حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: الجائحة والخرافة

حارث سليمان

بعد أكثرِ من مليونٍ ومئتي الفَ ضحيةٍ، قضوا في وباء كورونا، من أصل ٧٧ مليون نسمة أصابهم فيروس الCOVID 19، واحتاج منهم الى العلاج داخل المستشفيات، ما لا يقل عن ثمانية ملايين شخص في كل أنحاء العالم، وتضرر الاقتصاد العالمي وتراجع النمو فيه، وشهد العالم حسب تقرير البنك الدولي انكماشا اقتصاديا شبه شامل، فلم يتعدى معدل النمو في شرق آسيا والباسيفيك 0.5%، أما جنوب آسيا فقدت شهدت إنكماشاً ونمواً سلبياً بلغ 2.7%، فيما بلغ الانكماش في منطقة افريقيا جنوب الصحراء  2.8%، أما في منطقة الشرق الاوسط وشمالي افريقيا فبلغ الانكماش 4.2% كما بلغ في اوروبا وآسيا الوسطى4.7% وفي اميركا اللاتينية 7.2%، ومن المنتظر ان الانكماش سيخلق اتجاها معاكسا للتقدم وانجازات سنين التنمية، وسيضع عشرات الملايين من البشر في لجة الفقر المدقع.

كما ساهم الوباء بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي (PIL) في دول متقدمة، حيث وصل الانخفاض إلى ٤٪ في ألمانيا و١١٪ في إيطاليا، مع فقدانها لِـ ٥١٥ ألف فرصة عمل عام ٢٠٢٠…وقدرت منظمة العمل الدولية  هبوط ساعات عمل ،وصل الى ٦،٧ ٪ من ساعات العمل في العالم، أي ما يوازي ١٩٥ مليون فرصة عمل ضاعت وفُقدت…. اما في الولايات المتحدة الاميركية فقد انهار الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي بلغ 32.9٪ في الربع الأخير من هذه السنة ، وهو أعمق انخفاض في الناتج منذ أن بدأت الحكومة في حفظ السجلات في عام 1947. 

وبلغ عدد العاملين الذين تلقوا تعويضات بطالة ٣٠ مليون ومئتي الف اميركي في الاسبوع الذي ينتهي في ١١ تموز ٢٠٢٠وانخفض الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي بنسبة 9.5٪ في الربع الأخير. وانكمش الإنتاج بنسبة 10.6٪ في النصف الأول، وانخفض مستوى الناتج المحلي الإجمالي إلى المستويات التي شوهدت لآخر مرة في الربع الأخير من عام 2014. فيما أبقى البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة بالقرب من الصفر وتعهد بمواصلة ضخ الأموال في الاقتصاد.

إقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: عقارب الوقت القاتلة في لبنان

ويقول الاقتصاديون إنه لولا الحزمة المالية التاريخية التي تبلغ نحو 3 تريليونات دولار( ٣ الاف مليار$)، لكان الانكماش الاقتصادي أعمق. فقد أمنت الحزمة للشركات المساعدة في دفع الأجور ومنحت ملايين الأمريكيين العاطلين عن العمل علاوة أسبوعية بقيمة 600 دولار، وقال جوس فوشر، كبير الاقتصاديين في PNC Financial في بيتسبرغ: “فقد عشرات الملايين من العمال وظائفهم خلال الأشهر القليلة الماضية وظلوا عاطلين عن العمل ، وتباطأت وتيرة التحسن في سوق العمل”.

والجدير ذكره أن هذه المدفوعات البالغة 600 دولار تضيف حوالي 75 مليار دولار شهريًا إلى دخل الأسر ، في وقت انخفض فيه الدخل من العمل. إن خسارة كميات هائلة من الدخل الناتج عن البطالة في المدى القريب ستكون عبئًا كبيرًا على الإنفاق الاستهلاكي “.

تداعيات الوباء

لم تنحصر نتائج الوباء في التداعيات على الاقتصاد الكلي، بل أدّت الى الحد من حركة الأفراد وتقييد النشاطات التجارية والصناعية، والى إلغاء كل الأنشطة الرياضية والثقافية، وكذلك إغلاق المدارس والجامعات والمعاهد واستبدال التحصيل العلمي المباشر بِالتعليم عن بُعد، فتدنت حركة المطارات والنقل العام، والمطاعم والملاهي والإستراحات، وتقلص ميزان التبادل التجاري بين دول العالم، وازدادت أعداد طالبي المساعدات الاجتماعية والصحية، فيما انكشفت هشاشة الانظمة الصحية والاستشفائية في الانظمة الليبرالية التي انسحبت فيها الدولة من دورها الرعائي لصالح القطاع الخاص، واستعادت الدولة دورها التدخلي ووظائفها التي انسحبت منها، بعد صعود النيوليبرالية ، في مجالات الصحة والطبابة والبحث العلمي والخدمة الاجتماعية والتمويل واعادة توزيع الثروة على الفئات الاجتماعية الخ…

قد لا يكون كافيا ما ورد اعلاه، لرصد تداعيات الجائحة ونتائجها العميقة على كل مجالات الكوكب وبناه السياسية والاقتصادية والتربوية والصحية، وهي موضوعات ستأخذ مساحات لا يمكن حصرها بتاتا، لا في الوقت أو الزمان، ولا في المجال أو القطاع، ولا في الجغرافية السياسية أو المكان، لكنها أمثلة ذات دلالة على عمق هذه التأثيرات وشموليتها ودوامها حتى بعد انتهاء الجائحة.

ما يسترعي اهتمامي، ليس ما سبق، بل هو قيام وعي عالمي على مستوى الكوكب، يتابع الجائحة، ينصت لأخبار انتشارها، يناقش أسبابها، يقارن الاجراءات لمواجهتها، ويترقب نتائج البحوث العلمية لاكتشاف دواء فعال لعلاجها، أو اختراع لقاح للوقاية منها، ويشترك في هذه الندوة الكونية كل سكان الكوكب، بكل اختصاصاتهم العلمية والثقافية، وعلى مختلف معتقداتهم الدينية ومناهجهم الفكرية، وبتعدد هواجسهم ومخاوفهم، وعلى تنوع تجاربهم وخبراتهم الحياتية، اناس يتمتعون بذكاء وعلم واختصاص، اخرون لا يجيدون الا اعمالهم ولا يهتمون الا بهواياتهم، مثقفون وايديولوجيون من شتى المشارب، رجال دين وفلاسفة، جامعيون ومهنيون وفنانون مبدعون، أميون  وحتى أغبياء، لا قدرة لهم لا على القراءة ولا على فهم ما يقال سماعا الخ… الجميع ينخرطون في ندوة عالمية واحدة يتولى ادارتها علماء حقيقيون واطباء عالميون، كيميائيون وعلماء اوبئة بيولوجية، انها ندوة ثقافية علمية وفكرية غير مسبوقة في التاريخ،  دعا اليها كائن حيوي مجهري اجتاح الكوكب.

تضارب النظريات حول أصل الفيروس

في الندوة هذه تضاربت النظريات التي تبحث عن أصل الفيروس وطبيعته والغاية من وجوده ؛ وتعددت التفسيرات بتعدد الجهات:

  •  جهة اولى قالت أنه نتيجة سلاح تمت صناعته في مختبر ليكون اداة اخضاع لعدو مفترض.
  • جهة ثانية قالت أنه نتاج تقاطع بيولوجي بين حيوانين ادى الى تهجين فيروس جديد، في نظام غذاء صيني يفتقر الى الوقاية والحذر.
  • جهة ثالثة قالت انه خطأ بشري أو نقص في اجراءات الامان حدث في مختبر اوبئة علمي، ادى الى خروجه الى عامة الناس وانتشاره.
  • جهة رابعة قللت من شأن الكائن المجهري واعتبرت تأثيراته لا تتعدى تأثيرات رشح اعتيادي واتهمت الضجة العالمية حول خطورته بأنها حملة دعائية مهمتها مشبوهة وتريد تحقيق اهداف أخرى.
  •  جهة خامسة اعتبرت ان الفايروس لا وجود له ولكن الاعراض التي تصيب البشر وتنقلهم الى المستشفيات هي مرتبطة بتطبيق الجيل الخامس من انظمة الاتصالات والتي تسمى G5 طبعا لم يتعب احد من هؤلاء نفسه، بتفسير كيف ينشئ نظام اتصالات، لم يعمم تطبيقه في الارض، التهابات رئوية وتخثرات  دموية.

لم تعد الجائحة وباء مرضياً بل سلاحاً وأداة تدجين

على أساس هذه التفسيرات صدرت آلاف التصريحات والمقابلات ونشرت مقالات وشهادات، مرة لإثبات ان الفيروس مؤامرة وسلاح يريد استعماله طرف ضد طرف آخر، بعضهم اتهم بذلك أميركا، اخرون اتهموا الصين، والقليل اتهم مختبرات فرنسية،هكذا لم تعد الجائحة وباء مرضياً بل سلاحاً وأداة تدجين !؟ لكن من يريد أن يدجّن من؟ هل أميركا تريد أن تدجّن الصين ؟ أم أنّ الصين تريد تدجين الكوكب؟ 

هل هناك طرف اقوى من دول الصين وروسيا واميركا واوروبا مجتمعة، لكي يتسبب بكارثة في كل هذه البلدان، وينجو بفعلته، وهل هذه الدول لا تملك أي معرفة لتدافع عن نفسها!؟

 أصحاب النظريات هذه لا يملكون أي إجابة، لكنهم ينتقلون من إتهام لآخر، فالكثير من الأشرطة التي عرضت، والمعلومات التي قيل أنها علمية، لا تتعدى ترهات وخبريات بعض من يعرضها، لا يميًز بين السارس او الـcovid-2 والـcovid-19 ، وهي تنطلق إما من نظرية المؤامرة وإما تنتمي لمنطق القطيعة مع كل ما هو غربي ، أو من جهات مهووسة برفض كل تقدم علمي، والتعويل على الخرافة والغيب في مواجهة الوقائع، أو بخوف وسواسي من كل جديد. 

أصبحت صناعة اللقاح تُهمة تستوجب الادانة، فهل صانعو اللقاح مؤسسات أشرار؟

فعندما غزا الوباء الكوكب كاملاً ودولَه واطرافه كافة، تحول الاتهام من شبهة حول الدول، الى شبهةٍ حول الشركات، ونال “بيل غيتس” ساحر المعلوماتية الحديثة ، مرتبة المتهم الاول في مواجهة البشرية جمعاء، لا لذنب اقترفه او أثم ارتكبه، بل لأنه تبرع بمبلغ كبير لدعم الابحاث العلمية المخصصة لمواجهة الجائحة وصناعة دواء او لقاح مضاد لها. 

بطرفة عين، أصبحت صناعة اللقاح تُهمة تستوجب الادانة، فهل صانعو اللقاح، ك بيل غايتس كما يروج زورا ، أو شركة بفايزر او شركة مودرنا او مختبرات روسيا او العدد غير القليل من الشركات الهندية والصينية التي طورت لقاحات متعددة (٢٤ لقاح قيد الانطلاق)، هي مؤسسات أشرار فرضت خياراتها على أكبر عشرين اقتصاد في العالم؟ 

وهل هذه الشركات مجتمعة هي اقوى من اقتصادات الدول العشرين في العالم التي  وصلت خسائرها المالية نتيجة الفايروس الى ٤٠ الف مليار دولار اميركي حتى الان؟

اجتاح الوباء العالم وتبين أن الفيروس حقيقة تقتل ضحايا و موتى، وتنهك مرضى وليس وهما، فانتقل الهجوم من الاتهام بصناعة الفيروس وتخليقه الى التشكيك بهدف اللقاح والغاية منه وفعاليته!

الخوف هو الشريحة المدمّجة في كل بشريّ، قبل الجائحة وبعدها

عقل المؤامرة نفسه يروج لفكرة جديدة هو ان اللقاح يحتوي شريحة الكترونية تستطيع ان تكشف لجهات خارجية، كل معلومات حاملها الشخصية، وكل مكوناته البيولوجية وتحركاته وانفعالاته، وان اللقاح سيكون إجباريا لكل بشري، بحيث يصبح الكون  والبشرية مكشوفان لصاحب الشريحة ومطلقها!!

الأمر زائف وكاذب لكنه مخيف!  طبعا والخوف يُذهِبُ العقلَ والمنطق، والمذعورُ شخص يمكن دفعه الى أي خيار، الخوف هو الشريحة المدمّجة في كل بشريّ، قبل الجائحة وبعدها، والخوف على مدى التاريخ والحاضر، بَرَعَ في استعمالِه كلُ طغاةِ العالم ورموز العنصرية، للسيطرة على شعوبهم وتأبيد سلطاتهم، والخوفُ اذا ما تم تفعيلُه في انسان بشريّ، سَهُلَ اقتيادَه، دون حاجة لشريحة الكترونية للسيطرة عليه، الخوف كاف دون شريحة لأنه شريحة بحد ذاته.

ولكن هل علينا أن نَخاف الوباء، أم نخاف اللقاح، أم نخاف الخرافة ومطلقيها، تلك هي المسألة؟

العلوم لا تقبل التأويل، والعِلم طوّرَ دواءاً للكورونا، وهو في طور الظهوربعد استعماله من الرئيس ترامب، كما اخترع له اللقاحات المتعددة، لا تُكتشف الحقيقة العلمية باكثرية الاقتراع،  لأن العلم نخبوي، فابن رشد وغاليلو وكوبرنيك ولافوازييه واينشتاين لو خضعوا لاستفتاء العالم، ولرأي العامة بهم، لتم نكرانهم واضطهادهم، فقد وصف ابن سينا بإمام الملاحدة، وغاليلو سجن حتى مات  وهو يصر ان الارض تدور.

اعتاد الناس أن يسلموا دون نقاش بما يقوله رجال الدين، لكن رجال العلم هم من يضع الحقائق ويكتشفها، وليس من حق الاخرين، من غير العلماء، اذا لم يفهموها او يقتنعوا بها، ليس من حقهم ان يناقشوها، والاولى أن يسلم الناس بما يقوله العلماء.

الفيروس حقيقة وليس مؤامرة ومواجهته بالعلم وليس بالخرافات

كتب صديق لي على صفحته في الفايسبوك: ( إحتاج العالم المسيحي الى الفي سنة و٢٦٠ بابا، ليأتي البابا فرنسيس (المميز والمنفتح) ويكون اول بابا يخضع لسلطان العلم… بالأمس اعلن ان نظرية التطور حقيقة …..والشهر القادم سيتلقى لقاح كورونا …،المرض يحتاج الى علاج او لقاح… وبالتأكيد لا يحتاج شفاعة قديسين ولا ادعية ولا الى نصوص دينية لم تشفي يوماً مريض) !.

وعلى كلام صديقي أضيف ؛ الفيروس حقيقة وليس مؤامرة ومواجهته بالعلم وليس بالخرافات او بهواجس الخوف والذعر، واذا كان هناك من مؤامرة فهي حقا عقلية التخلف والشعوذة والخرافة، طبعا سأقبل اللقاح دون تردد فور توفره.

السابق
ضربة إيطالية موجعة لـ«حزب الله»: 15 طناً من المخدّرات التابعة للحزب بقبضة الشرطة!
التالي
مسروقات بآلاف الدولارات في جويا الجنوبية.. عُثر عليهم تحت الأرض!