذا “العيد” من معانيه، فالمقاومة، على أهميتها، تنتهي صلاحياتها، بمجرّد أن تحتفل بالتحرير، والتحرير تنتهي مفاعيله، عندما يتبيّن أنّه لم يخدم تكوين دولة قادرة على تلبية حاجات من تمّ تحريرهم.

ما حصل في لبنان هو نقيض كل ذلك، فالمقاومة تحوّلت إلى قوة “احتلال بديل”، والتحرير أصبح شعاراً بمفاعيل عكسية، وهذا ما تسبّب بسقوط مدوٍ للبنان.

اقرأ أيضاً: من فلسطين إلى لبنان.. يذهب الشعب ويبقى الحزب!

في زمن الاحتلال الإسرائيلي كان لبنان، وفق منطوق القرارات الدولية، مظلوماً. في زمن “المقاومة والتحرير” جرى تحويل لبنان الى “ظالم”. كان لبنان يشكو من عدم رغبة المجتمع الدولي في تنفيذ القرارات الدولية “التحريرية” كالقرار 1559، وأصبح اليوم في وضعية من تشكوه الشرعية الدولية لعدم احترامه قراراتها المرجعية، كالقرار 1559 الذي يريد للبنان أن يكون دولة محرّرة بالفعل، حيث تحتكر مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية السلاح.

كان اللبنانيون يفترضون، بعد تحرير جنوب لبنان، أن وطنهم سوف يحصّن نفسه بالمنطق، فيراجع الأسباب التي رمته في معتقلات العدو، هنا و”طغيان” أعداء هذا العدو، هناك ليمنع وقوعه، في الويلات، مرة جديدة، ولكن، بدل ذلك، وجد لبنان نفسه أمام هؤلاء الذين “يجرّبون المجرّب” فخرّبوه.

انتقل لبنان من “الوطن البديل” مع “منظمة التحرير الفلسطينية” إلى “الجبهة البديلة” مع الرئيس الراحل حافظ الأسد ليستقر، حالياً، خادماً أميناً لمخططات “الحرس الثوري الإيراني”.

كل هذه المشاريع تستّرت بعباءة “المقاومة” ولا تزال، لتُخفي، عمداً أو عفواً، حقيقة تدميرية.

إنّ لبنان الذي يحتفل، اليوم بـ”عيد المقاومة والتحرير” حيث ترتفع صيحات “الانتصارات الإلهية”، أصبح كياناً ممزّقاً سياسياً، وغريقاً مالياً، ومحتضراً اقتصادياً، ومتوفّى إجتماعياً.

لقد ألحق به “المقاومون والمحررون” أضراراً لا تُحصى ولا تُعد. حوّلوه الى منصة لتصدير المرتزقة الى حروب المنطقة وصراعاتها، فأبعدوا عنه الأصدقاء وهرّبوا المستثمرين وجوّعوا الناس وهجّروا طاقاته.

ما فعله هؤلاء بلبنان لم يقوَ الاحتلال الإسرائيلي، في أقسى حملاته، على أن يُنجز إلّا القليل منه، ولفترات “فانية”.

في لحظات الإحباط، نقرأ أو نسمع أو نشاهد من يترحّم على “الاحتلال” أو على “الوصاية”، وكأنّ الخطأ، يقع في التحرير نفسه، وليس في “المقاومين” الذين عادوا فخانوا الأمانة.

إنّ “عيد المقاومة والتحرير” يبدأ، فعلياً، في اليوم الذي تنتهي فيه “المقاومة” وتبدأ فيه الدولة.

هذا الدرس لقّنه شارل ديغول يوماً للعالم، فما إن تحرّرت بلاده من سطوة الاحتلال النازي، حتى سارع الى حلّ جميع تنظيمات المقاومة الفرنسية.

عاند “المقاومون”. كانت لديهم حجج كثيرة وقدرات عظيمة، كما كان لديهم دعم الزعيم السوفياتي جوزف ستالين، أحد أبرز أبطال الحرب العالمية الثانية، ولكن ديغول أصرّ على أنّ المقاومة تنتهي عندما تبدأ الدولة، والدولة يستحيل أن تتكوّن إلّا إذا أنهت كل التنظيمات المسلّحة بما فيها تلك التي لعبت أدواراً مهمة في إنجاز التحرير.

وتحت شعار “الأمّة أهم من المقاومة” وضع شارل ديغول حجر الأساس ليس لإعادة بناء فرنسا فحسب، بل لإعادة وجودها الفاعل في خريطة العالم، أيضاً.

وإلى أن يأتي من هو قادر على تطبيق معادلة شارل ديغول، سيركن لبنان في الجحيم، حيث يشاهد “شياطينه” يحتفلون كل يوم بـ… إنجاز عظيم.

السابق
عن مسرحية انتخاب الأسد
التالي
تقرير متشائم.. «ستاندرد أند بورز غلوبال» ترجّح تضرّر مودعي البنوك اللبنانية!