السيد محمد حسن الأمين: العلاقة البشرية بالدين خاضعة للتبدّل والاجتهاد

محمد حسن الامين

يلفت العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين حول  موضوع النقد الديني، إلى «أن هناك سوء فهم في التمييز ما بين ما هو دين محض وبين ما هو فكر دينيّ».ويفصّل السّيد الأمين قائلاً: «الدين المحض هو العقيدة الأساسية التي يقوم عليها الدين، كالتوحيد بالنسبة للإسلام والنبوة، والإيمان بأصول الدين أو ما هو ثابت بالضرورة من أحكام الدين. وهذا الذي لا يخضع عند المتدينين للجدل والنقاش واختلاف الآراء والاجتهاد”. ويتابع”: أما الدين بوصفه نصوصاً واسعة ومتعدّدة وبشريّة والتي تحول إلى منظومة دينية، قد يصبح لبعضها صفة المقدس بدون أساس لهذا التقديس لأنها من الاجتهادات البشرية، وليست من النصوص المحكمة، فهذا النوع من الدين إذا صح تسميته كذلك مع العلم، فإنه يخضع للنقاش والاختلاف والاجتهاد وتعدّد الآراء”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: دعاة العلمنة ليسوا ملحدين بالضرورة

العادات والتقاليد المقدسة

ويرى السيّد الأمين: «من المعلوم بالنسبة للإسلام كما لغيره، أنّ الجانب التاريخي البشري من الدين والذي تحوّل إلى نوع من العادات والتقاليد المقدسة، هو في حسبان البعض أنه دين مقدس لا يجوز مناقشته ولا الاعتراض عليه ولا الاجتهاد بشأنه، وهذا غير صحيح، فالعلاقة البشرية بالدين كانت وستبقى علاقة خاضعة للتبدّل والتحوّل والجدل والنقاش والاجتهاد، وبهذا اللحاظ، تتطوّر علاقة الإنسان بالدين وتتطوّر المفاهيم الدينية لديه، ولعلّ هذا هو ما جعل الإسلام قابلاً للاستمرار عبر هذه القرون الطويلة من الزمن وصالح للاستمرار إلى جميع الأزمنة القادمة”، ويضيف”: فلا يوجد في ثوابت الدين ما يتناقض مع أي شكل من أشكال التطوّر البشري وليس فيه ما يمنع بين ما نسمّيه التجديد والأصالة».ويستشهد السيّد الأمين بقول حكيم لوالد الشاعر محمد إقبال المفكر الإسلامي الكبير، فهو يروي أن والده وقف إلى جانبه وهو يقرأ القرآن وقال له: «يا بني إقرأ هذا القرآن وكأنه يتنزّل عليك للتوّ».

ويعلّق  قائلا:« في التأمّل العميق بهذه الحكمة، نلتفت إلى أن القرآن ما زال دائم النزول ما دام معدّاً لكي يكون كتاب الدين في كل العصور، بما يعني أن إمكانية القراءات المتجدّدة لهذا الكتاب تظل قائمة ولا تتوقف، فلو افترضنا أننا قدمنا له قراءة حاسمة ونهائية ودائمة ولا تحتمل أي اختلاف، ويردف”: فهذا يعني أن مهمة القرآن والاسلام قد انتهت، بينما نحن مطالبون بأن نجدّد هذه القراءة، ودائماً وفق معطيات جديدة نكتسبها من الفكر والثقافة والحياة الإنسانية، ومن الطبيعي في هذه الحال أن تتعدّد وتختلف قراءاتنا للقرآن وللنص الديني، والخلاصة أن الفكر الديني قابل دائماً للجدل من الاختلاف وليس صحيحاً أن هناك فكراً دينياً مقدّساً بوصفه فكراً».ولكن هل يحتمل الاسلام التعدّد والتنوّع ونشاط المجتمع المدني؟ يجيب السيّد الأمين: «من البديهي القول أن فكرة التنوع والتعدّد هي من أدبيات النص الديني ومن الآيات القرآنية الواضحة، فالتعدّد والتنوّع هو سمة طبيعية للاجتماع البشري.

الأمين: من المعلوم بالنسبة للإسلام كما لغيره، أنّ الجانب التاريخي البشري من الدين والذي تحوّل إلى نوع من العادات والتقاليد المقدسة، هو في حسبان البعض أنه دين مقدس لا يجوز مناقشته ولا الاعتراض عليه ولا الاجتهاد بشأنه، وهذا غير صحيح

ويضيف”: يبقى السؤال أنه في دائرة الإسلام نفسه إلى أي مدى يمكن رؤية هذا التعدّد والتنوّع؟ والإجابة: «فيما نراه فإن هذا التعدّد في الاجتماع الإسلامي كان في البدايات الأولى للإسلام وحتى عصرنا الراهن، مروراً بكل العصور التاريخية للاجتماع الإسلامي، وأبرز ما في هذا التعدّد والتنوع هو تعدّد المذاهب في الإسلام، بما يعني أن المسلمين أجازوا لأنفسهم هذا القدر الواسع من الدوائر المتعدّدة داخل دائرة الإسلام الكبرى”.ويوضح” وأما بِشأن حرية الفرد بموجب الرؤية الإسلامية فإنها مضمونة له حتى فيما يتعلّق في عقيدته للدين نفسه، فيما لا بدّ من الإشارة إلى أن المجتمع الذي تقوم بين أفراده رابطة القانون، فإن حرية الفرد تصبح كحرية أي فرد آخر حتى في المجتمعات غير الدينية محدودة بأحكام القانون”، ويتابع”: فإذا كان القانون يحرّم تعاطي المخدرات مثلاً في بلد غير إسلامي أو ملحد، فإنّ الحرية المبدئية للفرد هنا تقف عند حدود القانون، وذلك لأنه لا يوجد في الاجتماع البشري ما يسمى بالحرية المطلقة، أي بما يعادل الفوضى وبما يؤدّي إلى اصطدام الحريات الفردية بعضها بالآخر ويفسد بنية الاجتماع البشري، والإسلام لا يختلف عن غيره في هذا الأمر».

لماذا فشلت النهضة في بلادنا؟

وردا على سؤال لماذا فشلت النهضة في بلادنا وما هي شروطها؟ يجيب السيّد  الأمين انطلاقا من  تجربته حول القومية والاسلام السياسي قائلا:«أنا أوافق الرأي القائل أن المرحلتين السابقتين بعد انحلال الأمبراطورية العثمانية والتي نشأ بعدها مرحلة النهوض القومي وأخذ فترة من الزمن ليست بالوجيزة وما تلاها أي المرحلة الثانية التي استعادت شعارات الإسلام والوحدة الإسلامية وعلى رأسها شعار الإسلام هو الحلّ”،  ويضيف”:أن هاتين المرحلتين فشلتا في تحقيق المرجو من النهضة القوميّة، وكذلك، فشلتا في النجاح في إرساء النهضة الإسلامية، وأكاد أقول إن مرحلة الإسلام هو الحلّ، كانت هي الصدمة الأشد وجعاً لتطلعات الأمّة العربية والإسلامية في إحداث هذه النهضة المرجوّة”، ويتابع”: لذلك فإن المفكّر حين يحيل في ذهنه عناصر تلك المرحلتين، وما آل إليه الأمر بعدهما، وخاصة ما نشهده في هذه المرحلة الراهنة من تراجعات ومن سيادة منطق العنف والدمّ والتكفير، واستخدام الإسلام وسيلة للسلطة، ويردف”: فإننا مدعوون كمفكرين على الأقلّ لإنتاج رؤية مختلفة تقوم على نقد المرحلتين السابقتين سواء منها منظومة الفكر القومي وتجسّداتها بأنظمة سياسة، المتجسدة بأطر من الأحزاب والطوائف والتجمّعات، فالمرحلة القومية تحوّلت إلى تكريس لواقع الانقسام والتشتّت وتشكل الدول المستقلة من جهة، كما أنها وقعت في شرك الأنظمة الدكتاتوريّة المتخلّفة والتي لم ترافقها حركة تنمية اقتصادية كما حصل في بعض الدكتاتوريّات السابقة في التاريخ وحتى في الاتحاد السوفياتي الذي استطاع رغم دكتاتوريّته البشعة من إحداث تنمية وإقامة دولة قويّة أسقطتها فيما بعد الدكتاتورية وحجب الحريات عن شعوب هذه المؤسسة المسماة الاتحاد السوفياتي”.

ويقول السيّد الأمين: «يمكن أن نميز بين عاملين أحدهما العامل الفكري الذي تضمنته بعض النظريات القومية، والذي يشكّل رؤية متقدمة وإيجابية لمشروع النهضة، وبين عامل آخر أفسد هذه الجوانب الإيجابية عندما مكّنت الأمّة الحكام من استلام السلطة، ومن خلال الطبقة العسكريّة”، ويضيف”: فلهذه الأنظمة حكمها المزاج العسكريّة وكرّس فيها الاستبداد وقمع الحريات ولم يقدم في مقابل هذا الاستبداد ولو قليلاً من خلال إنشاء تنمية وتفاعل اقتصادي وتكامل بين هذه الدول القومية أو الوسط، وكان الشعور باضطهاد السلطات القومية أحد الدوافع لطرح المشروع الإسلامي”. ولاحظ أن “المشروع الإسلامي كان شعاراً يمشي العواطف الدينية ورغبة الأمّة في استعادة ماضيها المجيد، دون أن يمتلك أي مشروع معاصر متكامل مناسب مع حركة الشعوب وتطوّرها في عالمنا المعاصر، مما ثبّت أن قاعدة «الإسلام هو الحلّ، لم تكن عنواناً لمشروع تفصيلي لمعالجة الموضوع والاجتماع والحريات والتنمية والديموقراطية، وانقسمت الاتجاهات الدينية على بعضها». وينتقد السيّد الأمين الاستغراق في استعادة التجارب التاريخية فيقول: «وبدلاً من أن تتطور الاتجاهات الإسلامية وأن تتكافل في بناء مشروعها النهضوي أخذت تستعيد من الماضي التاريخي السلبيات التي كان لها الدور الكبير في انقسام المجتمع الإسلامي، ولم يكن لديها رؤية للتجدّد الحضاري، الذي يقوم فيما يقوم عليه على نقد الماضي وعلى استلهام عناصر الإيجابية، التي كوّنت ما أسميه بالنهضة الحضارية الأولى التي عرفها زمن البعثة وعرفها بشكل شامل جزء كبير من العصر العباسي والذي شكل النموذج الحضاري الأرض في العالم آنذاك ولمدّة قرون».

الأمين: باختصار فإن وسائل قيام النهضات في دول العالم المتقدّم هي وسائل معروفة ومطروحة ويمكن الاستفادة منها دون التخلّي عن الهوية

النهضة القومية العربية والإسلامية

ويتابع السيّد الأمين: «السؤال الآن ما هي الأسس التي يمكن أن تقوم عليها النهضة القومية العربية والإسلامية التي لا بدّ منها؟ ويعرض لها على الشكل التالي”: أولاً هو إزالة التناقض بين كل من الاتجاهات القوميّة والاتجاهات الإسلامية وأن يصار إلى رؤية توحّد بين عناصر النهضة ببعديها القومي والإسلامي معاً وفي إحساس المشروع الذي نقترحه هو أن يتمّ الحوار والتوافق على مبادئ مشتركة تستدعيها هذه النهضة وأن نتذكّر أن الشعار محاربة الاستعمار والغرب وحتى الاحتلال الصهيوني البغيض لا يلخّص جميع المهمات المشتركة بين الاتجاهين القومي والإسلامي”. ويضيف”: إن من وجهة نظرنا أن التركيز على مبادئ الحرية ومشاريع التنمية، وبالأخص مشروع التكامل الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية هو العنصر الذي يجعل آفاق الوحدة السياسية أقرب تناولاً من المشلريع العاطفية، بل أن التكامل الاقتصادي من شأنه أن يفرض مستويات من التعاون والتكامل من شأنها أن تجعل من هدف الوحدة الإسلامية هدفاً واقعياً وبعيداً عن الرومنسية التي أحاط بها القوميون مشروع الوحدة العربية وأحاط بها الإسلاميون مشروع الوحدة الإسلامية».ويتابع”:المرحلة القومية تحوّلت إلى تكريس لواقع الانقسام والتشتّت وتشكل الدول المستقلة من جهةإذن، فلا بدّ من الالتزام بالحرية والديموقراطية للشعوب، وأن تسعى الأنظمة للتكامل الاقتصادي مقدمة للتكامل السياسي”.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: شعوبنا تعاني من أزمة فقدان الحريات

ويختم السيّد الأمين بالقول: «باختصار فإن وسائل قيام النهضات في دول العالم المتقدّم هي وسائل معروفة ومطروحة ويمكن الاستفادة منها دون التخلّي عن الهوية، واذا كان بعض الإسلاميين الذين يظنون أن الله سبحانه وتعالى تكفّل بهبة المسلمين النهضة والتفوّق بين الشعوب وسيادتهم على العالم تكفلاً مجانياً، فانه على العكس من ذلك، إذ لا بد أن يأتي عنصر نهوض، أي أن النهضة لا يحدثها جانب واحد من جوانب التمسك بالإسلام بل لا بدّ من المكابدة التي حصل النهضات بدونها وبالأساس. كما أنّ الأمانة التي حملها الإنسان جعلها معياراً للالتزام بمهمة إعمار الأرض، ويردف”: لا يمكن للمسلمين تحقيقها إلاّ بامتلاك عنصري الغاية والوسيلة، وغاية الأمانة هي الوصول إلى الله تعالى وسجلها هي الجهد البشري الذي ينتج حضارة مرفّهة للكائن الإنساني، فإنّ الغرب استطاع حمل مادة هذه الأمانة وهي التطوّر العلمي والمعرفي ولكنه نسي غايتها التي هي الوصول إلى الله تعالى، والمسلمون عرفوا غاية هذه الأمانة وهي الله سبحانه وتعالى لكنهم فشلوا في تحقيق مادتها التي هي الحرية واكتساب العلم، هذه بنظرنا هي العناوين الفكرية لمشروع نهضة ما يزال ممكناً على المستويين القومي والإسلامي».

السابق
Aoun Addresses the Nation
التالي
عن 99 عاماً.. قصر بكنغهام يعلن وفاة الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث