ليس بالعاطفة وحدها تُحرر فلسطين!

غزة

قرأت رسالة الرئيس سليم الحص العاطفيّة التي نشرها على صفحته في فايسبوك. وقرأت التّعليقات التي انهالت على رسالته.

أنا من الذين يحترمون هذا الرجل كثيرا، وأدين له بالكثير مما وصلت إليه في حياتي. فمنطقه المتقّدم في العلاقات بين اللبنانيّين على مختلف طوائفهم، والذي جعله يطبّق تلقائيّا ما ورد في المادة ٩٥ من الدّستور الحالي ، حتّى قبل تبنّي تلك المادة في اتّفاق الطّائف عام 1989، أفسح لي في الإنضمام إلى السّلك الدبلوماسي عام 1977 من دون أيّة واسطة، محرّرا بالتالي مسيرتي في العمل الدبلوماسي من جميل أي إنسان. كما أنّه هو الذي قام بتعييني سفيرا عام 2000 في الأرجنتين، بناء على مقترحات وزارتي (شكرا للأمين العام في حينه، السّفير زهير حمدان ومدير الشؤون السياسيّة والقنصليّة، السّفير ناجي أبي عاصي)، وليس بناء على لائحة قدّمها “الزّعيم”.

إقرأ أيضاً: المعارك بين غزة وإسرائيل.. مآلات وخلفيات

قد أتّفق معه بالأحاسيس العاطفيّة، لكن لا يمكن التّعاطي مع قضايانا بهذا الأسلوب العاطفي. ففي العلاقات الدوليّة إنّ من يخرج عن القواعد القانونيّة يخضع لقواعد شريعة الغاب، أي أنّ الأقوى يأكل الضعيف. لا مجال أن تصرخ مطالبا بالحقوق من جانب، وتشطب موجباتك من جانب آخر. المطالبة بالحقوق تفترض احترام الموجبات.

قد تكون نظرتنا العربيّة للحقوق الفلسطينيّة خارج المفهوم الدّولي لمبدأ الحقوق والواجبات. فبالنّسبة لنا، فإنّ دولة إسرائيل لم تكن موجودة، بل أقيمت قسرا، وباحتلال تمّ بالقوّة، لفلسطين التاريخيّة. هذا أمر مفهوم. لكن بالنسبة للعالم، فإنّ حقوق الشّعب الفلسطيني تقوم على أساس القرار ١٨١ لعام 1948 للأمم المتّحدة، وعلى مفهوم الدولتين. فإذا كنّا نرفض ما أقرّته الشرعيّة الدوليّة، لأنّ الأخلاق والتّاريخ يخالفانها، علينا أن نواجه العالم، وليس إسرائيل وحدها.

تمكّنت إسرائيل من تعميق احتلالها والتوسّع على حساب الأراضي التي كانت مخصّصة للدّولة الفلسطينيّة، لأن المجتمع الدولي لم يقبل مطلبنا الذي تحدّث به الرئيس الحص. أتفهّم رأي الرّئيس الحصّ، أطال الله بعمره. هو ضمير لبنان فعلا بأخلاقه ونظافة كفّه ونزاهة فكره. لكنّني غير مقتنع أبدا بأن العاطفة ستحقق عودة فلسطين، أو حتّى قسما منها على الأقل. بل ستؤدي إلى نهاية كلّ فلسطين التاريخيّة.

ما أبقى جذوة القضيّة الفلسطينيّة حيّة، هي مواقف الرئيس ياسر عرفات البراغماتيّة، وليس حافظ الأسد أو أيّ من القيادات الراديكاليّة العربيّة، ولا نظام وليّ الفقيه في إيران

إنّ ما أبقى جذوة القضيّة الفلسطينيّة حيّة، هي مواقف الرئيس ياسر عرفات البراغماتيّة، وليس حافظ الأسد أو أيّ من القيادات الراديكاليّة العربيّة، ولا نظام وليّ الفقيه في إيران، أو نظام الأخوان المسلمين في تركيا، وأحزابهما في لبنان وفلسطين. عرفات عرف كيف يقسم الغرب بين مدافع عن الحقوق، سواء الإسرائيلية أو الفلسطينية، ومدافع عن إسرائيل، من باعث سياسي إستعماري متجاهلا إنتهاكاتها لحقوق الفلسطينيّين. الطّفل الفلسطيني الذي حمل الحجر، والمرأة التي واجهت الجندي بأصابعها، وكبير السّن الذي حمل العصا ليقتحم بها حاجز جنود مدجّجين بالسّلاح، والفنّان الذي ملأ حائط الفصل العنصري صورا غرافيتيّة معبّرة، والشاعر الذي تغنّى بفلسطين والقدس، والموسيقي والمغنّي، والمخرج الذي أخرج أفلاما تفضح معاناة الشعب الفلسطيني في الدّاخل وفي المنفى، والكاتب العاقل الذي خاطب عقول العالم، هؤلاء هم الذين حرّكوا الرأي العام في العالم، وليست صواريخ حماس التي جلبت لهم المآسي والمزيد من القهر والذلّ.

المواطن اللبناني والعربي، يتطلّعان الى مواقف وحلول، وليس إلى شعارات عاطفيّة. رأينا ما حصل في سوريا والعراق وليبيا ولبنان، وهي الدول التي كانت قلاعا لجبهة التّصّدي والصّمود والرّفض. هذا المواطن يشعر بالإشمئزاز والسّخرية لمثل تلك الشّعارات. هذه شعارات لا تمنح حقا، فإمّا الحرب وإمّا السلم، سلام الشّجعان كما كان يقول الرئيس عرفات.

الشّعارات العاطفيّة لا تنفع. وكذلك السّلاح من دون غاية واضحة

الشّعارات العاطفيّة لا تنفع. وكذلك السّلاح من دون غاية واضحة. حزب إيران في لبنان، لديه السّلاح. إيران صانعة هذا الحزب، لديها السلاح. حزب تركيا في غزّة، لديه السّلاح. تركيا راعية الإخوان في كل مكان، وخاصة في غزّة، لديها السلاح. سوريا الأسد، حاضنة حزب إيران، ورغم حالتها الرّاهنة، لديها السلاح. مصر والأردن لديهما السلاح. الكلّ لديه السلاح ما عدا لبنان. ورغم ذلك فإن كلّ هؤلاء رأوا وما زال بعضهم يرى، أنّ تحرير فلسطين والقدس، لا يمرّان عبر أراضيهما، بل عبر جونية وبيروت والجبل والشّمال والبقاع والجنوب في لبنان.

نسي بعض اللبنانيين الآن، معاناتهم وراح يقنعنا مجددا بأن علينا أن نتابع دفع الفواتير لكي لا يخفت صوت العاطفة فتنخفض راية أصحابه. نجح بنيامين نتنياهو ليس فقط في تحويل الرأي العام في إسرائيل عن قضاياه ومشاكله الداخليّة، بل في تحويل كل الشّعوب العربيّة لتتناسى مشاكلها مما يفسح له من جديد إستكمال المخططات الإستعمارية الصهيونية القديمة، التي لم تتحقق حتّى الآن، وأهمها تقسيمنا دينيا بالكامل.

آن لنا أن نضع مبادئ أساسيّة لتفكيرنا الخارجي:

  • 1- قضية فلسطين يحلّها شعب فلسطين. أتركوهم وأوقفوا تدخلكم في شؤونهم. من يتدخل في شؤون غيره، صار لغيره حق التدخل في شؤونه. من الضروري أن نعبّر عن التضامن معهم، لكن وفقا لآليات القانون الدولي وليس بإدارة حربهم بالشّعارات والنظّارات.
  • 2- لبنان يريد الإلتزام بإتفاقيّة الهدنة. لا نريد العودة إلى اتّفاق قاهرة قاهر لنا من جديد، ومهما كان الثمن. المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
  • 3- يجب أن نلتزم بعباراتنا ومواقفنا، بقواعد القانون الدولي، وأن نركّز على جرائم إسرائيل ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تقوم بها، وانتهاكاتها لحقوق الانسان. الدفاع عن الصواريخ التي ترميها حماس عشوائيّا، يمنح إسرائيل الحصانة من ملاحقات الرأي العام الدولي لها. ادانة استخدام هذا السلاح وارتكاب جرائم حرب يجب أن يطال الجميع وليس إسرائيل فقط.
  • 4- من أعطى السلاح لحماس، يستخدمه على طاولة المفاوضات مع الكبار ليس فقط بشأن فلسطين فحسب، بل بشأن العرب ككل. نحن لا نريد ان نساعد أحدا ليتاجر بحقوق الفلسطيني، ولا أن نتحول إلى جوائز ترضية له. الفلسطيني، ليس الاحتلال الاسرائيلي وحده هو عدو فلسطين والفلسطينيين، بل كل من يدفعهم لاستخدام السلاح من دون تكافؤ مع العدو، ومن دون الدعم السياسي أو العسكري المناسب.

سلاح فردي خفيف لمقاومة المحتّل على الأرض المعترف أنها أراض محتلة، على مثال المقاومة الفرنسيّة للإحتلال النازي، وأبطال فلسطين الذين يقاتلون بلحمهم الحي، هم الذين يستحقون منّا كل الدعم.

إلى الأطفال والنساء وكبار السّن في فلسطين. إلى الكاتب والشاعر والفنان والسياسي الذي يدافع عن الحقوق المشروعة لشعب فلسطين في كل مكان، لكم كل التحية.

السابق
احتفالاً بانهيار كنيس يهودي.. اطلاق نار يوقع جرحىً في صيدا!
التالي
السعودية تُجدد تأكيدها منع سفر مواطنيها الى لبنان.. بشرط!