حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: حتى لا يكون الرجاء وهماً بل مشروعاً!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تتوالى محاولات تجميع قوى ١٧ تشرين، ويتم صياغة وثائقها السياسية واجندات حركاتها القادمة، ويقابل ذلك سعي محموم من قبل اطراف المنظومة لإعادة تعويم نفسها، سواء من خلال حكومة يؤلفها الرئيس سعد الحريري تستجيب للشروط الدولية والعربية، والتي تجسدت بمضمون المبادرة الفرنسية، او عن طريق الرهان المعتمد من قبل حزب الله و عون، على انتظار ابرام العودة للاتفاق النووي بين ايران واميركا، بما يجعل لبنان ملحقا ونتيجة لاستئناف شهر العسل الاميركي الايراني، الذي حدث في عهد ادارة الرئيس الاميركي باراك حسين اوباما، وبما يؤدي حسب رهانات حزب الله، الى وقف الضغوط الغربية والعربية على حزب الله وعلى السلطة اللبنانية التي تخضع لإدارته واملاءاته. 

 وعلى الرغم من أن خطب قوى ثورة ١٧ تشرين، في لحظات بداياتها، تميّزت باستبعاد اي مواجهة مع حزب الله، وتجنبت اي نزاع معه، سواء فيما يتعلق بسلاحه او بدوره في دول الجوار العربي او بتحالفاته الاقليمية، فان احداث ثمانية عشر شهرا، أظهرت خلالها ان حزب الله هو راس حربة الثورة المضادة وحارس الطبقة السياسية والمدافع عن بقائها، وانه المدير الفعلي لها يحدد خياراتها ويضبط ايقاع توازناتها.

وقد كان من شأن تبيان هذه الحقائق ترسيخ اتجاه عام وشامل، اعاد وضع قضية السيادة والهيمنة الايرانية على لبنان، والمطالبة بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة به، واستعادة قرار السلم والحرب على جبهة جنوب لبنان مع العدو الاسرائيلي، ليكون في كنف الدولة اللبنانية، على راس جدول اعمال قوى ١٧ تشرين واتجاهاتها المختلفة.وقد جاءت دعوة البطريرك بشارة الراعي الى تحييد لبنان، والى عقد مؤتمر دولي تكون من ثماره تنفيذ القرارات الدولية /1559/1701/1680، تتويجا لهذا المسار الذي خطته حركة الناس  ومجموعات الثورة بأغلبياتها.

 اولى المهمات تحضير نصاب وطني لبناني داخلي واغترابي لهزيمة المنظومة السلطوية التي يديرها حزب الله

في خضم هذه التوجهات ثمة  مقاربتين خاطئتين وهما في نفس الاتجاه ؛ الاولى، تعتبر ان التدويل سيتبنى اجندة طرف لبناني محدد، اي أجندة من يوصفون بالجو السيادي، الثانية، ان التدويل سيحصل بمجرد ان يطلبه احد الاطراف اللبنانية وخاصة البطريرك ومن يؤيده، لا لشيء الاّ لان لبنان فيه مسيحيون وهم مهددون ككل شعب لبنان، وبالتالي هناك اعتقاد ان دول الغرب ستهب لاصطناع حلّ عبر التدويل، هذا التفكير ينبع من فهم وقراءة للخارطة الدولية وكأننا في ستينات القرن الماضي، فهل الامر على هذا النحو؟ ام ان العالم لم يعد كذلك؟. 

لبنان لم يعد مهما جدا في العلاقات الدولية وأنه اولوية وموقعه لايزال محفوظاً كما في خمسينات القرن الماضي

هناك خطأ آخر او وهم كان ماضيا وانتهى، ان لبنان هو مهم جدا في العلاقات الدولية وأنه اولوية، وموقعه لايزال محفوظاً كما في خمسينات القرن الماضي في صراعات المنطقة الشرق اوسطية، الامر للأسف لم يعد كذلك.

واولويات الدول الكبرى لا تلحظ لبنان الا في اخر اهتمامات سياساتها، اهتمام الرئيس ماكرون هو استثناء، والاستثناء الفرنسي لا يصنع تدويلا حقيقيا، وركائز التحرك الفرنسي، واحد منها الحفاظ على لبنان ومسيحييه، لكن ليس عن طريق ضرب ايران او سحق حزب الله، وانما على التموضع كوسيط في مختلف الملفات؛  في منتصف الطريق بين اميركا وايران في الملف النووي، وبين اسرائيل والفلسطينيين في حل الدولتين، والحفاظ على علاقة طيبة وقوية مع دول الخليج وخاصة الامارات والسعودية، الموقف الاميركي والبريطاني في اليمن لا يتطابق مع الموقف السعودي.

وقد ادى في مناسبات عديدة الى منع هزيمة الحوثيين في مواقع عديدة خاصة في الحديدة وتعز… التحرك الفرنسي في لبنان سقفه الوصول الى تسوية تحفظ مصالح ايران وحزب الله، اذن التدويل ليس متاحا اليوم… هو ممكن في اوقات قادمة او سنين قادمة بعد حل الملف النووي واتضاح مسار الاحداث السورية، وقبل كل ذلك مآلات الوضع اليمني.

في المقلب الآخر ثمة وهم تحمله جماعة الممانعة وعلى راسها حزب الله، وهو ان انجاز عودة اميركية ايرانية الى الاتفاق النووي ستحل مشاكل اطراف المحور من البصرة حتى الناقورة، وان كل المطلوب هو تقطيع الوقت وممارسة الصبر الاستراتيجي، لغاية الوصول الى يوم العودة الى هذا الاتفاق!

إقرأ ايضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: ليتك لم تزنِ ولم تتصدقِ

هذا الوهم يتغافل عن حقيقة اصبحت واضحة، وهي ان اعادة الاعتبار للالتزام بالاتفاق حول الملف النووي لن يكون ممكناً دون حل قضايا الاقليم المتعلقة بدور ايران وميليشياتها في العراق وسورية ولبنان!

وكذلك بموضوع الصواريخ الباليستية وخاصة الدقيقة منها، ولذلك فان خريطة المواقف العربية والدولية حول الملف النووي ليست هي ذاتها او نفسها خريطة المواقف من الانتشار والنفوذ الايراني في سورية، حيث تنضم روسية الى مجموعة الدول المطالبة بتقليص هذا النفوذ وصولا الى انهائه اذا امكن!؟

أمّا في العراق فان الصراع على اشده بين اميركا وايران وقد تتوسع المواجهة على قاعدة الصحوة الشيعية في مواجهة الهيمنة الايرانية بعد تشكيل حكومة إبراهيم  الكاظمي وبعد الانفتاح السعودي على الوضع العراقي وسياسات حكومة الكاظمي المتوازنة!  ما العمل في لبنان إذن على ضوء هذه القراءة؟

 اولى المهمات تحضير نصاب وطني لبناني داخلي واغترابي لهزيمة المنظومة السلطوية التي يديرها حزب الله، وهذه المنظومة في حالة أزمة كبيرة وضعف شديد، ومن الممكن الوصول الى المزيد من اضعافها. أهمية هذا النصاب اللبناني هي منع الوصول الى حلّ  يتم فيه، التضحية بلبنان كفارق اثمان لصفقات اقليمية ودولية، ومن ثم تامين جاهزية وطنية لصناعة الحلول عند تبلور مسارات نهائية لاستعادة استقرار  الاقليم. 

أول خطايا السياسة تحويل الرغبات الى وقائع واعتبار الأحلام مشاريع  وعدم ادراك الاحجام والاولويات ولعبة الامم

ولذلك يقع الكثير من المتحمسين للتدويل، في تناقض فاضح حين ينتقدون سياسة بايدن في مواجهة ايران ويعتبرونها مهادنة وقاصرة، ثم يفترضون ان التدويل سيدفع اميركا الى تبني اجندة لبنانية تذهب الى سحق النفوذ الايراني وتطويع حزب الله. بالنسبة لاميركا اولويتها منطقة المحيط الباسيفيكي وليس الشرق الاوسط، وهذا يعني ان اميركا لن تقود في الشرق الاوسط، مبادرات قوية لا في لبنان ولا في الاقليم، ولن تغير من جدول اعمالها واولوياتها التي رسمتها ومنذ زمن بعيد، والتي تتحدد بالقضايا التالية.: 

  • امن اسرائيل.
  • منابع الطاقة.
  • الممرات الدولية البحرية وخطوط نقل الطاقة، لذلك العراق أكثر اهمية من لبنان، والوصول الى حلول في اليمن اهم من ازمة لبنان، لان ازمة  اليمن تتضمن ممرات باب المندب والبحر الاحمر وقناة السويس.
  • الارهاب ومواجهة حركات التطرف الجهادية ولذلك فخيار أميركا الاساسي هو دعم الجيوش في البلدان العربية لمواجهة حركات الاسلام السياسي، وليست حقوق الانسان والديموقراطية الا ملفات ثانوية يمكن تأييدها حيث يكون ذلك ممكنا، وبتكلفة بخسة، طبعا ياتي لبنان في اسفل هذه القضايا وفي مرتبة متدنية من الاهتمام الاميركي، ولذلك وجب التمييز بين مستوى الاهتمام الفرنسي الفاتيكاني بلبنان، ومستوى الاهتمام الاميركي، كما وجب التمييز بين من يصنع القرارات والحلول وهي اميركا وبين من يساهم بها او يواكبها وهي اوروبا. 

أول خطايا السياسة تحويل الرغبات الى وقائع واعتبار الأحلام مشاريع  وعدم ادراك الاحجام والاولويات ولعبة الامم .حمى الله لبنان من حكامه ومن اوهامه والهم اهله صبرا على تحمل آلام جلجلة قد تطول آلامها.

السابق
«حزب الله» يضغط على عون: نريد حكومة بأسرع وقت!
التالي
الإنهيار الإقتصادي والمالي تابع..لبنان الأغلى في المنطقة!