أسعار الخضار تحلق.. وفقراء لبنان يتوجسون من المجاعة!

بائع خضار في مخيم شاتيلا في لبنان يرتدي كمامة للوقاية من فيروس كورونا (رويترز)

تضرب وفاء سبيتي كفا بكف حين يخبرها جارها “الخضرجي” في أحد أحياء الضاحية الجنوبية بأن سعر القرنبيطة التي إختارتها والتي تزن 3 كيلو غرام ونصف هو 18 ألف وخمسمائة ليرة لبنانية، وتبدو على وجهها آثار الصدمة وتهم للقول له بأنها لن تشتريها لكنها تعدل عن ذلك خجلا، لكنها تفسر لـ”جنوبية” أن سبب صدمتها هو الكلفة المفترضة التي ستتكبدها لقاء تحضير وجبة المقالي (البطاطا والباذنجان والقرنبيط) بالاضافة إلى جاط الفتوش لعائلتها  المؤلفة من خمسة أشخاص، والتي كانت لا تتجاوز قبل الازمة الاقتصادية 30 ألف ليرة، في حين أنها ستكلفها حاليا نحو 100 ألف ليرة (من دون إحتساب المكونات الموجودة في البيت مثل الزيت والخبز…) في الوقت الذي يتقاضى زوجها الموظف مليونان و 200 ألف ليرة شهريا.

تضيف:”أنا أعيش في منطقة شعبية حيث من المفترض أن تكون الاسعار معقولة، فكيف الحال إذا في المناطق الاخرى وإلى متى يمكن أن نستمر على هذا المنوال نقضي أيامنا بإحتساب إذا كان يمكننا  شراء ما يسد جوعنا فقط من دون التفكير بمستقبلنا ومستقبل أولادنا؟”.

حال وفاء يشبه حال معظم العائلات اللبنانية التي إستغنت عن كل ما يسمى الكماليات أوالترفيه وحتى الملابس (ما عدا الضروري منها) منذ إندلاع الازمة وبات تركيزها على ماذا ستأكل وهل يكفيها الاموال التي تجنيها لشراء الطعام إلى آخر الشهر، مع الاشارة إلى أن إرتفاع أسعار المواد الغذائية مستمر بالرغم من إنخفاض نسبي في سعر الدولار الاميركي في السوق السوداء وفي ظل الدعم المقدم من الحكومة للتجارالمواد الغذائية واللحوم  والمزارعين، وأيضا في ظل جولات وزارة الاقتصاد على السوبرماركت والمحال التجارية، إذ يبدو أن كل هذه الاجراءات لم تمنع من إكتواء المواطن اللبناني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بنار غلاء المواد الغذائية بكل أنواعها وكأن كل جولات المسؤولين التي نراها على شاشات التلفزيون ونسمع عنها تجري في كوكب آخر، ولا يبقى أمام المواطن إلا خيار شراء الحد الادنى من أصناف الغذاء لسد جوعه وجوع عائلته، فما سبب هذه الهوة وهل يصل الدعم إلى التجار والمزارعين لكنهم يصرون على تحقيق أرباح خيالية، أم أن الرقابة الحكومية لا تعمل إلا تحت أضواء الكاميرات وشاشات التلفزة؟

جولات رسمية

تجدر الاشارة أيضا  إلى أن المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد ابو حيدر، جال خلال هذا الاسبوع على عدد من السوبرماركت، يرافقه رئيس نقابة السوبرماركت نبيل فهد ورئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية والاستهلاكية والمشروبات هاني بحصلي، وذلك للتأكد من تخفيض اسعار السلع والمواد الغذائية وشدد ابو حيدر على أن “الوزارة تعمل لصالح المستهلك وخدمة الناس التي تصرخ من ارتفاع اسعار السلع والمواد الغذائية بسبب تلاعب الدولار الاميركي، وجولتنا لمراقبة الاسعار منعا للاستغلال واحتكار السلع بعد التقلبات الحادة لاسعار الدولار الاميركي”.

إقرأ أيضاً: تنكيل بالجمعيات والمُستقلين جنوباً..وتزامن مناخي و«كوروني» يَعصف باللبنانيين!

وأشار أبو حيدر الى أن وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الاعمال راوول نعمه “تقدم بمشروع قانون لتعديل قانون حماية المستهلك لتتمكن الوزارة من فرض رسم المخالفة فورا لان هدفنا حماية المستهلك، ونأمل ان تتابع الحكومة المقبلة لاقرار هذا القانون لما له من اهمية في تطبيق القانون وحماية المستهلك”، موضحا أن “المدعي العام المالي يواكب وزارة الاقتصاد والتجارة، وقد أحلنا اليه مخالفات عدة”، وأكد أن “البلديات وانخراطها في عملية الرقابة ضروري، وتتم دورات تدريبية للكوادر التابعة لعدد من البلديات”.

أرض الواقع مختلف 

 مقابل هذه التصريحات الرسمية يفسر رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم الترشيشي لـ”جنوبية” أسباب هذه الهوة بين ما يقال رسميا وما هو موجود على أرض الواقع، فيقول: “ارتفاع الأسعار مرتبط بالدولار، كون المزارع اللبناني يشتري كافّة البضاعة من اسمدة، أدوية وبذور بالعملة الأجنبيّة مما جعل الكلفة لدى المزارع مرتفعة، لذلك بات هناك هوّة بين كلفة الإنتاج وقدرة المستهلك لشراء المنتج”، مشددا على أن “الدعم لم يكن صحيحاً اذ كان يركّز على تقليل كلفة الإنتاج المستورد كالشعير، القمح، الذرة، الفاصوليا، الحمّص والعدس، وذلك لا يشجّع المزارع انّما يقضي على هذه الزّراعات، بينما يجب ان يركّز على دعم البذور، الأسمدة والأدوية، والخطأ هو بطريقة الدعم، وبصرف الأموال التي لا تحصى ومن دون اي رقابة، وحدها المافيات من تستفيد منه”.

ترشيشي لـ”جنوبية”: طريق الدعم خاطئة والمافيات وحدها  تستفيد 

 يؤكد ترشيشي أن “هناك هوّة واسعة بين كلفة الإنتاج وقدرة المستهلك الشرائية، وذلك بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار،  ونرى المزارع يشتكي من ارتفاع كلفة الإنتاج وكذلك المستهلك من غلاء الأسعار. والقطاع لم يستفد من سلة الدعم ولا المزارع بشكل مباشر، ومن الممكن أن يكون استفاد عدد ضئيل منهم والنافذون، إلا أن ذلك لم يترك أثراً إيجابياً لتخفيض الكلفة وسعر المبيع النهائي. وحالياً فوق ال 50بالمئة من المزارعين هجروا القطاع، لذلك لوحظت ندرة بعض الأصناف مقابل ارتفاع الطلب”، مشددا على أنه “يخطئ كلّ من يظنّ أن التصدير سبب ارتفاع الأسعار محلّياً، لأنه يقوم على خمسة أصناف أساسية متوافرة بكثرة في الأسواق اللبنانية (البطاطا والحمضيات والعنب والتفاح) وعدم تصديرها يعني القضاء على القطاع الزراعي وفقدان دورنا الريادي في الأسواق الخارجية التي تتّكل منذ سنوات طويلة على إنتاجنا، إلى ذلك نحن بحاجة إلى هذه الأسواق وليس العكس، فبقاء البضائع في لبنان لا ينعكس انخفاضاً في الأسعار بل يؤدي إلى كارثة، خصوصاً وأن الكثير من الدول تقيّم ازدهار قطاعها الزراعي بناءً على الكميات المصدّرة”.

يضيف:”إعادة الأمور إلى طبيعتها لا يمكن ان يحصل في أقل من سنتين، فإما إعادة سعر الصرف إلى ما بين ال3000 وال 5000 ليرة للدولار، أو رفع الحدّ الأدنى للأجور الممكن أن يوصل إلى المزيد من التضخم، لذا من الأفضل على الدولة اتخاذ قرار بالإصلاح وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمالية، والمطلوب أوّلاً تشكيل حكومة بأقصى سرعة والانطلاق بورشة الإصلاح”، مطالبا “إعطاء وزن لوزارة الزراعة لتكون الراعية للقطاع وليس وزارة الاقتصاد، وضمّها إلى الوزارات السيادية، لأنها تهمّ أكبر عدد من اللبنانيين، ولها ارتباطات مع الكثير من الوزارات الأخرى، من دون أن تكون قراراتها خاضعة لوزارة الاقتصاد، لأن سياسة الأخيرة تتناقض مع السياسة الزراعية حيث أن همّها تقديم السلعة بالسعر الأرخص للمستهلك بغض النظر عن الآلية المتّبعة، في حين يهمّ القطاع الزراعي أن يبيع إنتاجه مع أرباح قليلة تضاف الى سعر الكلفة، كي يتمكن من الحفاظ على الاستمرارية. كذلك، المفترض أن يتركّز الدعم على البذور والأسمدة والأدوية”.

رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم الترشيشي
ابراهيم الترشيشي

الحق على تجار المفرق

يوافق رئيس نقابة تجار الخضار والفاكهة محمد القيسي على أن أسعار الخضار والفاكهة في لبنان تحددها كلفة الانتاج والعرض والطلب، ويقول لـ”جنوبية” “تأسست النقابة في العام 1942 وتضم حاليا 150 تاجر يستقبلون جميع أنواع الخضار من لبنان والدول العربية وتبيعها لتجار المفرق والسوبر ماركت والمحال التجارية  مقابل عموله قدرها 5 بالمئة بعد أن يحدد صاحبها السعر الذي يريده، وبالتالي فالاسعار تخضع  لقانون العرض والطلب وليس لأي سبب آخر، وقد إقترحت على أحد الوزراء أن يطلب من تجار السوبر ماركت فواتير التي تصدرها النقابة عن أسعار بضائع التي يشترونها منها لمعرفة إذا كانوا يسيرون ضمن الهامش المقبول للربح ام لا عندها يمكن ضبط الاسعار”.

القيسي لـ”جنوبية”: لطلب فواتير أسعار التجار لتحديد هامش ربح معقول 

رئيس نقابة تجار الخضار والفاكهة محمد القيسي
محمد القيسي

ما بني على خطأ فهو خطأ

 من جهته يفسر رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور زهير برو الدوامة التي يعيش بها اللبنانيون منذ بداية الازمة بالقول لـ”جنوبية”:”الحكومة الحالية إختارت بكل بساطة طريق مغلوطة لدعم الاسعار، إذ عمدت إلى دعم التجار من المصدر بالاستيراد وتكبدت خلال العام 2020 خسارة أكثر من 5 مليار و نصف دولار  تحت شعار دعم المستهلكين و في الواقع ما قامت به هو دعم التجار الكبار والنافذين والمقربين من السياسيين بأسعار هم حددوها ولسلع لا يحتاجها الناس على الاطلاق”،لافتا إلى أن “الحكومة مثلا قامت بدعم الادوية التجارية بدل أن تدعم أدوية الجنريك (نحو 220 دواء فقط) للأمراض المزمنة و هذا ما لا تفعله حتى الدول الغنية و المستقرة إقتصاديا، فهي بكل بساطة قامت بدعم الغني والفقير والواقع أنه من غير المطلوب دعم الأغنياء مما أدى إلى فشل سياسة الدعم”.

 يضيف:”كان المفروض بها أن تسير الحكومة وفقا لما يتم عالميا أي دعم العائلات الفقيرة عبر بطاقات بالليرة اللبنانية وبحسب أفراد العائلة لأن البطاقة الدعم هو الحل ولو حصل بعض التنفيعات لكنها  تبقى محدودة ويمكن الاستعانة بالبلديات والجيش”، مشددا على أنه “لكن لم يكن هدف الحكومة دعم اللبنانيين بل دعم التجار وتم هذا الامر لمصلحة عدد صغير جدا من التجار المحسوبين على الطبقة السياسية وهذا ما أدى (إلى جانب عدم وصول المواد المدعومة إلى مستحقيها) إلى تخمة في المواد المستوردة عند العديد من التجار غير المدعومين (الصغار والمتوسطين الذين لم يستطيعوا بيع بضائعهم نتيجة سياسة الدولة للدعم) وهذا ما أدى لاحقا إلى الغش والتلاعب بتواريخ إنتاج هذه المواد من قبل أصحابها لبيعها في السوق”.

برو لـ”جنوبية”: هدف الحكومة دعم عدد صغير من التجار المحسوبين 

ويختم: “لهذا نرى شكاوى هائلة عن غش المواد الغذائية وإنتهاء مدة صلاحيتها، ناهيك عن أن اللبنانيين يخزنون في منازلهم كميات هائلة من المواد الغذائية وبالتالي خربت الحكومة بالسياسة التي إتبعتها للدعم، العلاقات التجارية الطبيعية في السوق اللبنانية وللأسف وزارة الاقتصاد والطبقة السياسية لديها خيارات مختلفة”.

زهير برو
السابق
جريمة مروّعة: دخل شقّته في البسطة كعامل صيانة وإختبأ في الخزانة لينقضّ عليه ويقتله بالمكواة!
التالي
بعد الردود القاسية من «المستقبل».. «القوات» تنفي علاقتها بـ«نحنا قدّا»!