حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: روسيا وإيران «شريكان مضاربان» في وجه أميركا!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

يمكن القول ان البيان الصادر عن السفارة الروسية في العاصمة اللبنانية بيروت، حول ملابسات الزيارة التي قام بها وفد حزب الله الى العاصمة الروسية موسكو، واللقاء الذي عقده رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد ومسؤول العلاقات الخارجية في الحزب عمار الموسوي، مع وزير الخارجية سيرغي لافروف والادارة الدبلوماسية، يمكن القول انه يصب في اطار محاولة موسكو الابتعاد عن اي التزامات او مطالبات قد تبرز في المستقبل تدعوها للتدخل بشكل مباشر بما يفتح الطريق على تورطها بتفاصيل الساحة الداخلية اللبنانية، في وقت تسعى فيه تخفيف الاعباء الناتجة عن تورطها في تفاصيل وصراعات الشرق الاوسط، خاصة الساحة السورية وما ينتج عن ذلك من استنزاف للجهود والقدرات هي بحاجة لها في مكان اخر، خاصة مع تصاعد حدة المواقف الامريكية الهجومية ضدها وضد دورها، وما فيه من طموحات تحاول استغلال مناطق الفراغ، برزت مع وصول ادارة جديدة للبيت الابيض تعمل على ترميم الدور الامريكي على الساحة الدولية، والحد من الاندفاعتين الروسية والصينية على اكثر من صعيد واكثر من جبهة او ساحة.

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ظريف «يغازل» الأميركيين و«يستنفر» المحافظين!

هذا البيان التوضيحي يعيد تصويب او وضع الزيارة الحزب في الاطار الذي يخدم المصالح الروسية في المناطق، التي تشترك فيها مع الحزب والمحور الذي ينتمي له او يمثله في الشرق الاوسط، خصوصا في مسألتي التعاون على الساحة السورية، والمساعدة المحدودة في ما يتعلق بتسهيل عملية التوافق بين القوى اللبنانية، لانهاء الازمة الحكومية التي بدأت تتحول الى ازمة نظام، وهذه المساعدة تأتي من منطلق ينسجم مع النظرة الروسية الى لبنان في هذه المرحلة، ومدى ارتباطه او تأثيره بالوضع السوري والالتزامات الروسية، المتعلقة باستخدام وجودها في سوريا في الحفاظ على قواعد الاشتباك بين لبنان وسوريا من جهة، واسرائيل من جهة اخرى، وبتعبير ادق، ترجمة ما تؤكده دائما المتعلق بالتزامها بأمن اسرائيل ومنع بروز اي تهديد جدي لهذا الامن اولا من الجبهة السورية، وثانيا من الجبهة اللبنانية اذا استطاعت ذلك. وهو التزام يساعدها ايضا في تأمين مصالحها الاقتصادية المستقبلية في هذه المنطقة.

روسيا والدول الخليجية

وعلى الرغم مما تبدو عليه ابعاد التحرك الروسي، ان كان باتجاه الدول العربية، خصوصا الخليجية، او باتجاه القوى والاحزاب اللبنانية التي بدأت مع حزب الله، ومن المفترض ان تليها زيارات لجهات لبنانية اخرى. فان طهران لم تبد اي موقف رسمي سلبي من هذا الحراك الروسي، خصوصا وان الزيارة الحزب ودقة المرحلة التي جاءت فيها لا يمكن ان تحدث من دون تشاور او تنسيق مع طهران بشقيها الحكومي (وزارة الخارجية) والسلطوي (النظام). فضلا عن ان موسكو لا يمكن ان تلجأ الى خطوة في هذه المرحلة تستفز فيها الشريك الايراني في المنطقة قد تؤدي الى استنفار حساسيته، وتعقد الجهود التي تبذل من اجل بناء تفاهمات واتفاقيات استراتيجية تتجاوز هذه المنطقة، وتخدم معركتها في مواجهة الضغوط الامريكية، التي تهدف الى محاصرتها ومحاصرة ادوارها الدولية المستجدة.

اذا ما كانت موسكو تطمح لتكريس موقعها في منطقة الشرق الاوسط كلاعب اساسي، فان هذا الطموح لا يمكن ان يكون في مواجهة اي من اللاعبين الاقليميين

واذا ما كانت موسكو او القيادة الروسية تطمح لتكريس موقعها في منطقة الشرق الاوسط كلاعب اساسي، فان هذا الطموح لا يمكن ان يكون في مواجهة اي من اللاعبين الاقليميين، لما فيه من تعارض مع رؤيتها الاستراتيجية والتنافسية التي تسعى لتقاسم الادوار والنفوذ مع الولايات المتحدة. وهي ان قبلت بهذا السقف من الصراع مع قوى اقليمية، فانها ستخسر موقعها الذي تعمل على تثبيته، كقوة ضامنة لامن اسرائيل، وكحاجة ايرانية لمواجهة الضغوط والحصار الامريكي ضدها، وعامل تلطيف للطموحات التركية في الحصول على مواقع تفرض شريكا في منطقة غرب آسيا.

تواصل موسكو مع حزب الله

واذا ما كانت موسكو تطمح في تواصلها مع حزب الله للتوصل الى تفاهمات حقيقية وواضحة تتعلق بالساحة السورية، لجهة ما يشكله الوجود العسكري والسياسي للحزب في هذه الساحة من مصادر قلق متزايد للطرف الاسرائيلي، والذي تستغله تل ابيب لممارسة المزيد من الضغط على موسكو لترجمة التزاماتها بعدم تحول هذا الوجود الى مصدر تهديد لامنها لم تعد تنفع معه المهدئات الروسية، فان الحزب من جهته، وفي اطار الرؤية الاستراتيجية لدور المحور الذي تقوده ايران في الاقليم، يبدي ايجابية واضحة في التعاون مع الشريك الروسي في هذا الاطار، وهذه الايجابية لا تعتبر خصوصية حزبية، بل تندرج في سياق موقف النظام واستعداده للتعاون في هذا الاطار في حال استطاع الحصول على اعتراف دولي، خصوصا امريكي، بدوره الاقليمي، ما يعني ان اي مفاوضات محتملة مع الادارة الامريكية حول النفوذ الاقليمي للنظام الايراني من المفترض ان تصب في اطار تكريس هذا الدور والاعتراف به وليس تقليصه او تحجيمه وتخليه عن مناطق نفوذه.

هذه النظرة لأزمات الشرق الاوسط، تعزز من رفع مستوى التعاون الروسي الايراني في الاقليم، خصوصا على الساحة السورية، لما في هذا التعاون من فرص كبيرة امام موسكو يكمن ان توظفها لتكون شريكا للولايات المتحدة في هذه المنطقة، مستفيدة من التغيير الحاصل في القواعد السياسية والاستراتيجية الناتجة عن الصراع التي حصلت ولم تستطع التأسيس لحقائق عملية وسياسية، تدعم الرؤية الامريكية لصالح حلفائها التقليديين في الدول العربية في مواجهة الطموحات الايرانية. وان السياسات الشرق اوسطية للادارة الامريكية، التي كانت تقوم على تقسم الحرب في هذا الاقليم بين قوى الاعتدال وقوى التطرف، كرست معطيات صبت لصالح توسيع النفوذ الايراني، ان كان في عهد الرئيس الاسبق باراك اوباما او عهد الرئيس السابق دونالد ترمب وكل ما قام به من خطوات ومبادرات لعزل ومحاصرة ايران.

المساعي الروسية، ان كان في الانفتاح على حزب الله تهدف الى جر واشنطن لاعادة النظر في رؤيتها الاستراتيجية

من هنا، فان المساعي الروسية، ان كان في الانفتاح على حزب الله اللبنانية بخصوصيته السورية، او في التعاون والتحالف مع ايران ونقله (التعاون) الى المستوى الاستراتيجي، تهدف الى جر الولايات المتحدة الامريكية لاعادة النظر في رؤيتها الاستراتيجية للقوى المؤثرة في هذا الاقليم، الذي تتقاسمه ثلاث قوى غير عربية هي ايران واسرائيل وتركيا، وان بناء شراكة مع هذه الدول يمكن ان يؤسس لمرحلة من التعاون، يضمن لجميع الاطراف الاقليمية والدولية تأمين مصالحها ويعيد ترتيب المنطقة على معطيات جديدة.

السابق
رفضاً للواقع المعيشي الصعب.. قطع الطرقات والاحتجاجات مستمرة!
التالي
سامي الجميل يردّ بعنف على نصرالله: ما في لبناني بدو حرب أهلية الا انت!