من فلسطين إلى لبنان.. يذهب الشعب ويبقى الحزب!

علي الأمين
متى يتعلم الفلسطينيون والعرب على إختلاف فصائلهم وأحزابهم وحكامهم، من أخطاء المصالح الضيقة والتشرذم الفاقع والرسوب التاريخي في درس "الوحدة"، الذي قدم خدمة شبه مجانية لحكومة إسرائيل المأزومة، ويُغرق الشعب الفلسطيني المناضل في حمام دم مستدام؟! تساؤل موجع يقض مضجع العقل والقلب والوجدان، وسرعان ما يأتي الجواب عبر النموذج اللبناني الأكثر وضوحا وإيلاماً: يسقط الشعب ويبقى "الحزب الحاكم" المترامي الأذرع والمعمم في المنطقة بأشكال وألوان مختلفة، تصب في خدمة "الراعي الأكبر"!

يبدو ان الآلة العسكرية الاسرائيلية مستمرة في تدمير غزة، تحت عنوان الحرب ضد حركة “حماس”، لا يريد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ان ينهي الحرب، من دون ان يضمن تحقيق مكاسب تتيح له القول امام الرأي العام الاسرائيلي،  انه حقق اهداف الحرب او معظمها، تمهيدا لاعادة استلامه منصب رئاسة الحكومة وتثبيت صورة انه ملك من ملوك اسرائيل.

إقرأ أيضاً: ليس بالعاطفة وحدها تُحرر فلسطين!

ثمة حرص اسرائيلي، على اظهار ان ما يجري هي حرب بين دولة اسرائيل وحركة حماس “الارهابية”، وهي استكمال لجولات من الحروب في ظل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، بدأت في ٢٠٠٨ ثم ٢٠١٢ و٢٠١٤، حروب متتالية عززت فيها “حماس” سيطرتها على القطاع بالدم، وضمنت استبعاد السلطة الفلسطينية، وترسخ بتظافر جهود اقليمية ودولية مسار من الانقسام الفلسطيني، ساهم في اضعاف الموقف السياسي الفلسطيني تجاه اسرائيل وحيال الخارج ايضاً، ذلك ان الانقسام السياسي ساهم في تراجع القضية الفلسطينية دوليا، وجعلها  عرضة للتنكيل والاستثمار الضيق، اما سلطويا من خلال نموذج السلطة الفتحاوية،  التي صار ديدن معظم اعضائها حماية المكاسب الصغيرة التي يوفرها الاحتلال، او من خلال نموذج غزة التي تحولت الى سلطة حمساوية، غايتها السلطة، وفتح باب الاستثمار السياسي الضيق للاطراف الاقليمية من مصر الى ايران وتركيا وامارة قطر، بشرط اسرائيلي يدغدغ عقلية “حماس” والاسلام السياسي على وجه العموم،  مع المحافظة على الانقسام بين السلطة و”حماس”.

ثمة حرص اسرائيلي على اظهار ان ما يجري هي حرب بين دولة اسرائيل وحركة حماس “الارهابية”

الحرب في الحسابات الاسرائيلية قد تطيح برئيس حكومة، او قد تعيده الى الحكم بحسب المكاسب التي يحققها، لأن في اسرائيل ثمة مؤسسات دستورية وقضائية ورأي عام يحاسب ويثيب، في المقلب الفلسطيني والعربي عموما والعالم الثالث على وجه أعم، لا مجال للمحاسبة لأن لا رأي عام ولا مؤسسات، ونزعة الاستبداد الحاكمة في بنية السلطة الدولتية والحزبية، قادرة على قلب الهزيمة الى انتصار لدى الشعوب التي تعاني من فقد الحريات العامة، والمؤسسات الدستورية الضامنة.

الحرب في الحسابات الاسرائيلية قد تطيح برئيس حكومة او قد تعيده الى الحكم بحسب المكاسب التي يحققها

بهذا المعنى، اذا لم تعبر الحركة السياسية الفلسطينية عن الوحدة الفلسطينية التي تجلت على كامل اراضي فلسطين، في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وعنصريته اليوم، فان السؤال عن الانتصار النسبي يفقد معناه السياسي، الا اذا كان المقصود انتصار هذا الفصيل او هذه الحركة، ذلك ان الفصائل في فلسطين تنتصر ولكن فلسطين او قضيتها لا تحقق مكاسب سياسية، ما يجب التركيز عليه حين النظر الى مسار الحرب الجارية ومآلاتها في غزة، هو المكسب السياسي الفلسطيني، فالتضحيات والدمار والدماء ليست بلا ثمن، ولا غاية لها الاّ ان تقدم على مذبح الحرب، من دون ان يحقق الفلسطينيون مكاسب توازي التضحيات بل تتفوق عليها.

اذا لم تعبر الحركة السياسية الفلسطينية عن الوحدة الفلسطينية فان السؤال عن الانتصار النسبي يفقد معناه السياسي

الضعف والقوة لدى الشعوب والدول ليسا امران منزلان او على سبيل الحظ، بل نتاج سياسات وخيارات ومسارات اجتماعية وثقافية وحضارية، ووعي هذا الواقع سيتيح امام كل شعب او دولة، فرص اعتماد الخيارات التي توازن بين القوة والفعل، وفعل تغيير واقع الهزيمة والقدرة على التقاط نقاط الضوء في عتمة الهزيمة.

الهبة الفلسطينية والوحدة يجب ان تترجم وتتبلور سياسيا وهذا الانجاز الذي يمكن ان يوازي التضحيات التي قدمت وتقدم


وفي هذا المسار، يبدو ان الهبة الفلسطينية والوحدة اللتين اظهرهما الشارع الفلسطيني، يجب ان تترجم وتتبلور سياسيا، وهذا الانجاز الأهم الذي يمكن ان يوازي التضحيات التي قدمت وتقدم، لذا فان الانتفاضة ضد الاحتلال ومقاومته، مرشحان ان يشكلا عنصر ضغط وتغيير على السلطة الوطنية،  وعلى “حركة حماس”، بما يعزز من فرص توحيد القرار الفلسطيني، واذا كان من مخاوف من الخيبة، فهي في ان تحاكي التجربة الفلسطينية النضالية اليوم، مآلات انتفاضة ١٧ تشرين اللبنانية، الدولة تنهار والسلطة مستمرة و “حزب الله”.. الحزب المنتصر دوما.

السابق
بداخله أطفال ونساء.. إسرائيل تقصف مبنى في غزة بدون إنذار!
التالي
أرقام مفرحة.. عداد «كورونا» يواصل انخفاضه في لبنان