المرأة بين الذكورة السالبة والأنوثة المسلوبة

نساء يقفن في الصف الأمامي مقابل الجيش اللبناني

تطرح العلاقة بين الطبيعة والثقافة جملة من المفارقات نظرا للتداخل والترابط القائم بينهما، فإنتماء الإنسان الى العالم الطبيعي يظهر أولاً في البيولوجيا التي يشترك فيها مع بقية الكائنات، ثم أنه بحكم الفطرة يمتلك غرائز تتشابه مع تلك التي توجد لدى الحيوانات مثل الغرائز الجنسية والعدوانية التي تعتبر موروثة من تكوينه البيولوجي. 

ولا ريب أن الطبيعة تبقى كامنة في الثقافة نظراً  لمجموعة الخصائص الفطرية والغريزية التي تولد مع الكائن البشري والفصل بينهما يبدأ عند تلك اللحظة التي يصعب فيها التمييز بين الفطري والمكتسب في السلوك الإنساني .

إقرأ أيضاً: بالصور: بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.. نصب تذكاري لشهيدة انفجار بيروت سحر فارس

ومن البديهي أن السلوك الإنساني ما كان ليتطور لولا القدرة على الإكتساب ، فيما بقي المركّب البيولوجي الغرائزي متحكماً بسلوك الحيوان. وهذا التمايز ساعد الإنسان على تنويع وتعديل ردود أفعاله السلوكية في وضعيات مختلفة وهو أول مظهر من مظاهر الثقافة .

لكن من خلال السلوك المتفاعل مع البيئة الطبيعية إستطاع الإنسان أن يطّور منظومة من الأفكار والأفعال والخبرات المكتسبة وبدأ بنقلها عبر التواصل والتعلّم من جيل لآخر لتتراكم في جملة من القواعد الناظمة لحياته ضمن الجماعة ولتساعده على السيطرة على الطبيعة وتمكّنه من المحافظة على بقائه ووجوده؛ ومع زيادة خبراته الحياتية وصل الى إعتماد أنماط من العيش والتقاليد والمعتقدات التي كوّنت ثقافته .

 إن التنظيم الإجتماعي للإنسان طغت فيه الفطنة على الفطرة دون أن تلغيها، وأصبح الموروث البيولوجي أمام قواعد ناظمة للسلوك، ومن هذه القواعد تلك التي صاغت علاقة الذكر بالأنثى. 

فعندما نتحدث عن أنماط من السلوك اللامتساوي بين الجنسين فإن مرجع ذلك يعود الى البناء الاجتماعي وليس الى الطبيعة، فعلى أي مرتكزات يبني الثقافي فكرة السلوك اللامتساوي ؟ .

1البيولوجي الطبيعي

  إن وضعية الرجل بالنسبة للمرأة ووضعية المرأة بالنسبة للرجل تحتاج الى إعادة نظر وقراءة، فالمعايير الإجتماعية إذا قامت على قواعد من التمييزات البيولوجية الطبيعية فذلك لا يعني صوابيتها، ومثالنا على ذلك التفكير في موضوع الحمل والإنجاب عند المرأة . 

فالتفكير عند الرجل يأخذ مسألة الحمل والإنجاب والإرضاع للتدليل على نقاط الضعف لدى المرأة من الناحية البيولوجية، فهل حقاً هي نقاط ضعف أم نقاط قوة ؟ . ولماذا قدرة المرأة على الإنجاب لا تُعتبر نقطة قوة لها وهي بهذا التمايز تكون مصدر الحياة وديمومة الوجود ؟ . – يجب الإعتراف بأن للرجولة إيجابياتها كما للأنوثة إيجابيتها وكلا المفهومين يحملان من التنوع والإختلاف الشيء الكثير ويخضعان للتغيرات والتحولات المجتمعية ، وإن كان لكل من المفهومين تمايزات بيولوجية فهذا لا يستوجب أن تقوم علاقتهما على قاعدة الذكورة السالبة والأنوثة المسلوبة . 

  ويكفينا من التحليل ما أشارت اليه الفلسفة الهرمسية بقولها في المبدأ السابع من مبادئها وتحت عنوان : مبدأ النوع أو الجنس Gender:الجنس موجود في كل شيء. كل شيء له ذكريته وأنثويته، وهذا المبدأ يعبر في كل المستويات، ليس فقط على المستوى الفيزيائي، بل أيضًا على المستوى العقلي العاطفي. 

والأمثلة حول الثنائيات المتجانسة والمتكاملة أكثر من أن تُعّدُ وتحصى ، فكيف يمكن للخطاب الذكوري أن يزيح معياراً كونياً عابراً لكل الوجود ويصبح كل شي إنساني عنده منظوراً له من زاوية ذكوريته ، متناسياًبأن نظيره من الأنس الآخر هو انثى ؟. 

2- الإجتماعي الثقافي

إن البناء على تمايز الهويات البيولوجية بين الذكر والأنثى وتحويله الى إمتياز لأحدهما على الآخر هو شأن ثقافي- إجتماعي بالتأكيد، فالثقافة كما يقول ديفيد تشاني : “هي دوماً الجسر الذي يربط بين الأفراد وهوياتهم الجمعية .” ثم يضيف “ولكن بفضل قدرتنا بوصفنا بشرا واعين لأنفسنا ومدركين لقدراتنا فأننا نخلق هوياتنا، ونعيد خلقها على الدوام ” . 

 إن الهوية الإجتماعية للمرأة كما الهوية الإجتماعية للرجل، كلاهما محاصر وسط تنميط مجتمعي قائم على متخيّلات من التصنيفات الثقافية للصفات الذكورية والأنثوية،  فليس من مجتمع معروف في التاريخ  يقوم على وحدانية المجانسة بين صفات أفراده ذكوراً وإناثاً، فالتصنيف والتنميط فعلٌ مجتمعي إصطلاحي، وفكرة  التمايز تعود في جذورها إلى استغلال مقصود للناموس الكوني في الطبيعة البيولوجية لإحداث التمايزات بين البشركما في حالة التمييز العرقي بين اصحاب البشرة البيضاء والسوداء، وبين السلالات المتفوقة  والمتدنية، وبين الذكورة والأنوثة.

خلاصة القول أن المشكلة بين الذكورة والأنوثة هي مشكلة معايير وتصنيفات أولاً وأخيراً، وهذا ما على المنظور النسوي أن يحاذر الوقوع في شباكه. إذ لا يمكن مواجهة الإجحاف الإجتماعي على المرأة بتعصب نسوي ضد الرجل، فلا يُحارب الجهل بالجهل. ولا تواجه الرؤية الناقصة برؤية ناقصة. ولكي تستقيم الرؤية على توازن صحيح في علاقة الطرفين  فإنه من الضروري أن نبتعد لزاماً عن النظر الى البيولوجيا بمنظار ثقافي ولا الى الثقافة بمنظار بيولوجي وأن ننتبه لضرورة الفصل بينهما في مستويات التحليل والتفسير والتعليل وبناء الترابطات والإسقاطات والإستنتاجات.

مصادر المقالة

النظريات الكونية في منظور الهرمسية،
http://www.maaber.org/issue_april19/spiritual_traditions1.htm.

آدم كوبر ، الثقافة : التفسير الأنتربولوجي – ترجمة تراجي فتحي – سلسلة عالم المعرفة – العدد 349 آذار2008 – الكويت – ص 261
انتوني غدنز – علم الأجتماع – ترجمة وتقديم د. فايز الصيّاغ – المنظمة العربية للترجمة – مؤسسة ترجمان – ط1 – بيروت -2005 – ص

السابق
قضاة لبنان يثورون على طريقتهم: لترك المناصب والإنضمام الى الناس!
التالي
بالفيديو: الشارع يغلي على وقع ارتفاع الدولار.. قطع للطرقات ومحال تغلق ابوابها!