المعارك بين غزة وإسرائيل.. مآلات وخلفيات

فلسطين مواجهات
فيما تتواصل المعارك بين غزة واسرائيل، يبدو انه من الصعب التكهن بما سوف يؤول إليه الوضع في المنطقة. لكن من الواضح أن ما شهدته المرحلة السابقة من مشاورات وإنفتاحات ولقاءات، من تحت الطاولة ومن فوقها للإتفاق على ترتيبات و/أو عقد إتفاقات، قد يكون إنتهى أو تفرمل.

قد يكون ما حدث في القدس له علاقة بالصراع السياسي في إسرائيل. فأتت هذه الإستفزازات الإسرائيلية لتدعم موقف اليمين الإسرائيلي وبالتحديد بنجامين نتانياهو. وكالعادة التطرف يخدم التطرف المقابل. ومن الصعب أيضا” تصديق أن ما حصل في القدس وفي جامع الأقصى تحديداً،  ومن ثم في المدن المختلطة داخل إسرائيل كما في الضفة الغربية، كان عفوياً مئة بالمئة، ولم تحركه أيادي “حماس” و “الجهاد الإسلامي” والتيارات الإسلامية عموماً، مستغلة الإحساس بالغبن لدى الجماهير الفلسطينية. فإندفعت حماس ومعها “الجهاد الإسلامي” وبعض التنظيمات الفلسطينية الأخرى (وهي تنتمي جميعها إلى ما يسمى محور المقاومة الذي يترأسه السيد حسن  نصر الله)، وأمطرت إسرائيل بصواريخها باعثة برسالة بإتجاهات متعددة: السلطة الفلسطينية، العرب، دولاً وشعوباً، والمجتمع الدولي. محتوى هذه الرسالة هي “نحن من يقرر الحرب و السلم فلسطينيا”، والمقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحرير كامل تراب فلسطين، وسوف نثبّت قواعد إشتباك جديدة مع إسرائيل، على شاكلة ما فعله حزب الله في لبنان.

اقرأ أيضاً: حصيلة «مجزرة الشاطىء» إلى 8 أطفال وإمراتين..وضحايا العدوان 139 قتيلاً في غزة و11 في الضفة الغربية!

غير أن هذا التوصيف للوضع الناشئ، وإن كان صحيحاً، له تتمة كي توضح الصورة : ثمة إدارة أميركية جديدة تنتهج سياسة الإسترضاء (appeasement) مع الجمهورية الإسلامية في إيران وهي راغبة بالعودة إلى الإتفاق النووي بنسخته الأصلية كما عقد عام 2015. ولتحقيق هذا الهدف، ثمة مفاوضات جارية في فيينا. طهران متسلحة” بالمعاهدة الإستراتيجية الإيرانية-الصينية الجديدة وبمساندة روسيا (الناتجة بشكل رئيسي من الحاجة الروسية العملانية لإيران في سوريا)، تنتهج سياسة الضغط الميداني (في اليمن ومن اليمن، في العراق وسوريا وفي لبنان) وسياسة إرغام واشنطن على الخضوع لشروطها الصعبة في العملية التفاوضية. في هذا السياق، ولأن في الجمهورية الإسلامية في إيران سلطة ممركزة في يد المرشد الأعلى، لها مشروعية شعبية واسعة، وتمتلك مشروعاً جهادياً عالمياً واضح المعالم، ولأن خصمها الأميركي والغرب عموماً يتحرك مربكاً، بإعتبارات داخلية تفرضها عليه طبيعة النظام الديمقراطي ومصالح الرأسمال المعولم، تبدو طهران هي المقتدرة في فرض شروطها التفاوضية.

تبدو طهران هي المقتدرة في فرض شروطها التفاوضية

في هذا المشهد، تتميز إسرائيل بأنها دولة تتمتع بنوع من الإستقلالية عن حليفها الأميركي،  كونها تؤثر على اللعبة السياسية في الولايات المتحدة، وكونها تتمتع  بالقوة العسكرية والأمنية والتكنولوجية والإقتصادية، وتعتبر أن إيران تشكل تهديداً وجودياً لها. من الواضح أنها تتوجس من سياسة أميركا-بايدن التي تتشابه مع سياسة باراك أوباما إلى حد بعيد، وقد حاولت أن تثني الإدارة الأميركية الجديدة عن ولوج طريق سياسة الإسترضاء مع إيران دون نتيجة.

اسرائيل تتوجس من سياسة أميركا-بايدن التي تتشابه مع سياسة باراك أوباما إلى حد بعيد

من الواضح أن الإدارة الأميركية في مرحلة أولى، متجهة إلى رفع العقوبات أو بعضها المتعلق بالنووي، مقابل إلتزام إيران بمقتضيات الإتفاق النووي، بنسخته الحاضرة لتقوم بمرحلة ثانية بتحسين الإتفاق النووي، ومعالجة مسألة الصواريخ والمسيرات كما مسألة التمدد الإيراني في المنطقة. تبدو هذه المقاربة “ولاديّة”، لأنه متى رفعت العقوبات، من المستحيل إجبار إيران بمفاوضات المرحلة الثانية. 

الإدارة الأميركية متجهة إلى رفع العقوبات أو بعضها المتعلق بالنووي، مقابل إلتزام إيران بمقتضيات الإتفاق النووي

من الواضح أن إسرائيل متوجسة من هذه المقاربة، والتي قد تؤذي ما تم إنجازه بإتفاقات أبرمت مع بعض الدول العربية، وتوقف هذا المسار بالكامل وقد تؤدي إلى العودة عنه. والأخطر بالنسبة لإسرائيل، أن المقاربة الأميركية للمفاوضات النووية، سوف تجعل إيران أقوى في المجالات الثلاث : النووي والصاروخي والتمدد، مما يشكل خطراً وجودياً عليها. لذا، من الواضح أن إسرائيل قد تكون تستعد لحرب على إيران، وتتحضر لتلقّي الضربات منها من خلال محور المقاومة. وما المناورات الأكبر في تاريخ إسرائيل، والتي تحاكي هجوماً عليها من جهات متعددة، والتي كانت على أهبة البدء بها، وقد أرجئت مع إندلاع المواجهات مع غزة، إلى مؤشر محتمل لإرادتها بشن هجوم على إيران. فإستبقتها هذه الأخيرة بنقل المعركة إلى أرضها، من خلال تحريك أكثر الملفات خطورة وإحراجاً لها، ألا وهو الملف الفلسطيني، بمعنى أن الشعب الفلسطيني هو نقيض الصهيوني، والمتضرر الأول من إقامة دولة إسرائيل، فإنطلقت الشرارة من القدس وتحولت إلى إمطار إسرائيل بالصواريخ من غزة، فتحرك عرب إسرائيل والضفة الغربية، وصولاً إلى التحركات الجماهيرية الداعمة من لبنان وسوريا والأردن مع القليل من إطلاق الصواريخ، ربما كمقبلات لما قد يحصل.

إسرائيل قد تكون تستعد لحرب على إيران، وتتحضر لتلقّي الضربات منها من خلال محور المقاومة

من الواضح أن إسرائيل تهدف إلى تدمير ما أمكن من البنى التحتية لحماس والجهاد الإسلامي، (العسكرية، والتصنيعية للصواريخ، والكوادر العسكرية والأمنية والمباني الحكومية، و…) في غزة، قبل الوصول إلى وقف إطلاق النار، والعودة بعدها إلى مواجهة مسار السياسة الأميركية بالوسائل المتاحة.

من الصعب التكهن بما سوف يؤول إليه الوضع في المنطقة. من الواضح أن ما شهدته المرحلة السابقة من مشاورات وإنفتاحات ولقاءات، من تحت الطاولة ومن فوقها للإتفاق على ترتيبات و/أو عقد إتفاقات، قد يكون إنتهى أو تفرمل.

أما لبنان، فسوف يظل على المدى القريب مخطوفاً من الإحتلال الإيراني من خلال حزب الله ومنهوباً من الطبقة السياسية المارقة المجرمة.

وإذا كان يتوجب على لبنان دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني سياسياً، فبالقدر نفسه عليه أن يتمسك بإتفاقية الهدنة لعام 1949، والإمتناع عن أي تحرك عسكري إنطلاقاً من الأراضي اللبنانية. غير أن من يمسك للأسف بهذا القرار هو حزب الله، ومن الممكن في أي لحظة أن يزج لبنان في آتون حرب مدمرة.

لبنان، فسوف يظل على المدى القريب مخطوفاً من الإحتلال الإيراني من خلال حزب الله ومنهوباً من الطبقة السياسية المارقة المجرمة.

لذا، يتوجب الإسراع بالمطالبة بوضع القرارين 1559 و1701 تحت الفصل السابع، والسعي لوضع لبنان تحت الوصاية الدولية وفقاً للفصلين 12 و13 من شرعة الأمم المتحدة.

السابق
وعد تكشف عن حذف حلقتها في برنامج «رامز عقله طار» لهذا السبب
التالي
إعلاميون من أجل الحرية تستنكر تدمير اسرائيل لمبنى الجلاء: استهداف لحرية العمل الإعلامي!