حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: هل تقوى فرنسا على انجاح مبادرتها واستكمالها؟

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بعد ان وصلت المبادرة الفرنسية الى منتهاها العملي وانسداد مرحلتها الاولى، اي رهان يمكن للمواطن اللبناني ان يقامر بالتأمل به!؟، وماهي الدروس المستفادة من ثمانية عشر شهرا من عمر الازمة؟، واي خيارات ممكنة اليوم بعد ان استنفذ لبنان كل الوقت الثمين والضيق، لاعتماد خطة استنهاض شاملة للبدء في مسيرة الالف ميل، للخروج من ازمته المثلثة الابعاد المالية والنقدية والاقتصادية والتي تفاقمها، التداعيات الاقتصادية لجائحة الكورونا، وما تسببت به من انهيار لقطاعات اقتصادية مختلفة.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: حتى لا يكون الرجاء وهماً بل مشروعاً!

 وعلى الرغم من أن المبادرة الفرنسية قد ولدت، بشحنة عاطفية، بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت، فقد توضحت طبعتها الاولى، انها كلامية وساذجة، وقد ناقشت هذه المبادرة، في مقالة لي سابقة نشرت في أكثر من وسيلة اعلامية لبنانية، وكان عنوانها ” المبادرة الفرنسية ازمة استشراق ام غياب للعصا والجزرة وصفارة الحكم”(موقع جنوبية وجريدة اللواء)، وجذر السذاجة الاول، حسب رايي فيها، هو التعويل على صحوة ضمير المنظومة الحاكمة الصانعة للكارثة والمتسببة وبها والمتكسبة منها، تعويل بان تغير سلوكها وتنضوي بسلوك وطني آخر يُؤثِرُ مصلحة لبنان وشعبه، ويمتنع متعففا عن محاولة التربح من الازمة واستغلالها لمزيد من الامعان، بما تعودت عليه من استعمال لبنان رهينة لأجندات اقليمية، ومن فساد وصرف نفوذ واثارة لنزعات الكراهية والتعصب، والتسلط على الناس والتحكم بلقمة عيشهم، وقد كان واضحا ان شرط نجاح هذه المبادرة ليس النجاح بتشكيل الحكومة اي حكومة، بل  ان تكون هذه الحكومة كفوءة ومستقلة عن سيطرة احزاب السلطة واطرافها، هؤلاء الذين صنعوا كارثة لبنان وحولوه من وطن جميل الى  متراس مواجهة في صراع اقليمي، واستباحوا ماليته العامة وموارد خزينته ومداخيل مرافقه وخدماته،  وغني عن القول ان من صنع الكارثة وتربح من مفاعيلها، لا يمكن ان يكون باي حال صالحا ليصنع خطة وينفذها لعلاج اثار الكارثة وازالة نتائجها.

من صنع الكارثة، لا يمكن ان يكون باي حال صالحا ليصنع خطة وينفذها لعلاج اثار الكارثة وازالة نتائجها

أما جذر السذاجة الثاني، فهو التوجه لحزب الله كطرف لبناني تتساوى مشاركته بالسلطة بباقي اطراف المنظومة، في حين انه واقعا، هو الطرف الاساسي في المنظومة وقائدها وضابط ايقاعها وتوازناتها، وان تقليص نفوذ المنظومة لا يعني تخلي كل اطراف السلطة عن جزء من نفوذها بشكل متقابل، وانما على ارضية الحقيقة العملية، فان تقليص نفوذ المنظومة سيعني جوهريا تقليص هيمنة حزب الله ونفوذه في بنى الدولة اللبنانية ومؤسساتها الرسمية، ورغم حرص الرئيس الفرنسي على  مداراة حساسيات حزب الله اللبنانية ومراعاة مصالحه الداخلية، فقد تجاهل التحرك الفرنسي ربط حراكه اللبناني  بمصالح القيادة الاقليمية لحزب الله في طهران، وتحرك على افتراض امكانية عقد تسوية في لبنان تقلص قبضة حزب الله عن الدولة اللبنانية، بمعزل عن ثمن يقدم لطهران في صراعها الاقليمي حول نفوذها في المنطقة وبرنامجها النووي.

بعد عشرة اشهر من عمر المبادرة، تجلى واقع حالها، عن كونها قابلة للاستعمال كمسرح الهاء يبرر ويغطي اطالة أمد حكومة تصريف الاعمال

ولذلك فبعد عشرة اشهر من عمر المبادرة، تجلى واقع حالها، عن كونها قابلة للاستعمال كمسرح الهاء يبرر ويغطي اطالة أمد حكومة تصريف الاعمال، التي يرأسها د. حسان دياب، وهي الحكومة التي كان مطلوبا منها وضع خطة الانقاذ الشاملة والبدء بتنفيذها. والتي لم تتمكن من تنفيذ اي خطوة في اتجاه خطة اصلاحية، ولم تسعَ ولو بخطوة واحدة لوقف تسارع الانهيار او حتى ابطائه، ولم تداوِ ازمات لبنان في علاقاته العربية والدولية، بل سمحت وساهمت بضرب القطاعات الاقتصادية كافة وبتعاظم حصة السوق الاسود للاقتصاد الموازي على حساب السوق الشرعي الحقيقي، فتوسعت عمليات تهريب المواد الاستهلاكية الى داخل لبنان دون خضوعها للرسوم الجمركية او الضريبة على القيمة المضافة، وتعممت عمليات التصدير غير الشرعية للمواد المدعومة من مصرف لبنان، الى كل دول العالم وخاصة الى سورية، فكان من نتيجة هذه السياسة، تبديد ما لا يقل عن ١٤ مليار دولار اميركي من احتياط مصرف لبنان من العملات الاجنبية، وذلك بهدف مساعدة نظام الاسد، من جهة  اولى، على مواجهة قانون قيصر وخرق الحصار الذي فرضته عليه الولايات المتحدة الاميركية،  وبهدف تمويل عمليات حزب الله من جهة ثانية، في ظل شح الدعم الايراني لماليته نتيجة للعقوبات الاميركية على ايران.

 وفي ظل هذه الحكومة وتحت انظارها توسعت اعمال الجريمة المنظمة عبر لبنان، فتوالت وتفاقمت اعمال تهريب المخدرات والاسلحة وتبيض الاموال والتجارات الممنوعة، وتقلصت هيبة الدولة اللبنانية وسلطاتها، وتهاوت ثقة الناس والدول بها، عربية كانت ام دولية، فيما تعاظم منطق المافيا والبلطجة والخوة والتهريب، والخروج عن شرعية القانون وتعددت محاولات لي عنق الدستور والتنكر لأحكامه نصا وروحا، وتبدى المشهد العام مظهرا انحلال وعجز السلطة القضائية عن التعامل مع أي ملف قضائي بمهنية وموضوعية بعيدا عن هيمنة اطراف المنظومة وكيدياتها.

على مدى ثمانية عشر شهر من عمر الازمة تحول ٧٠ % من شعب لبنان الى فقراء يبحثون عن سبيل ومصدر لتأمين غذائهم واحتياجاتهم، فيما تحول ميسوريهم الى متسولين لودائعهم امام صناديق البنوك،  وتحولت اجيال لبنان الشابة ونخبه العلمية الى كفاءات رخيصة تطلب فيز عمل وهجرة الى بقاع العالم واسواقه.

لم تكن ممارسات حكومة دياب فشلا وسوء اداء، وعجزا عن انجاز فقط، بل كانت سياسة مرسومة، من رعاتها واولياء أمرها

لم تكن ممارسات حكومة دياب فشلا وسوء اداء، وعجزا عن انجاز فقط، بل كانت سياسة مرسومة، من رعاتها واولياء أمرها، ومتبعة لادارة الانهيار والاستثمار فيه، وخيارا يجنب المنظومة بكل اطرافها تحمل مسؤولياتها عن الازمة، ويتيح لها التنصل من تحمل اعباء كلفتها، وآلام اجراءات الخروج منها، وظهر جليا ان المنظومة السياسية التي صنعت الكارثة، لم تعد قادرة على تسيير مؤسسات الدولة ومرافق لبنان العامة، والحفاظ على قطاعاته الاقتصادية والانتاجية ولم تعد صالحة لحفظ سيادته وامنه وحدوده، او رسم حدود مناطقه الاقتصادية الخالصة وادارة التفاوض حولها، وليست قيادة مؤهلة لحل ازمته وادارة شأنه العام، لذلك اصبحت خطرا على لبنان وشعبه وخطرا على الدول العربية والغربية، ينبغي اتخاذ اجراءات القطيعة معها والتحوط من التعامل معها والانفتاح على نشاطاتها.

ساهمت المبادرة الفرنسية بكشف خواء السلطة اللبنانية ومنظومتها الحاكمة، واظهرت مدى تحول الدولة اللبنانية الى أداة ركيكة في يد الدويلة

لقد ساهمت المبادرة الفرنسية بكشف خواء السلطة اللبنانية ومنظومتها الحاكمة، واظهرت مدى تحول الدولة اللبنانية الى أداة ركيكة في يد الدويلة التي تديرها ايران في لبنان، وطرحت مجددا على شعب لبنان وثوار ١٧ تشرين اولا و دول الجامعة العربية ثانيا ودول العالم ثالثا اسئلة حرجة وتحديات جسام لا مناص من ايجاد اجوبة عليها :

  • ما هي الوسائل  والادوات، عنفية كانت أو سلمية، التي على شعب لبنان ان يعتمدها لإزالة  سلطة أمراء احزاب المنظومة الطائفية واصحاب البنوك واداراتها ومساهميها؟
  •  أي خريطة طريق وفي اي مجالات وميادين يتوجب السير لإعادة تكوين سلطة جديدة، تقوم على اجتثاث مرتكزات الدولة العميقة لمنظومة المافيا الحاكمة وبنيانها الاجتماعي وهيكلياتها الادارية ومواقع التحكم لديها؟
  • • كيف يتم التفاعل بين قوى التغيير اللبنانية في ثورة ١٧ تشرين بعد توحيد قواها وصياغة اجندتها الواحدة وميادين ساحات نضالها، وقيام قيادتها الواحدة، كيف يتم التفاعل بين قوى التغيير على المستوى الداخلي، وقوى الاغتراب اللبناني.
  •   كيف يتناغم السعي بين قوى التغيير الداخلي مع الجهد العربي والدولي لاستعادة لبنان دولة طبيعية سيدة ديموقراطية ، ووطنا مزدهرا ينعم اقتصاده بميزات تفاضلية تؤهله ليكون جزءا من اقتصاد العالم والاقليم والمنطقة؟

على ضوء هذه الاجابات ستنفتح امام المبادرة الفرنسية واي مبادرات عربية افاق جديدة، تعيد الاعتبار لدور لبنان ولمصالح اشقائه واصدقائه وأدوارهم ونفوذهم، عربا ودولا غربية او عالمية.

السابق
الاتحاد الاوروبي يلوّح بعصا العقوبات.. وإجراءات ملموسة!
التالي
نهاية غير منصفة.. وفاة بطلة مسلسل «الطاووس» قبل نيلها حقها من المغتصبين