فرحان صالح لـ«جنوبية»: حراك 17 تشرين حقق حلماً راودنا نصف قرن!

الثورة اللبنانية
يكمل موقع "جنوبية" سلسلة مقابلاته والتي تركز على إحياء ذكرى مرور عام على ثورة 17 تشرين الاول بما يليق بهذه الثورة المجيدة والتي اسست لبداية نهج جديد عنوانه الحكم والرقابة للشعب وإزاحة طبقة فاسدة وملاحقتها حتى النهاية. وفي هذا النص إطلالة على واقع الثورة بعد عام من الانتصارات والخيبات من الامل والتفاؤل والاحباط والتصميم على إكمال المسيرة مع رئيس تحرير مجلة " الحداثة " وأمين عام " حلقة الحوار الثقافي في لبنان " فرحان صالح.

ويشير صالح لـ”جنوبية” ،الى أنه يحب  ان يسمي  ثورة 17 تشرين الأول 2019 ،” : ” حركة 17 تشرين ” أو ” حراك 17 تشرين ” (وذلك لأننا لم نشهد بعد خواتيمها التغييرية المأمولة ) ، لذلك نلاحظ ورود  التسميات الثلاث في أجوبته خلال الحوار الآتي نصه والذي أجراه معه موقع ” جنوبية “،  لمناسبة مرور عام على هذه الثورة ، التي قام بها الشعب اللبناني ، من أجل تغيير سلطات نظام الحكم اللبناني الفاسدة برمتها :

● ثورة 17 تشرين الأول 2019 ، ضد شمولية فساد الحكم اللبناني ، ماذا عنت لك هذه الثورة ، وكيف كانت نظرتك اليها ؟ 

– شكلت حركة 17 تشرين الأول 2019 ،فاصلة في تاريخ الحياة السياسية في لبنان ،اذ حملت تلك الحركة في أحشائها ، مجمل التراكمات والمطالب التي خاضتها الحركات النقابية والعمالية والطلابية ، وعملت من أجل تحقيقها ، خلال النصف القرن المنصرم ، اي ان حراك 17تشرين حقق الحلم الذي راودنا وعملنا على تحقيقه على مدى نصف قرن. وتكمن أهمية هذه الحركة ، في أن من قاموا بها هم من الأجيال الجديدة ، وفي أنه كان للمرأة دور لافت في هذه الحركة . لقد حمل الحراك شعار ( كلن يعني كلن ) ،الا أن هذا الشعار الجامع ،لم يميز بين القيادات الطائفية  التي استهدفها هذا الشعار ،وبين القيادات السياسية التي قد يكون لها رؤية مغايرة لرؤية القيادات الطائفية المسؤولة ،عن الواقع المتردي الاجتماعي والسياسي الذي وصلنا اليه حاليا في لبنان . 

شكلت حركة 17 تشرين الأول فاصلة في التاريخ السياسي اللبناني

ولقد عنت لي حركة 17 تشرين الكثير ، ومن ضمن ما عنته لي أنها حملت التراث الذي حملته مع أبناء جيلي ولم نستطع تحقيقه ، وأن الأجيال الجديدة ، هي المعول عليها تحقيق ما لم يستطع جيلنا تحقيقه .

ما ابتدعه جبران باسيل 

 ● هذا الحدث التاريخي المفصلي ، يحتم على المثقف اللبناني ، دورا مواكبا ،لهذا الفعل التغييري ، فكيف ترى الى هذا الدور ؟ 

– كان حلمي ، وأنا واحد من مؤسسي ” حلقة الحوار الثقافي ” التي تأسست في بداية عام 1990 ، ان تستكمل الحلقة ،ما هدفت اليه ” الندوة اللبنانية ”  التي أسسها ميشال الأسمر عام 1946 . وكان شعارها ” لنعمل من أجل تعمير البيت اللبناني “.

لقد تبنى الرئيس فؤاد شهاب مشروع الندوة ،فكانت الاصلاحات التي بنى على أساسها مشروع الدولة الحديثة . لقد كان مشروع الندوة علامة فارقة ، في تاريخ الحياة الثقافية العربية ، اذ ان الأسمر ورفاقه ، رسموا مشروعا ثقافيا حضاريا للبنان وموقعه ودوره ، مشروعا حوله العهد الشهابي ، من شكله النظري الى شكل تنفيذي ، أخذ أبعاده قي عمل وتكوين مؤسسات الدولة .

لحراك 17 تشرين آفاقه المستقبلية المفتوحة

لقد تحول المثقف من دوره النظري ، الى دور مساهم في البناء والتطوير المادي والعملي . هذا ما أسست له الندوة اللبنانية وجيل ميشال الأسمر ، وهو الانتقال الى ثقافة دولة المواطنة . في حين استحضر من نفذوا اتفاقية الطائف ، النظام المللي العثماني ، وهذا ما فعلته الطبقة التي استولت على السلطة بعد الحرب الأهلية عام 1992 .

فلقد رسمت اتفاقية الطائف حدودا لدويلات طائفية ، حملت شعارات ” شيعة شيعة ” – ” سنة سنة ” ، و”بي الكل “،و “بالروح والدم ” … هذه الثقاقة التي جاء من يرسخ أبعادها الانفصالية  ، فكان أن ابتدع ” جبران باسيل ” شعار الميثاقية ”  ، وبهذا أتم استكمال وضع الحدود بين الدويلات الطائفية : السنية – الشيعية – المارونية – الدرزية . لقد أدت اتفاقية الطائف الى مشاريع قبلية ، أعادت الاعتبار الى قبائل القرون الوسطى .

 ● ما هي قراءتك الخاصة للأبعاد الثقافية لهذه الثورة ؟ 

– تستحضرني في هذه المقاربة ،ألمقارنة بين مرحلتين ، كنت شاهدا عليهما : المرحلة الأولى هي الممتدة من عام 1950 الى 1975 . والمرحلة الثانية الممتدة من 1990 الى 2020 . الأولى التي برزت فيها تيارات وطنية وقومية ،وهي مرحلة يمكن القول انها كانت متناقضة في تركيبتها وأهدافها وتطلعاتها ، بقدر ما يمكنني القول انها جميعا ، وبأشكال متفاوتة ، من الاحساس بالمسؤولية ، الا أن الشأن العام كان هاجس تلك النخب ، خاصة في رؤيتها لفكرة الدولة ، كان هاجس تلك القيادات من كميل شمعون الى كمال جنبلاط الى العصر الذهبي للشهابية ، ودور القيادات التقليدية : رشيد كرامي وريمون ادة وصائب سلام وصبري حمادة وكامل الأسعد وبيار الجميل وعادل عسيران ، كذلك دور الأحزاب القومية : ( القوميون العرب ،الناصريون ، الشيوعيون ، البعثيون ) كذلك الكتائب والأحرار وغيرهم . لقد لعب لبنان في هذه المرحلة دورا رياديا، ليس فقط على الصعيد الوطني ، بل ايضا على الصعيد القومي ، وحتى العالمي .

أسست ثورة 17 تشرين لفكر جديد ورؤية جديدة للبنان

لقد عرف الاقتصاد اللبناني دورا مهما ، فكان نموذجا على الصعيد الانمائي – الصناعي – الزراعي والسياحي ، فكانت الجامعة اللبنانية التي ترأسها أهم وأبرز المثقفين ، وكانت الحركات الطلابية والنقابية .

وبرز في تلك الفترة : المسرح ، والفن ، والموسيقى ، والسينما  والكشافة …تلك التي تكاملت في جهودها مشكلة روافع هامة ، رسمت صورة لموالفة دون مفارقة عن العصر وقضاياه ومتطلباته . كما لعبت المؤسسات الروحية دورها ، وان عرفت تلك المرحلة انكفاءة شعبية عن الثقافة التي كانت تطرحها وتدعو اليها . أما المرحلة الممتدة من عام 1990 الى 2020 ، فرغم ما عرفته من بروز اضاءات نادرة الا أنها كانت مرحلة انحطاط وتردي على كافة المستويات : التربوية ،( خاصة الجامعية )، الصحية ، الأخلاقية …الخ… فلقد تمظهر الفكر الطائفي بأسوأ أشكاله شعارات انحطاط السلطة .

● هذه الثورة قد أسست لوعي تغييري مستقبلي ، فماذا بامكاننا استشرافه من أبعاده ؟ 

– لقد أسست هذه الثورة – وان كنت أحب ان لا أستعمل هذا المصطلح –  بل الحراك ، لفكر جديد ورؤية جديدة لوجودها ودورها ولموقعها في المجتمع ، وبدا ذلك من خلال الشعارات التي طرحتها : العدالة الاجتماعية ، مجتمع مدني ، اعادة الأموال المنهوبة ، اصلاح اداري ومالي ، اصلاح القضاء . .. في حين واجهت السلطة هذه المطالب ، بشعارات ، ان عبرت عن شيء ، فانها تعبر عن انحطاط هذه السلطة : شيعة شيعة شيعة ،  سنة سنة سنة ، بي الكل ، وبالروح والدم . أيضا بادرت السلطة لمواجهة الحراك بالعنف وبالتنكيل واطلاق النار عاى المتظاهرين كذلك بحرق مخيم قبضات الثورة ، التي تعددت أماكنها في بيروت والجنوب والبقاع والشمال وجبل لبنان .

إقرأ أيضاً: لو بُعث الرسول حيّاً..ما حكمه بحق متهكميه؟!

 لقد أخذ الصراع طابعا بين توجهين : الأول يعبر عن مطالب شرائح المجتمع ، والثاني يعبر عن مصالح ذاتية لزعامات طائفية لا تفكر الا بما يحترم مصالحها . هذا هو جوهر الصراع ، ومن هنا يمكن استشراف الرؤية للمستقبل.

اعتراف حتمي

● بعد مرور عام على قيام هذه الثورة ، ما هو تقييمك لأداء ثوارها ؟  

– لا يمكن فصل الواقع الذي يعيشه لبنان ، عما يعرفه الوضع الاقليمي ، خاصة العربي والدولي . ان الصورة التي ترسم للبنان هي ذاتها التي ترسم للمنطقة . لقد حققت الثورة انجازات لا يمكن الا الاعتراف بها ، بينما استسلمت السلطة لكل مطالب الخارج ، الا أن الحراك بمطالبه هو من يرسم موقعا مغايرا لموقع لبنان في علاقاته الاقليمية والدولية . وتجلت هذه الحالة من خلال اعتراف الدول الخارجية بالحراك ، مقابل نزع ثقتها بالسلطة الحاكمة . لقد فضحت وعرت قوى الحراك ، هذه السلطة ، وأسست ، هذه القوى ، بما قامت به ، لقطيعة بين الدولة والشعب . تم نزع الثقة من السلطة من الداخل ومن الخارج ايضا .

الحراك رسم موقعا مغايرا للبنان في علاقاته الاقليمية الدولية

لذا فقد دعا الحراك لانتخابات مبكرة ، فكان الجواب رفض هذا المطلب . ونقول : للحراك مستقبله التغييري الواعد ، وللسلطة ماضيها وما فعلته.

الثورة تجدد نفسها 

● هل الثورة انتهت ، كما يشاع اليوم ؟ – ألثورة تجدد نفسها كل يوم ، وهي كالموج الذي تكون حركته محركة  الشعب .. لا يمكن المراهنة على وتيرة واحدة معينة متكررة لها ( وتيرة ثابتة لا تتغير) وان كانت ، هذه الحركة ، كما ذكرنا ، تأتيها روافد بشرية متنوعة ومتبدلة يوميا . وتكون حركة الناس هي من يحدد حجمها ، سواء في ضعفها او قوتها … ومن هنا فانه لا يمكن القول بانتهاء،أو أفول  هذه الحركة . 

المطلوب مشروع مجتمعي 

● كيف تنظر الى الآفاق المستقبلية لثورة 17 تشرين الأول 2019 ؟ وما الذي تحتاجه هذه الثورة لاستعادة زخمها ؟ – الآفاق المستقبلية لحراك 17 تشرين مفتوحة  ، ولا يمكن تحديد مساحتها وقوة فعلها . وقد يشهد الحراك مدا وجزرا . لكن ضعفه أو قوته هما أمران لهما علاقة بالمشروع الذي يحمله وبقدرته على تجييش الجماهيروايضا اقناعها بهذا المشروع ودفعها للنضال من أجل تحقيقه ، وهذا متعلق بمدى تعبيرهذا المشروع عن الحاجات المجتمعية ، وعندها تحتضن الجماهير هذا المشروع لأنه يعبر عن حاجاتها ، فهنا بالضبط تكمن استعادة قوة زخم حراك 17 تشرين .   

السابق
لو بُعث الرسول حيّاً..ما حكمه بحق متهكميه؟!
التالي
إنتشار «كورونا» تابع..9 إصابات جديدة!