«الإرهاب المذهبي»..من شيعة إلى و«شيعاه شيعاه»!

جمهور الشيعة في لبنان
"الثنائي الشيعي" يحاول قبل ثورة 17 تشرين الاول وما بعدها، ان يطمس الارث الشيعي لعلماء الاعتدال وتعزيز الهوية اللبنانية والعربية لشيعة لبنان. بينما يقود هو الشيعة الى مشروع ايران الذي يؤدي الى المناداة اخيراً "واشيعاه".

ما أن بدأت انتفاضةُ الناس في لبنان على النظام السياسي الفاسد تحت شعار”كلهم يعني كلهم”، حتى انبرت الأحزابُ والتيارات القائمة، إلى التبرؤ من “كلهم” سواء عبر المحاولة الفاشلة  للمشاركة في الانتفاضة، أو عبر احتلال الفضاء الإعلامي للحديث عن “نظافة كفّهم ونقاء جبينهم”.

لكن الحارسَ الحقيقي لضرْب الشعار، كان “الثنائي الشيعي” الذي اعتبر المعركةَ مع أرباب “كلهم” معركةً شخصيةً قاوَمَها بسلاحيْن: الاعتداء المباشر على الناس وتجمعاتهم وخِيَمهم، ونقْل الاحتجاج من الميدان السياسي إلى المساحة الطائفية، للقول إن الشيعة هم المُسْتَهْدَفون وتكوين “مظلوميةٍ” جديدة اسمها 17 تشرين.

وتجلّى المشهد بصورته التي سترسخ طويلاً: جمهورٌ يضرب ويتوعد، هاتِفاً “شيعاه شيعاه” مع تضخيم الكلمة ومدها وتكبير الهاء في آخرها.

السيد محمد حسن الامين حذر من المقدسات في الدولة لأننا نُسْقِطُ حينئذ المقدَّس على غير المقدَّس!

هذا المشهد كان له أيضاً هدفٌ مقصودٌ أو بلا قصد، وهو اختزال الصورة “الشيعية” بالثنائي ظاهراً، أي “أمل” و”حزب الله”، وبالحزب مضموناً كونه الأقدر والأقوى في هذه المرحلة، من أجل مسْح الإرث الفكري والوطني والوجداني لعلماء شيعة، كانوا رواداً في رفْع الصوت التوحيدي والتحذير من “تجارة المذهب” على النسيج الوطني، وكانت صرخاتهم مقصودةً في وديان اللاعبين الإقليميين، أن كُفّوا أياديكم عن شيعة لبنان والعرب لأنهم جزءٌ لا يتجزأ من أوطانهم ومجتمعاتهم. 

“الثنائي” يحاول مسْح الإرث الفكري والوطني والوجداني لعلماء شيعة كانوا رواداً في رفْع الصوت التوحيدي والتحذير من “تجارة المذهب” على النسيج الوطني

يُفرض الإرهابُ “المذهبي” على كل مَن يشمل في احتجاجه جميع مَن في السلطة اللبنانية. إن تكلمتَ عن الفساد ولم تستثنِ أحداً، عن الميليشيا، حراسة التهريب، الدولة والدويلة، الهيمنة على القرار، شلّ المؤسسات لفرْض أشخاص بعيْنهم، تخريب علاقات لبنان العربية والدولية، يأتيك الردّ “شيعاه شيعاه” ناهيك عن “الإجراءات” المُصاحِبة. 

لكن الإرثَ الشيعي من الناحيتين الوطنية والسياسية غير ذلك تماماً. فالإمام السيد موسى الصدر الذي غيّبه معمر القذافي يقول دائماً ما خلاصته إن تجّار السياسة “هم الذين يغذّون النعرات الطائفية للمحافظة على وجودهم بحجة المحافظة على الدين، في الوقت الذي يكون الدين فيه بحاجة إلى مَن يحميه منهم (…) الوطن عند تجّار السياسة في لبنان كرسي وشهرة ومجْد وتجارة وعلو في الأرض وفساد”. 

إقرأ ايضاً: اليأس يَنهش الجنوبيين حتى الإنتحار..ولهيب الثأر «يَلفح» عشائر البقاع!

وإذا كان الإمام الصدر رَبَطَ بين تجارة الدين والفساد، فإن العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله يربط بين الشعارات المذهبية و”خطوط المحرَّمات الكبرى”، ويرى أننا “نفقد أدب النقد، لندخل في الإساءة إلى الآخَرين (…) وأصبحنا نشهد واقعاً من التخلّف تَحْرسه زعاماتٌ لا تحمل الإخلاصَ للأمة ولا التزام الإسلام، ولا تتطلّع إلى مصلحته العليا، بل إلى مصالحها وارتباطاتها”.   

وربما كان العلامة الراحل محمد مهدي شمس الدين الأكثر وضوحاً في ألا يكون الشيعة ورقةً في ملفات الآخَرين.

عندما يتحدث عن لبنان ودول العرب قائلاً: “أوصي أبنائي إخواني الشيعة الإمامية في كل وطنٍ من أوطانهم، وفي كل مجتمعٍ من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يميّزوا أنفسَهم بأي تميّز خاص، وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميّزهم عن غيرهم”.   

ويزيد العلامة الراحل المجدِّد السيد هاني فحص الأمرَ صعوبةً سواء في المقارنات أو السلوكيات السياسية. فعندما تسترجع جلساته أو مقالاته تشعر بأنك بين كوكبيْن مختلفيْن.

ويقول فحص: “نِعمتنا في لبنان بلبنان، مسلمين متعدّدين ومسيحيين متعدّدين، نلتقي مختلفين، ولو كنا متفقين لكنا ربما أشدّ ميلاً إلى الاختلاف أو الافتراق. والواحد إذا ما انكسر يصعب جمْعه، بينما المتعدّد إذا ما تَباعَدَ وقع على معنى الاعتصام والسلامة في الالتئام”. 

ويرفض الراحل المبدع السيد محمد حسن الأمين قيامَ دولةٍ دينية، ويذهب إلى أبعد من ذلك في الربط بين القداسة ورجال الدين.

ويقول: “أنا لستُ مع قيامِ دولةٍ دينية، الدولةُ شأنٌ بَشَري. أما إذا أصبح في الدولة مقدّسات، فذلك شأنٌ خطير جداً، لأننا نُسْقِطُ حينئذ المقدَّس على غير المقدَّس، وإذا أراد رجل الدين أن يكون جزءاً من الدولة، فيجب عليه أن يكون جزءاً من الدولة بوصْفه مواطناً لا بوصْفه ناطقاً باسم الدين”. 

وبعد هذا الإرث الفكري والسياسي والوطني والإنساني الكبير، يقول السيد حسن نصر الله أمين “حزب الله” و”مِن على رأس السطح” في خطابه الشهير إن “موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران. وطالما في إيران فلوس، يعني نحن لدينا فلوس”. 

كلما تبحّرنا في ذلك الإرث، كلما اتسع الفارقُ بين “شيعة” … و”شيعاه شيعاه”.

السابق
اليأس يَنهش الجنوبيين حتى الإنتحار..ولهيب الثأر «يَلفح» عشائر البقاع!
التالي
بايدن «يُهادن» إيران ويُعاقب «حزب الله»..وباسيل يُلوّح بالشارع مقابل رفع الدعم!