مهند الحاج علي ينعى عمه باسم..خطفته الجائحة بأيام معدودة مني!

معالجة مريض كوفيد 19 الناتج عن فيروس كورونا

نعى الناشط السياسي في ثورة 17 تشرين مهند الحاج علي عمه باسم والذي قضى بفيروس “كورونا”.

وقال الحاج على صفحته عبر “الفايسبوك”: بعد وفاة جدي غالب قبل ٢٧ عاماً، انتقلت للإقامة في منزل عمّي باسم. كان الرجل قوياً صلباً يجمع في سماته بين أبطال أفلام الوسترن، لجهة الشجاعة بلا ضوابط، وبين الجنتلمان الإنكليزي في هندامه وسلوكه اليومي.

لم أكن قريباً منه حينها، بل كنت أراقبه بحذر وخوف. لكنه كان حريصاً على معاملتي بالمثل مع أبنائه، مع استثناءات كان فيها يُعانقني ويقبلني كلما ذكرته بوالدي، شقيقه الأكبر الذي تُوفي شاباً. كانت تلك اللحظات جائزتي الدائمة والمحببة الى قلبي.

مرّة دخل الى غرفتي في منزله، ووجدني أستمع الى مرسيل خليفة. استشاط غضباً وصادر الكاسيت، ووجد كتباً كنت اشتريتها من دار الفارابي بينها المادية الديالكتيكية (نخبة من المؤلفين السوفييت).

إقرأ أيضاً: نصرالله ينتقد تحقيقات المرفأ..«ضربني وبكى وسبقني وإشتكى»!

هدأ ثم استدعاني الى غرفة الجلوس، وبدأ يروي لي أيام دراسته في “فيكتوريا كولدج” بالإسكندرية، وكيف أن مدينة متوسطية جذبت طاقات العالم وأفكاره وأحلامه، أُفرغت من كل شيء.

الاشتراكية لم تكن إعادة توزيع الثروة ولا العدالة الاجتماعية، “ولا بلوط”، بل وسيلة نخبة عسكرية للاستيلاء على السلطة.

والنخب الجديدة أكثر شراهة في نهب المال العام وتركيز الثروة في أيادي معدودة مما سبقها. بالنسبة له، ودّع الملك فاروق من يخته، عالماً يتهاوى دون توقف.

طبعاً، كان يتحدث الى حائط، لم يعن لي كلامه شيئاً. كان السلطة، وأنا المعارضة. إن أحب الملكية المصرية، كُنت ناصرياً حتى النخاع. وإذا دافع عن الشاه وبرنامجه الإصلاحي، الثورة البيضاء، صرت خمينياً وقرأت مرتضى مطهري وعبد الحسين دستغيب.

أحياناً يضحك ويُذكرني بأنه كان هكذا مع والده، جدي محمد غالب، على نقيض وفي صراع متقطع.

هذا النقيض كان تقليداً عائلياً، جزء من ارثنا. مضت سنوات عديدة حتى تصالحت معه بالسياسة. وهذه قصة أخرى. ولم تكن السياسة وحدها تضعنا على طرفي نقيض، بل الطباع أيضاً.

لم أسمعه يوماً يشكو أو يُظهر أي ضعف أو خوف، ناهيك عن البكاء. هذه الصلابة لم أمتلكها إذ أنني من البكائين دوماً.

ولو كان البكاء رياضة، لكنت بطلاً كونياً بلا منازع، نظير كاسباروف في الشطرنج أو بيليه في كرة القدم. أبكي لا إرادياً في الأفلام وأمام القصص الإنسانية وأمام نشرات الأخبار وفي مناسبة أو غيرها.

هذه القوة كانت تُخفي انساناً حنوناً عليّ وعلى شقيقي حتى آخر رمق. كان طيباً معنا نحن، ومع آخرين حوله من الأصدقاء والأقارب، يلجأون اليه عند الحاجة. منهم من أقام معنا في منزله حين تقطعت بهم السبل.

هذا الجنتلمان كان يمشي وظهره منتصب وكأن فيه لوحاً من الخشب، وبخطى ثابتة ومحسوبة.

كان ابن عمي نائل يشكو دوماً أن ما من مجال لأن ننال انذاراً مبكراً في حال كان قادماً، إذ يُباغتنا فجأة كالسحر. من الصعب سماع خطواته، وكُنت أتخيله هو ويمشي بهذه الخطى السحرية وكأنه يسحب السجادة فتلتف وراءه.

هكذا خطفته الجائحة بأيام معدودة مني، يوم أمس، ولفّت معه بعضاً كبيرة من قلبي الذي يبكي، يبكي كثيراً يا عمّي باسم، يا حبيبي”.

باسم الحاج علي
باسم الحاج علي
السابق
نصرالله ينتقد تحقيقات المرفأ..«ضربني وبكى وسبقني وإشتكى»!
التالي
القرض الحسن: «بنك حزب الله الأسود»..تحركات وخطط مريبة في لبنان!