رحيل العلامة الأمين رجل العلم والحوار

السيد محمد حسن الامين

رحل العلامة السيّد محمد حسن الأمين عن عمر ناهز الخمسة والسبعين عاماً قضاها في خدمة الانسان، كلّ انسان، وليس الانسان الشيعي فقط. عرفته في منتديات الحوار عالِماً في الدين، ورجل انفتاح وعلم أثرى في مداخلاته البحث والنقاش، فكان مُستمعاً نبيهاً ومتحدّثاً لبقاً، يطوف معك بالواقعية ويغوص في أعماق المشاعر، مُستنداً الى معرفة عميقة في الدين الذي وُجد لخير الانسان.

هو المتحرّر من قيود الطائفية والداعية للخروج من الزوايا المُعتِمة، لِكُنه الحقيقة الدينية والتماس المعاني التوحيدية، مُنطلِقاً من إسلام منفتح معتدل متسامح، إذ هو دين الرحمة والتسامح.

الشيعية في تفكيره طريقة لمعرفة الحقائق الالهية، وليست حزباً سياسياً عقائدياً رافضاً للآخر. حصّل من العلوم ما جعله مرجعاً دينياً وفقهياً عبّر بها عبر المؤلفات الكثيرة التي تركها، وهو ابن الحوزات والكدح في سبيل سعادة البشر. تولّى القضاء فجعل منه نِبراساً للحق وموئِلاً في العدالة وملاذاً للمستضعفين لتحصيل حقوقهم، تشهد له المحاكم بعدالة التفكير وميزان الحقّ في أحكامه وقراراته.

إقرأ أيضاً: السيّد هاني في استقبال الأمين

هو رجل الحوار القابل للإختلاف، ولكن الإختلاف لا يرقى الى درجة الخلاف، فنراه محاوراً بارعاً محترماً للرأي الآخر مُعتنقاً مبدأ أنّ الحوار هو البحث عن الحقيقة في وجهة نظر الآخر، مُقتنعاً أنّ لا احد يملك الحقيقة وحده، بل إن الحقائق متوافرة في الآراء المختلفة. لم يلبس لباس الايديولوجية في الدين، بل رآه ايماناً روحانياً بما يجمعه مع سائر البشر. فاذا كان النصّ يفرّق، فإن الايمان يجمع.

سعى في حياته للتقريب بين المذاهب ولم يرَ في اختلافها الا طرقاً متعدّدة موصِلة الى جوهر واحد، هو جوهر الاسلام الذي يحاول البعض تغييبه بالإيديولجيات المستوردة. لبناني أصيل وهو ابن جبل عامل سليل عائلة خدمت الاسلام والمسلمين، ولكنّها خدمت وطنها وكانت متعلّقة به. حريص على هويته العربية، وما مسعاه ونضاله في سبيل فلسطين الا وجه من وجوه تعلّقه بالحقّ والقضايا العربية.

يقضي الوباء على خيرة الناس، وهو إن غاب بالجسد فروحه باقية بما ترك من إرث عميم للاجيال وسيرة عطرة فكان قدوة ومثالاً في التعاطي الحسن بالكلمة السواء بالاعتدال بالمواقف وبالمؤلّفات التي ترك في الدين والقضاء والفكر والاسلام. عشية الشهر الفضيل تركنا العالِم فقيد العلم والعلماء رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وبشّر الصابرين المؤمنين الذين إذا أتتهم مصيبة قالوا انّا لله وانّا اليه راجعون.

ما أحوجنا في هذه الأيام العصيبة له ولمثله في الساحة الشيعية خصوصاً، علماً وانفتاحاً وتعلّقاً بلبنان الوطن لجميع بنيه وللعرب وقضاياهم العادلة.

إنّي بهذه المناسبة أتوجّه بالتعزية الحارة الى الاستاذ علي الامين وعائلة الفقيد الكبير، والى مُريديه وعارفي فضله ومقدّري علمه، والى المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى ورئيسه سماحة الامام عبد الامير قبلان، والى أهل القضاء والحوار، سائلاً المولى تعالى أن يكون مثواه الجنّة مع الشهداء والصدّيقين والأبرار والعاقبة للمتّقين وآخر دعوانا انّ الحمد لله ربّ العالمين.

السابق
الرقباء منعونا.. فلم نعلن حبك!
التالي
فلتبقَ في ضمير لبنان