حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: من طهران إلى بيروت..لا داعٍ لأن نرضى يكفيهم أن نخاف!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

يواجه لبنان، بانتهاك قيم مجتمعه العليا، وبتهافت منظوماته الدستورية والقانونية، وبتفكك مؤسساته السياسية وسلطاته العامة، انهيارا شاملا، يحوّله من وطن لجميع ابنائه، الى ساحة صراع تتجاذبها مصالح الدول وتوازنات لعبة الامم.

وبدلا من ان يكون دولة سيدة على حدودها وداخل حدودها، يتم احتسابه والتعامل معه، كمنصة اطلاق صواريخ أو متراس أمامي لمنظومة هيمنة إقليمية، تتلطى بشعارات العداء لاميركا ومقاتلة اسرائيل.

ويتكشف لكل متابع عجز النظام السياسي اللبناني بكل اطرافه، عن تحديد وتعريف “مصلحة لبنانية وطنية عامة” تبغي تحقيق الخير العام  لشعب لبنان واجياله القادمة، عبر اعتماد مقاربات واجراءات، تؤدي الى وقف وتيرة الانهيار المتمادي ، وتضع خطة فاعلة لإنقاذ شعب لبنان من الفقر والجوع والبطالة والهجرة.

وتستمر منظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج،  بإدارة وحماية “حزب الله”، بممارسة نكران فشلها ومحاولة تمديد اعمار سلطاتها، والتنصل من مسؤوليات جرائمها وارتكاباتها، التي أدت الى كوارث مالية ونقدية، سلبت اللبنانيين ودائعهم، ونهبت جنى أعمارهم، وزعزعت القطاعات الاقتصادية الانتاجية المختلفة، وافلست قطاعات الخدمات والوساطة والسياحة والتسوق، بعد أن فرضت اقتطاع خوات غير مباشرة في مختلف مجالات الاقتصاد والانتاج والاعمال.

القضاء يخصصه نصرالله لمعاقبة من يسيء الى رمزيته المقاوِمة او الى “عاطفة” انصار ومحازبين!

وبعد ان استباحت وظائف القطاع العام وعائدات تلزيمات الدولة ومرافقها واملاكها العامة،  بما حول الادارة العامة والأجهزة الرسمية الى كيانات من المحاسيب، لا فائدة لها، ولا انتاجية منها، وجعل الدولة اللبنانية غنيمة يجري الصراع على تقاسمها، فغدت السلطة أداة مافوية فاسدة، دأبها النهب المنظم، عصية على الاصلاح، وفاقدة اي حياء أو خجل.

بقيادة هذه المنظومة الفاسدة وبسبب من ضيق آفاقها، وانعدام اية رؤية، تواكب مستجدات العصر وترسم خيارات مستقبلية لها، فقد لبنان وظائف اقتصاده الاقليمية، وفقدت أغلبية قطاعاته ميزاتها التفاضلية وقدراتها التنافسية، وتحول الداخل اللبناني خواءً ضعيفا، انتاجا واقتصادا وسياسة، واصبح مرهونا بخارج اقليمي يديره ويمول معيشة ابنائه، فتحول اللبنانيون من شعب حر كفوء، بمهارات ريادية، الى رهينة تحتاج اغاثة او وصاية، او تدخلا إنقاذيا “، واصبح لبنان بعد مئة عام على تأسيسه، وطنا يحتاج الى التأسيس مرة أخرى.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: إتفاق الطائف بين الافتراء والإفتئات

بعد اربعة عشر شهرٍ، على اندلاع الثورة تأكدت حقائق لا رجوع عنها، وهي  افلاس هذه المنظومة السياسية بكل مكوناتها على المستويات الاخلاقية والسياسية والوطنية، وعجزها البنيوي عن تسيير مؤسسات الدولة ومرافقها العامة، والامعان في التنكر لمسؤولياتها في البحث عن حلول لمواجهة ما يصيب لبنان من كوارث اقتصادية ومالية، واهمال بحث أو اقرار اي معالجات قد توقف انهيار القطاعات الاقتصادية وتعالج الناتج المحلي الوطني.

وهي اليوم، بالرغم من عدم امتلاكها اي خطة، ولو أولية، لوقف انهيار لبنان، وامتناعها منذ سنة ونيف عن سلوك  خطوة واحدة على طريق انقاذه، ما تزال متمسكة خلافا لكل منطق باستمرار سلطتها، وبإدامة استنزافها للمال العام، وما تبقى من رصيد عملات أجنبية في مصرف لبنان، عبر عمليات تهريب هائلة، عبر الحدود، تديرها خلافا للقانون ومصالح لبنان.

اخذ لبنان رهينة

وكأن افتضاح أمرها وتهشيم مصداقيتها، أمام الداخل والخارج، قد دفعها الى تبني سلوك اجرامي، يحاول التحصن بالجائحة والأزمة الاقتصادية واستعمال مخاطر، البطالة والفقر والمرض، كأسلحة لكسر ارادة شعبنا، ولمتابعة نهب المال العام وثروات اللبنانيين، وعائدات اعمالهم، وجعل لبنان رهينة، وظيفته الانتحار فدية  لحسابات لا شأن لشعبه بها. وهو ما دفع البطريرك الماروني بشارة الراعي، الى وصف المنظومة بانها “تمارس الحكم كعدوة لشعب لبنان”، مطالبا بتشكيل حكومة كفاءات من اختصاصيين غير حزبيين.

المشكلة ليست في دستور الطائف ولا بتنازع طائفي حول الصلاحيات المشكلة في عقلية استباحة الدولة وملكياتها!

يروج البعض، وخاصة في الاوساط العونية، لفكرة ان ازمة تشكيل الحكومة عائدة لفساد اتفاق الطائف وانتزاع مزعوم لصلاحيات رئيس الجمهورية، وكأن رأس جدول الاعمال الوطني اليوم، هو استعادة هذه الصلاحيات،  فيما يروج آخرون ان الازمة ناتجة عن محاولات الثنائية الشيعية وعون للانتقاص من صلاحيات رئيس الحكومة في تشكيل حكومته، وكأن تشكيل الحكومات المتعاقبة، لم تنتقص من صلاحيات رئيس الحكومة، أو لم تخالف أعراف الديموقراطية البرلمانية، تارة باسم الميثاقية وأخرى باسم الوحدة الوطنية.

المشكلة ليست في دستور الطائف، ولا بتنازع طائفي حول الصلاحيات، ولا بأي دستور، المشكلة في عقلية استباحة الدولة وملكياتها، وجعل السلطة بابا للاثراء غير المشروع، والنفوذ والتسلط، ولممارسة الاستبداد من خارج شرعية المؤسسات واصول النظام الديموقراطي.

والمشكلة الأساس أن السلطة مرتهنة لارضاء وتنفيذ أوامر الخارج، وليست معنية بتاتا بحل مشكلات الناس في الداخل؛ المشكلة مع هؤلاء ليس أي نص مناسب، وليست أي صيغة صالحة نريدها للدستور؟!

وطبعا ليس أي تفسير نعتمد لدستور تم اقراره !؟ وهو ما حرص على ابهارنا به، رئيس الجمهورية في لقائه اعضاء المجلس الدستوري، ومن باب أولى ليست المشكلة ما هي وسائل الزام من يخرق الدستور والقانون بالعودة للالتزام بهما وبمندرجاتهما!؟

“مرشد” الجمهورية!

مع هؤلاء وعلى رأسهم مرشد الجمهورية لا وجود لأي دستور ينظم حياتنا السياسية ولا لقانون ينفذ على المحكومين طبقا لمعايير المساواة والعدالة.

الشريعة الحقيقية هي أوامر الولي الفقيه وفتاويه ؛ فالحرس الثوري الايراني لم يسمح  للرئيس محمد الخاتمي بحكم ايران على اساس دستور وضعه الخميني نفسه، بالرغم من أن الرئيس خاتمي قد نال ٨٠ % من أصوات انتخابات، اشرف عليها الولي الفقيه وأجهزته!؟  فهل سيسمح حزب الله، أي الحرس الثوري الايراني في لبنان، لأي مؤسسة دستورية لبنانية بالحكم الدستوري!؟ وهل سينتظم ويلزم نفسه بالخضوع لمعايير مفهومية تعارض عقيدته!؟.

الجواب تم ابلاغنا به علنا ؛ فلا وجود للبنان دون صواريخ ايران، فالصواريخ التي أهدته اياها ايران، هي علة ذكره بين الدول، أما المخدرات في كل دول العالم، التي تكتشف وتنسب لحزب الله، فهي اخطاء مؤسسات اعلامية مفترية، وجب ايجاد علاج لها! لا داعي للبحث عن الحقيقة، لا داعي لمشاهدة عشرات الفيديوهات المسجلة في لبنان وعشرات دول العالم، لا داعي لمراجعة ملفات الاجهزة الامنية اللبنانية والعربية، لا داعي لمراسلة سلطات عشرات دول العالم، التي ضبطت شحنات مخدرات، أثمانها تتخطى قدرة افراد وعصابات… لا داعي لكل ذلك، لا بل لا داعي لان يرفع الامر للقضاء في لبنان، لتبيان إن كانت ملفات المخدرات فرية أم حقيقة، فالتهريب ليس مشكلة، بل اذاعة خبر ضبطه، هو المشكلة لانه اهانة!! و” الاهالي لا يرتضون الاهانة”.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: الجائحة والخرافة

أما مؤسسة القرض الحسن، فيكفي انه لا يمارس الربا، لكي يكون مقدسا، يعمل خارج أي قانون لبناني او رقابة مالية، أو محاسبة قانونية تفض نزاعا بينه وبين زبائنه، لا ضرورة لخضوعه لاحكام المؤسسات المالية او قانون النقد والتسليف، او للنظام الضريبي، او خضوع موظفيه لقانون العمل اللبناني، لا ضرورة لاخضاعه لموجبات القضاء اللبناني، فهذا القضاء يخصصه سماحة السيد فقط، لمعاقبة من يسيء الى رمزيته المقاومة، سواءً كانت الاساءة لهذه الرمزية، مثبتة كجريمة موصوفة في القانون، او عاطفة انصار ومحازبين!

من طهران الى بيروت لا ضرورة لكي نرضى لا أمل بأن نقتنع ما هو مطلوب فقط ان نخاف ونصمت!

مع المنظومة تلك، لا داعي لإفهامنا لماذا علينا ان نموت من اجل ايران، لا ضرورة لمحاولة كسب رضانا  وشرح ايجابيات ومحاسن الثورة الاسلامية في ايران، لا ضرورة لاستعراض الانجازات والتقدم المفترض الذي انجزته قيادة الفقيه في داخل ايران، وانعكاسات ذلك على مستوى عيش الشعب الايراني، لأن حساب كهذا سيكون فاضحا ومؤلما،ً ف”نموذج الحكومة الاسلامية الخمينية” الذي زعم لنفسه أن ينصف المستضعفين والمحرومين، وأن يقيم نظام العدالة والرعاية من بيت مال المسلمين، أنتج تزايدا في أعداد الجياع والفقراء (١٦ مليون) ومدمني المخدرات (١،٥ مليون ) والمشردين والخارجين عن القانون (٦٠٠ ألف)، واحدث كارثة حين بدد نخب ايران العلمية والثقافية وهجرها الى بقاع الارض، وحين قمع الاقليات القومية وطمس هويتها وثقافتها.

اضافة لكل ذلك فقد أخفق في حل مشكلة الاسكان والبطالة وفي الحد من التضخم وانهيار سعر صرف العملة الايرانية، و ادار ظهره متهربا من اغاثة منكوبي الزلازل وساكني مدن الصفيح، وفي التصدي لظاهرة الدعارة وبيع الاطفال والاعضاء بسبب الفقر.

 فنظام المرشد،  لم يستطع حل أزمات المستضعفين الذي أدعى انصافهم، ولم ينجح في تغيير نمط تبعيته للنظام الراسمالي العالمي، وتخلف عن بناء نموذج اقتصاد اسلامي مزعوم، يميزه عن أي نظام ريعي، يبيع بتروله الخام في أسواق العالم، هذا النظام ومنظومته معه، يستمر لان قبضته الأمنية ما زالت قوية ولان المؤسسة الدينية ما زالت فاعلة في جموع الناس، لكن هذا الاستمرار، شرعيته في بطشه لا في رضا الناس عنه. ولذلك من طهران الى بيروت لا ضرورة لكي نرضى، لا أمل بأن نقتنع، ما هو مطلوب فقط، ان نخاف ونصمت، فقط يكفيهم ارعابنا.

السابق
«صمت سلبي» من عون على تشكيلة الحريري..لا لقاء قريباً بينهما!
التالي
«جنوبية» يكشف الرواية الكاملة لفضيحة اللحوم المدعومة!