بري يلوّح بورقة الانتخابات الفرعية: مناورة أم رسالة؟!

نبيه بري

أطلق الرئيس نبيه بري أول إشارة سياسية في اتجاه الانتخابات الفرعية وإمكانية أن تجري في الربيع المقبل.

هذه الإشارة جاءت من خلال اتصال أجراه بوزير الداخلية محمد فهمي وخصصه لموضوع الانتخابات الفرعية مع ضرورة إجرائها وفقا للمادة 41 من الدستور والملزمة لهذا الإجراء.

وكان رد وزير الداخلية انه فعل ما عليه بهذا الخصوص ورفع كتابا الى رئاسة الحكومة محددا نهاية مارس المقبل موعدا للانتخابات كحد أقصى.

واللافت في التوقيت السياسي لإقدام بري على إثارة هذا الموضوع من خارج السياق العام للأحداث والأوضاع والأولويات، أن تحريك الانتخابات الفرعية جاء في عز احتدام الأزمة الحكومية وانسداد أفق الحلول ما يعني أن ورقة الانتخابات الفرعية يستخدمها بري كورقة ضغط إضافية للدفع باتجاه الحكومة.

عدم جهوزية الدولة لتأمين متطلبات الانتخابات وشروطها الإدارية واللوجستية وعدم توافر الاعتمادات المالية للعملية الانتخابية

اللافت أيضا في التوقيت أن بري حرّك الموضوع مباشرة بعد لقائه مع وليد جنبلاط في عين التينة مستمزجا رأيه ومستكشفا جهوزيته لخوض الانتخابات في عاليه والشوف.

إقرأ أيضاً: بالصورة ورسمياً..طارق بيطار محققا عدلياً جديداً في إنفجار المرفأ

مما لا شك فيه أن الرئيس بري من خلال موقفه هذا أحدث «نقزة»، خصوصا لدى الأفرقاء المعنيين بالانتخابات وألقى حجرا في المياه الراكدة لهذا «الاستحقاق الفرعي»، وحيث «تغط» الأحزاب في سبات انتخابي ولا تتمتع بجهوزية لخوض انتخابات داهمة في هذه الظروف الضاغطة، وحيث يسود اعتقاد على نطاق واسع أن الانتخابات الفرعية لن تجري لأسباب كثيرة عملية وتقنية أكثر منها سياسية، وهي كافية لتبرير أي تأجيل أو تجاوز لهذه الانتخابات، ومن أبرزها:

  • الظروف الصحية الناجمة عن وباء كورونا ودفعت الى إجراءات الإقفال والتباعد ومنع التجمعات.
  • عدم جهوزية الدولة لتأمين متطلبات الانتخابات وشروطها الإدارية واللوجستية وعدم توافر الاعتمادات المالية للعملية الانتخابية.
  • الأوضاع الأمنية الدقيقة والهشّة كانعكاس لحال الانقسامات السياسية والتوترات الطائفية والتردي الاقتصادي ما يجعل أن المعارك الانتخابية ستكون سببا وشرارة لمشاكل واحتكاكات وأعمال عنف في الشارع.
  • الظرف السياسي غير الملائم والمتمثل خصوصا في عدم وجود حكومة وعدم وجود تغطية وحماية سياسية لهذه الانتخابات حتى لو لم تكن بحاجة الى مجلس وزراء ويكفيها مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الصادر عن وزير الداخلية.

كان بإمكان الرئيس نبيه بري أن يستند الى هذه الأسباب ويتذرّع بها لعدم إجراء الانتخابات الفرعية، فهذه أسباب مقنعة وكافية لتبرير قرار من هذا النوع.
ولكن بري وضعها جانبا وتجاوزها ليشهر ورقة الانتخابات الفرعية ويفاجأ الجميع ومن حيث لم يتوقعوا ويحتسبوا وليمرر جملة رسائل وأهداف أبرزها:

  • رفع المسؤولية السياسية والدستورية عنه في مواجهة الانتقادات والاتهامات المساقة ضده بأنه لا يقوم بواجبه الدستوري ولا يفعل شيئا لإجراء هذه الانتخابات وملء الشواغر في مجلس النواب خصوصا أن المقاعد الشاغرة صارت عشرة، تسع منها عائدة للمسيحيين وهذا الواقع يعني من جهة أن النقص الملموس يطرح إشكالية قانونية في احتساب النصاب القانوني خاصة فيما يتعلق بالجلسات الحساسة والمفصلية ويعني من جهة ثانية ان هناك اختلالا ميثاقيا مع خرق مبدأ المناصفة وعندما يصبح المجلس حاليا، 118 نائبا، 63 للمسلمين و 55 للمسيحيين.
  • رسالة ثانية الى النواب المستقيلين (8) مكمّلة لرسالة بري الأولى والفورية التي بعث بها عندما دعا الى جلسة نيابية في اليوم التالي للاستقالات للبتّ بها وإبلاغ أصحابها أن الموضوع انتهى وأنهم باتوا خارج البرلمان.. أما الرسالة الثانية بالدعوة الى الانتخابات الفرعية، وإضافة الى الرد على انتقادات المستقيلين وسؤالهم عن مصير الانتخابات، فإنها تهدف الى إبلاغهم بألا عودة لهم الى البرلمان وإن كل من يستقيل لا يبقى موقعه محفوظا.
  • وحيث إن النواب المستقيلين يواجهون حرجا شديدا، لأنهم اذا ترشحوا مجددا تكون استقالتهم من دون معنى واذا لم يترشحوا آلت مقاعدهم الى غيرهم وربما الى خصومهم في السياسة.
  • وضع الساحة السياسية المسيحية في حال ارتباك وخلط أوراق واختبار للقوى والتحالفات ولاتجاهات الرأي العام بعد كل المتغيرات التي حصلت منذ انتخابات 2018 وحتى اليوم. ذلك أن «المعارك الانتخابية» الفعلية ستكون محصورة في المتن (3 مقاعد) وكسروان (مقعد) والأشرفية (مقعدان) وزغرتا (مقعد)، في حين ان لا معارك فعلية في الدوائر الأخرى والنتائج شبه محسومة: ففي الشوف وعاليه المقعدان (الدرزي والماروني) محسومان لجنبلاط (كريم مروان حمادة وراجي السعد على الأرجح)، وفي طرابلس المقعد محسوم لسليمان جان عبيد.
  • الهدف الرئيسي الذي يذهب اليه بري من وراء الانتخابات الفرعية (وبعد تحييد حلفائه وأصدقائه جنبلاط وفرنجية وميقاتي عنها)، هو ممارسة الضغط على التيار الوطني الحر ومن خلاله على الرئيس ميشال عون وكشف الواقع الفعلي الذي آل اليه «التيار» وحجم التغيير والتراجع الذي اصاب شعبيته.
  • في النتيجة، فإن امتحان الشعبية والمبارزة الانتخابية يجريان على الحلبة المسيحية والمعارك ستدور على أرض مسيحية تقع في المركز والصميم.
  • وفي النتيجة ايضا، أن المقاعد العشرة لها اهمية في انتخابات رئاسة الجمهورية واحتساب الأصوات طالما أن خيار التأجيل لانتخابات 2022 مطروح والانطباع السائد أن المجلس الحالي هو الذي سينتخب الرئيس المقبل.
  • الرئيس بري يريد من خلال الضغط على رئيس التيار وعلى رئيس الجمهورية عبر الانتخابات الفرعية توظيف هذه الورقة الضاغطة كورقة مفاوضة ومساومة في الموضوع الحكومي، بمعنى دفع عون الى تليين موقفه والتنازل وتسهيل مهمة سعد الحريري مقابل سحب ورقة الانتخابات الفرعية من التداول.وبالتالي، فإن بري يتحوّل الى «المبادرة النيابية» لخدمة وتفعيل مبادرته الحكومية التي يقول إنها ما زالت قائمة وحريص على مواصلتها وإنجاحها.ولكن السؤال: ماذا لو قرر عون رد التحدي برفض التنازلات الحكومية والنزول الى الحلبة الانتخابية؟!
السابق
لبنان..ضحك أصفر في زمن أسود
التالي
«بند سري» في صفقة التبادل يتضمن نقل إسرائيل لقاح «كورونا» إلى سوريا