أحمد بيضون..في فَهْمِ المُشْكِل اللبنانيِّ

احمد بيضون

كتابُ نوّاف سلام الأخير (“لبنان بَيْنَ الأمْسِ والغد”، في طبعتينِ عَربيّةٍ وفَرنسِيّة) مهمٌّ، لا لأنّه يأتي بكلامٍ غيرِ مسبوقٍ في المُشْكِلِ اللبنانيِّ، بل لأنّهُ يعرضُ خلاصةً محْكَمةً لجُهودِ جيلٍ بعينِهِ من المثقّفين ولحصائلِ وجهةٍ بعينِهِا (وهُما جيلُنا ووجْهَتُنا) في فَهْمِ هذا المُشْكِلِ والسَعْيِ إلى تَدَبُّرِه.
فالمقالاتُ الثَماني التي يَتَألّفُ منها الكتابُ ليست جديدةً أصلاً وإنّما هي منتَشِرةٌ على ربعِ قرنٍ من هذا السعيِ وقد سَبَقَ نشرُها جميعاً بل نُشِرَ بعضٌ مِنْها مَرّتينِ قَبْلَ أن يحطّ رحالهُ في هذا الكتاب. مع ذلكَ، يبدو الكتابُ (الذي اقتضى تشكُّلُهُ إعادةَ نَظَرٍ ما في كلٍّ من فُصولِه) جديداً وتَبدو قراءتُهُ حاجةً مؤكّدةً ومتعةً للمهتمّ.

اقرا ايضا: عون والحريري «يُحرقان المراكب» وباسيل ينكفىء..و«حزب الله» يَتفرّج!


فهَهُنا تتابعٌ شديدُ الأسْرِ لمفاصِلِ المُشْكِلِ ينتهي إلى صورةٍ محيطةٍ، موجَزةٍ ومفصّلةٍ في آنٍ، لجُمْلَته. وهو ينتهي أيضاً إلى اقتِراح معالَجاتٍ تتكامَلُ فَصْلاً بعدَ فَصْلٍ في برنامجِ إصلاحٍ متعدّدِ الوجوهِ يلازم المعضلاتِ الكبرى وأطوارَها الرئيسة ولكن لا يفوتُهُ أيٌّ من هذه وتلك. الطائفيّة صُلْبُ هذه المعضِلاتِ ولكنّ لها مساراً يتابع الكتابُ تحوّلاتِه ولها وجوهٌ تتَوزّعُها الدولةُ بمؤسّساتِها وأنظمتِها كافّةً ويتوزّعها المجتَمَعُ بقطاعاتِه ونظامِ تَراتُبِهِ وصراعاتِه.


وما يمنحُ المعالجةَ فرادةً إنّما هو الكَفاءةُ المتعدّدةُ لمؤلّفه: من المتابعةِ السياسيّةِ المُثابِرةِ إلى الإحاطةِ التاريخيّةِ إلى التضَلّعِ الحُقوقيّ وفوقَ هذا كلِّهِ الالتِزامُ المزْمِنُ الدائبُِ بموضوعِهِ (أي بمَصيرِ بلادِهِ وبما يستثيرُهُ هذا المصيرُ من هُمُومٍ ومن سعْيٍ إلى المعالجة). وللتضَلّعِ الحُقوقيِّ موقِعٌ خاصٌّ بين وجوهِ هذه الكفاءة: فهو يُمْلي دقّةً وإحكاماً على تناولِ المسائلِ وعلى لغةِ الكتاب ويُعزّزُ مَلَكةَ الإيجازِ في أسلوبه…
يَسَعُنا الإعراضُ بعد هذا عن مواضِعِ تردّدٍ أو تغايُرٍ تظهرُ في المواقفِ بَيْنَ فصْلٍ وآخرَ، ومنها ما يتّصِلُ بمشكِلِ الطائفيّة. لَمْ تُزِل إعادةُ النَظَرِ في الفصولِ مظاهرَ الخَللِ هذه تَماماً. وليس في هذا من بأسٍ فعلاً بل المُحالُ أن لا يَحْصُلَ تردّدٌ وتغايُرٌ في مَدى ربعِ قرنٍ من المعاينةِ والمُعاناة. هذا يصِحُّ في نوّاف سلام وفي سِواهُ من مجايِليهِ الضالِعينَ في النَظَرِ اللبناني.
يَبْقى أنّ هذا كتابٌ ليس للمُهْتَمّ بموضوعِهِ، على اختِلافِ زوايا الاهتمامِ، أن يُفَوِّتَ قراءتَه…

(*) مدونة نشرها الباحث أحمد بيضون في صفحته الفايسبوكية

السابق
بالفيديو: بسبب جنون الدولار.. اطلاق نار بين صرافين غير شرعيين في صور وسقوط جريحين!
التالي
فضيحة الفضائح: «حزب الله» يزرع البوكمال بالـ«حشيشة».. و«حيدر صقر» ينتظر الحصاد!