حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: لا فدية.. احتفظوا بالرهينة أو اقتلوها!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

شدد الرئيس الفرنسي ماكرون في افتتاح “مؤتمر المساعدات الانسانية لدعم الشعب اللبناني” على أن دعم فرنسا “لا يمكن أن يأتي عوض دعم السلطات اللبنانية ولا يمكنه أن يستبدل ضرورة تشكيل حكومة”، وأضاف: “20 بالمئة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر (…) وعلى الساسة اللبنانيين تشكيل حكومة جديدة لتنفيذ الإصلاحات وإلا لن يحصل لبنان على مساعدات دولية”، مؤكداً عدم التخلي “عن ضرورة القيام بالإصلاحات وعن التحقيقات في انفجار المرفأ” وكانت باريس، خلافا لبعض التسريبات الاعلامية، قد سلّمت الحكومة اللبنانية صور “الأقمار الصناعية عن انفجار المرفأ.

اقرأ أيضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: «عودة الثقة».. بعد العدالة أم الثأر!؟


وقد استجابت 27 دولة و10 منظمات دولية وممثلون عن المجتمع المدني في لبنان لدعوة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مؤتمر المساعدات الانسانية لدعم الشعب اللبناني والمناطق اللبنانية المنكوبة بعد انفجار المرفأ الذي أدى إلى سقوط 200 قتيل وحضر المؤتمر الذي عقد عبر الفيديو 12 رئيس دولة ورئيس حكومة، بينما تمثل الحضور العربي بالعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، إلى جانب مشاركة كل من مصر والعراق والكويت وقطر والامارات. وقد مثل السعودية نائب وزير الخارجية، فيما تمثلت الإمارات بسفيرها في باريس، رغم مشاركة عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات.

الدولة اللبنانية وحش الذي لم يعد يمكن التحكم به


وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية بلهجة استياء: “لا شيء بدأ تنفيذه مما هو مطلوب من المسؤولين اللبنانيين، لا على صعيد إصلاح الطاقة ولا القضاء ولا التدقيق في المصرف المركزي والمصارف بسبب عدم تشكيل حكومة”.
وتضمن المؤتمر اضافة لموقف الرئيس الفرنسي توجيه رسائل أممية ودولية منددة بتقاعس السلطات اللبنانية الرسمية عن تشكيل “حكومة المهمة” وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها.

ما لم تعلنه التصريحات الرسمية الفرنسية باحت به بشكل واضح وصريح افتتاحية صحيفة لوموند الفرنسية، حيث وصفت “الدولة اللبنانية بالوحش الذي لم يعد يمكن التحكم به”، مفندة التواطؤ والتعاون والتكافل بين الفساد والسلاح في لينان، مضيفة “الدولة انتهت و السلطة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في يد كارتيل أحزاب تتفنن في وضع العراقيل في وجه أي مبادرات إصلاحية تنال من إمساكها بزمام الامور”. “المنظومة المالية و” حزب الله” يتبادلان الخدمات”.. “لا هَم ّ لعصابة أحزاب السلطة الاّ الحفاظُ على نفوذها.” لكي تستنتج ما هو أكثر خطورة من أي تقييم آخر ” قريباً ،لن يعود لبنان يثير اهتمام أحد.”

ما تقدم يصف بشكل دقيق وصريح ومؤلم، نظرة وتقييم دول العالم لزعماء السلطة في لبنان وإدانتهم لهم كعصابة تدير مصالحها، وتتنكر لمصالح الشعب اللبناني وخيره العام، لكن كيف ينظر الشعب اللبناني الى سلطاته !؟

كان الفرد اللبناني قبل ” ثورة ١٧ تشرين” ينظر الى زعيمه كشخص قوي داخل السلطة، يحميه، حين يتعرض لظلامة او نائبة، ويقف الى صفه في تسهيل وتأمين طبابته واستشفائه وتعليم أولاده، ويناصره في مواجهة أي عقوبة قضائية أو إدارية، ويعينُه على دخول سوق العمل أو الترقي الوظيفي، ويتستر عليه حين يلجأ الى مخالفة القانون، ويحميه من الأحكام العقابية.

شكل الدور الايراني في دعم حزب الله وحلفائه التطور الأساس في اعادة تشكيل المشهد السياسي اللبناني

النظام الزبائني هذا، عاش طويلا قبل ان تدخل عليه تعديلات جذرية، قلبت أدوار أطرافه، بعد أن تمّ تجويف الداخل اللبناني، اقتصاديا وسياسيا، واستتباع وطن الارز، لخارج اقليمي متعدد الأطراف، فأصبحت التدفقات المالية التي تغطي ميزان المدفوعات اللبناني ترتكز على عوامل خارجية أهمها تحويلات واستثمارات المغتربين الى لبنان والمال السياسي وتقلصت مساهمة الاقتصاد اللبناني الداخلي من الناتج القومي الى حدود كبيرة، كما تضاءل تأثير كل قوة سياسية ذات طابع مناطقي ومحلي بحت، فيما تعاظمت قوة كل طرف استطاع أن يستقوي بدولة اقليمية أو دولية تمده بالدعم المالي واللوجستي، فيما شكل الدور الايراني في دعم حزب الله وحلفائه، التطور الأساس في اعادة تشكيل المشهد السياسي اللبناني، وتمركز السلطة والامساك بها، فباتت الحياة السياسية معلقة بروافع اقليمية تربطها بالخارج، وظهر كل طرف سياسي لبناني معلق برافعة اقليمية تحدد سلوكه وحراكه، كما تكشفت أن قوة أي طرف لبناني داخلي، مرهونة بقوة حامله الاقليمي وحرص الراعي الاقليمي على رفع منزلته وقوته، أو تخفيض أهميته وانزاله الى مستوى أدنى في التوازنات المتحركة.

منذ ٧ ايار سنة ٢٠٠8 بدأت مسيرة حزب الله للإمساك بمفاتيح السلطة اللبنانية


منذ ٧ ايار سنة ٢٠٠8 بدأت مسيرة حزب الله للإمساك بمفاتيح السلطة اللبنانية، وتطويع وإخضاع أطرافها وتتوّجَت هذه المسيرة، بالتسوية الرئاسية التي أوصلت الجنرال عون الى سدة رئاسة الجمهورية، التسوية تلك صنعت قانون انتخاب، يتذرع باسترجاع “حقوق مسيحية مفترضة”، ليقوم باعطاء قائد فيلق القدس في ايران قاسم سليماني، اكثرية من ٧٢ صوتا في مجلس النواب اللبناني، وهي اكثريةٌ تحمي سلاح حزب الله وتُشرعه، وتُمكن حزب الله من تشكيل حكومات، قرارها بيده ورحيلها بيده، التسوية تلك إنخرط فيها طوعاً، طمعاً أو إضطرارا احزاب ما سمي بتحالف ١٤ آذار ، والكلام المكرر عن عدائها ل حزب الله، أو ربط النزاع معه، هو كلام للاستهلاك، فيما الحقيقة، انها ارتضت تغطية سلطته وهيمنته على لبنان، وقامت بتبرير ذلك تارة باعتبار حزب الله وليس الطائفة الشيعية مكوناً لبنانياً أساسياً، لا يُمكن قيامَ سلطةٍ لبنانيةٍ من دون رضاه أو بركته، وطوراً باعتباره مشكلة إقليمية وليست لبنانية، بحيث يكون حلها من واجبات دول الاقليم أو العالم فيما تطرب السلطة وأطرافها لأغاني الوحدة الوطنية واستمرار السلم الاهلي، وتتمتع باقتسام عائدات مالية غير مشروعة، وصفقات فساد مكشوفة، وسمسارات تعهدات مريبة، حيث نهبت المال والاملاك العامة وبددت مدخرات المودعين المالية في النظام المصرفي اللبناني ووضعت مستقبل لبنان وشعبه في مصير أسود ومخيف.

القرار الاستراتيجي بحزب الله هي لشخصيات تحمل الجنسية الايرانية


من المسلم به أن هويات أعضاء حزب الله هي هويات لبنانية، وأن المجتمعات التي يتعاملون معها ويعيشون في كنفها، هي مدن وقرى لبنانية، وهو أمر ينبري للتذكير به بحماسة كبيرة كل أطراف المنظومة السياسية في حواراتهم داخل لبنان وخارجه، ما يتجاهله أو ينكره هؤلاء حقائق ثلاثة، أولها هو أن ميثاق حزب الله او نظامه الاساسي يعتبر دفاع حزب الله (باعضائه اللبنانيين )عن الجمهورية الاسلامية الايرانية هو واجب مقدس، وثانيها أن أوامر المرشد الايراني كلها هي واجبة التنفيذ دون نقاش، والأمر الثالث وقد يكون أفدحها ضررا؛ هو أن أكثرية قيادة حزب الله، أي أكثرية مجلس شورى القرار الاستراتيجي فيه هي لشخصيات تحمل الجنسية الايرانية. انطلاقا من هذه الوقائع يصبح مفهوما إعلان السيد نصرالله أن كل إمكانيات حزب الله مصدرها إيران، وتغدو لبنانية هويات أعضاء حزب الله شأناً ثانوياً، ويصبح دور الحزب وأجندته السياسية والعسكرية وخياراته في الأزمات والمفاصل السياسية، تصبح جميعها قرارات ايرانية تندرج في الصراع التي تخوضه ايران في الاقليم حول ملفها النووي ونفوذها الاقليمي وتمددها في دول المشرق العربي وصولا لليمن، ويتحدد دور الحزب كطرف ما فوق لبناني يلعب وظيفة رأس حربة في المشروع الايراني الاقليمي.


على ضوء هذا الواقع يرتب حزب الله أولوياته، اذا وقع الحصار على إيران لا بأس بان يشمل هذا الحصار لبنان، لأن الافضل أن يواجه الحصار لبنان وإيران معا، اذا انهارت العملة الايرانية والسورية مقابل الدولار الاميركي، فلا خوف أن تنهار ليرة لبنان، لان لبنان وإيران وسورية سيواجهون إنهيار عملاتهم معا، اذا ندرت البضائع والأدوية والمحروقات في ايران وسورية، لا بأس ان تصيب الأزمة لبنان، لأن أيران وسورية ولبنان، سيتكاملون لتلبية احتياجاتهم معا، اذا نضبت دولارات سورية وإيران نتيجة عقوبات الرئيس ترامب وقانون قيصر، لا بأس فاحتياطات مصرف لبنان يمكن أن تستعمل لحاجات لبنان وسورية وإيران معا، لا فارق اذا تم ذلك تهريبا يرعاه ويحميه على الحدود، او اذا قيل ان قسماً من احتياط مصرف لبنان يعود لمودعين سوريين، فالتهريب ليس صدقة لبنانية وإنّما دَيْن يستوفى.

حكومة حسان دياب كانت لربط ساحات الصراع لمحور الممانعة وخوض الصراع معا


لم تكن حكومة د. حسان دياب إلاّ لتنفيذ هذه الأجندة الإقليمية والخيارات الإقليمية، أي ربط ساحات الصراع لمحور الممانعة وخوض الصراع معا، مع إستدراج عروض دولية للوساطة من جهة ( فرنسا ولا بأس بإدخال ألمانيا) وإعداد المسرح السياسي لإعادة تفاوض ايران مع دول الغرب حول ملفها النووي وعقوبات اميركا نتيجتها، وكان كل ذلك يقتضي انتظار جهوزية اميركا لذلك وما زال الإنتظار قائما لحينه وقد يدوم طويلاً.

لم تكن الاجندة اللبنانية التي تلخصت بمطالب محددة تمثلت بالإصلاحات البنيوية في الكهرباء والاتصالات والقطاع العام، وإعادة جدولة الدين العام والاتفاق مع البنك الدولي واعادة رسملة النظام المصرفي وتنقيته، وإطلاق آليات رقابية وقضائية لمحاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، لم تكن هذه الأجندة اللبنانية لإنقاذ شعب لبنان في بال إيران أو في بال ذراعها اللبناني، لذلك لم يكن للوقت أي قيمة في عمل أي مسؤول في السلطة، من رئاسة الجمهورية الى أي وزير في حكومة دياب، وصولا الى بواب العنابر التي خزنت بها المساعدات العربية بعد انفجار المرفأ وجرى إتلافها، لم يكن في بال هؤلاء جميعا لا قيمة الوقت ولا برنامج الانقاذ ولا ولادة حكومة تتولى المهمة.

مرة أخرى يلتزم حزب الله بمسلماته عندما تصبح ايران بخير سيكون حزب الله بخير


كان في بال من يمسك القرار في لبنان أن يستدرج ماكرون لينطلق بمبادرته اللبنانية، كباب للذهاب الى ايران وفتح الطريق لاستعادة الحوار حول الملف النووي، وكان سد الابواب امام “حكومة المهمة” التي يلح في طلبها الرئيس الفرنسي والمجتمع العربي والدولي، محاولة لإحراج رئيس فرنسا وابتزازه لتصبح مبادرته لبنانية اقليمية لا تفرج عن لبنان كرهينة، بل تفتح الطريق لرفع العقوبات ولو جزئيا عن إيران، أو تمهد الطريق مع الاميركي.


مرة أخرى يلتزم حزب الله بمسلماته؛ عندما تصبح ايران بخير سيكون حزب الله بخير، وكلما زادت ألام شعب لبنان وتعمقت أزمات جوعه وإفلاسه وخرابه، كلما زاد احراج المجتمع العربي والدولي، وتكررت مبادراته، التي قد تصل الى حل أزمة ايران ولبنان معاً، أي انقاذ الخاطف والرهينة الواهنة معا.
لبنان في مأزق لان العرب والغرب ما زال موقفهم : لا فدية.. احتفظوا بالرهينة.. أو اقتلوها!.

السابق
زلازل واغتيالات.. هذا ما توقعته كارمن شماس لنهاية العام 2020!
التالي
بضمانة روسية.. الأسد يوقّع إتفاق سلام مع إسرائيل!