حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: طهران تتفاءل بـ«النووي».. ولا تجده!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

تبدي طهران الكثير من التفاؤل بقدرتها على صياغة تفاهم مع الادارة الامريكية، وكبح المنحى التصاعدي للتوتر بينهما في المرحلة المقبلة. وانها قادرة على تحقيق نقاط ايجابية لصالح مشروعها ورؤيتها في الاقليم، ينطلق من تفاهم مع واشنطن حول حجم وحدود دورها ومناطق نفوذها.

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: روسيا وإيران «شريكان مضاربان» في وجه أميركا!

تفاؤل اميركي – ايراني

هذا التفاؤل بدأ يظهر في بعض المواقف الصادرة عن كلا الطرفين حول الشروط المتبادلة، والخطوة الاولى التي يجب على كل من الجهتين القيام بها على طريق اعادة تفعيل الاتفاق النووي. بدأت من تصريحات المرشد الاعلى الذي اكد في خطاب رأس السنة الايرانية الجديدة استعداد بلاده العودة الى الاتفاق، بعد اعلان واشنطن رفع جميع العقوبات التي سبق ان فرضها الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب بعد قرار انسحابه من الاتفاق النووي، وان العودة الايرانية عن خطواتها النووية خارج تطبيق الاتفاق تأتي بعد ان تتأكد من التزام واشنطن برفع العقوبات عمليا.

تخلي ايران عن السقوف العالية على طريق البحث عن مخارج لازمة العودة الى التفاوض

قد تبدو هذه المواقف غير جديدة ولا تشكل تغييرا في الموقف الايراني، الا ان الاشارة التكميلية التي صدرت عن رئيس الجمهورية حسن روحاني بان ايران “لن تطالب واشنطن بالتعويضات”، التي سبق ان وضعها المرشد الاعلى كاحد شروط التفاوض مع الادارة الامريكية وما الحقته بالاقتصاد الايراني من اضرار، وهو موقف يكشف عن نوع من التخلي الايراني عن السقوف العالية على طريق البحث عن مخارج لازمة العودة الى التفاوض في اسرع وقت ممكن.

حالة التفاؤل لا تقتصر على الجانب الايراني وحده، فوزير الخارجية الامريكي انتوني بليكين بعث برسائل ايجابية ايضا لطهران خلال المباحثات التي اجراها مع مسؤول العلاقات الخارجية بالاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل، عندما اشار الى استعداد واشنطن للدخول في مشاورات مثمره مع ايران لضمان تنفيذ كامل للاتفاق النووي ورفع العقوبات.

حديث بايدن عن قرار ادارته سحب قواتها من افغانستان، خطوة تضاف الى المباردة التي اطلقها البيت الابيض لانهاء حرب اليمن

ولعل المواقف التي اطلقها الرئيس جوزيف بايدن في اول اطلالة اعلامية له منذ توليه الرئاسة الامريكية في الموضوع الافغاني، وحديثه عن قرار ادارته سحب قواتها من هذا البلد في اقرب فرصة ممكنة، تشكل خطوة تضاف الى المباردة التي اطلقها البيت الابيض لحل الازمة اليمنية وانهاء الحرب في هذا البلد التي انطلقت قبل ست سنوات في الخامس والعشرين من آذار عام 2015. وهي خطوة لاقتها القيادة السعودية باطلاق مبادرة رسمية لوقف اطلاق النار وتحريك الحل السياسي لهذه الازمة، بانتظار الاستجابة او الجواب، من قبل الطرف الاخر لهذه الازمة من حركة انصار الله الحوثية، والداعم الرئيسي له النظام الايراني، لتأخذ صفة العملية وتثمير هذه المواقف والجهود بالاتجاه الايجابي والانتقال الى الحلول العملية.

الاستجابة الايرانية

الاستجابة الايرانية في مقابل هذه التوجهات الامريكية في التعامل مع ملفات منطقة غرب آسيا، تبدو في ظاهرها متوجسة وغير متعاونة، او تذهب الى محاولة فرض تنازلات على الادارة الامريكية بحيث تعطيها القدرة على “اعلان النصر” في معركتها المتشعبة مع واشنطن، سواء في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية والاتفاق النووي، او في ما بدورها ونفوذها على الساحات الاقليمية. اما في الواقع، فان القيادة الايرانية بدأت البحث عن الطرق التي تسمح لها بتثمير هذه الاشارات او المؤشرات الامريكية، من اجل بلورتها باتجاه التوصل الى حلول عملية على ارض الواقع.

تشكل وسكو البوابة التي لجأت لها طهران، من اجل تدعيم مواقفها وتحسين شروطها امام الهجمة الايجابية لواشنطن

وتشكل العاصمة الروسية موسكو البوابة التي لجأت لها طهران، من اجل تدعيم مواقفها وتحسين شروطها امام الهجمة الايجابية للادارة الامريكية في ملفات المنطقة، ولعل المساعي التي بذلتها موسكو عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف في جولته الخليجية، واضيفت اليها زيارة نظيره الصيني الاخيرة الى الرياض وطهران، فضلا عن الدخول الروسي الناشط على خط الازمة الافغانية، وما تقوم به طهران من دور ايجابي لتسهيل الاتفاق الموقع بين واشنطن وحركة طالبان والعمل على تقريب وجهات النظر بين الدولة الافغانية، وهذه الحركة تشكل اشارات على هذه الاستجابة وعملية البحث عن مخارج لايصال جهود الحل الى نقطة ايجابية متقدمة.

الساحة العراقية والسورية

وفي هذا الاطار يبدو ان الساحة العراقية تخضع لنمط مختلف من التعامل في حسابات الطرفين الامريكي والايراني، يقوم بالدرجة الاولى في العمل على تحييد هذه الساحة عن التصعيد، او تحويلها الى ساحة مفتوحة للمواجهة خاصة بعد قرار ترمب تنفيذ عملية اغتيال رأس المشروع الاقليمي الايراني الجنرال قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد في مطلع عام 2020. لكنها وبعد تغيير الادارة الامريكية، رفضت كل الاتهامات التي وجهت لها بالمسؤولية عن العمليات التي تعرضت لها القواعد العسكرية ومقر السفارة في بغداد، في مقابل التزام بغداد وواشنطن العمل على تنفيذ قرار البرلمان الذي طلب من الحكومة انهاء وجود القوات الامريكية على الاراضي العراقية، باعتماد  مسار الحوار الاستراتيجي الذي من المفترض ان تعقد الجولة الثالثة له قريبا، اذا ما تجاوبت واشنطن مع طلب بغداد لعقد هذه الجولة.  وهي جهود تتضافر مع عودة حلف الناتو لبحث مسألة اعادة تفعيل دوره في العراق والاعلان عن قرار رفع عديد قواته الى 4500 عنصر بمشاركة امريكية، التي تسمح لواشنطن بترجمة رغبتها باخراج قواتها من هذا البلد، وتضمن لها الابقاء على وجودها تحت عنوان الناتو. وهي خطوات يبدو انها قد تشكل ارضية للتفاهم مع طهران وطمأنتها حول مستقبل العراق، وانفتاحه على المحيطين الاقليمي والدولي من دون استفزازها، بغض النظر عن موقف وتحركات القوى والفصائل العراقية التابعة لها او المدعومة منها.

وعلى الساحة السورية، يبدو ان طهران قد دخلت في سباق مع الزمن قبل موعد الانتخابات الرئاسية السورية في شهر حزيران المقبل، وهي بالتنسيق مع موسكو ومحاولة تقديم ضمانات لانقره، تحاول تحقيق انجازات عملية في ما يتعلق بالمناطق التي تقع خارج سلطة النظام في دمشق، خصوصا في محافظة ادلب، في حين تبقى مناطق شرق الفرات بانتظار التوصل الى تفاهمات مع واشنطن، تمهد الطريق امام اخراج قواتها من هذه المنطقة وتسهيل عملية الحوار بين الجماعات الكردية ودمشق بما يقلل من المخاوف التركية.

السابق
دياب يحذر: لبنان على مشارف موجة ثالثة من كورونا.. وقرار مهم لعون!
التالي
«أمل» تخرج من سباق «حزب الله».. للعقوبات!