«حزب الله».. إذا لم تستح فـ«تعامل» كما شئت!

علي الأمين

ينام اللبنانيون على شيء ويستيقظون على شيء آخر. أحلام سرعان ما تتلاشى و كوابيس ما تلبث ان تتحول إلى أمر واقع لا مناص منه. يعيشون عصر إنحدار سياسي وإخلاقي لا قرار له: تابوهات تتلاشى وكأن شيئاً لم يكن و كليشهات تتعاظم، وكأنهم بقدرة قادر تم نقلهم من كوكب الأرض الى “كويكب هجين لا حياة أو ماء فيه”!.

و إلا، ولم يكن كذلك، ماذا يعني أن ينتقل لبنان بسحر “حزب الله” ومشيئته و من دون مقدمات الى “العصر الإسرائيلي” ويطلق مفاوضات مباشرة مع “خبز ملح” تخلو من رشة “مقاومة”، في خطوة قد تكون أسوأ من التطبيع او عقد إتفاقات ثنائية مع بعض الدول العربية، و من دون ان يقيموا وزناً لمشاعر غالبية اللبنانيين، من داخل بيئته وخارجها، منظومة وقحة صلفة نصّبت نفسها زورا وبهتانا وصيّة على مشاعر اللبنانيين وقناعاتهم ومستقبلهم، تتمادى في الإستقواء عليهم  بما تبقى من فائض القوة والسلاح والخطاب، وصولا الى التلطي بالحلفاء و الاستعانة بهم كالعادة لإعادة عقارب تشكيل الحكومة الى الوراء على طريقة “الديكتاتورية المقنعة.. لتستحضر تعديلا في المقولة الشهيرة.. إذا لم تستح ف “تعامل” كما شئت! 

و بالتالي لم يكن امر اطلاق المفاوضات اللبنانية الاسرائيلية لترسيم الحدود المائية، ليمر من دون الضغط الاميركي على المنظومة الحاكمة في لبنان، والذي فرض على الرئيس نبيه بري ومن خلفه “حزب الله” اعلان الاتفاق على اطار التفاوض. ولعل انفجار المرفأ في ٤ آب شكل نقطة التحول في الموقف اللبناني الذي بدا مهرولا باتجاه الطاولة التي نصبتها الامم المتحدة والادارة الاميركية في الناقورة. التفاوض الذي يتركز على ترسيم الحدود المائية بين لبنان واسرائيل، هو بالضرورة يرسخ مفهوم الاعتراف اللبناني بدولة اسرائيل من خلال اقراره بحق ترسيم الحدود، في الاطار الدولي وتحت سقف القانون الدولي، مع دولة اسرائيل، وهو امر يختلف جوهريا عن كل المفاوضات التي دارت بين لبنان واسرائيل منذ تولى حزب الله المشاركة بها بطريقة غير مباشرة، منذ تموز العام ١٩٩٣ ونيسان عام ١٩٩٦ والخط الأزرق في العام ٢٠٠٠ وبعد حرب العام ٢٠٠٦، كلها كانت مفاوضات لوقف اطلاق النار وتنظيم خط الانسحاب ورسم قواعد الاشتباك، والتي لم ترق الى مستوى ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل.

وبالتأكيد هذا مطلب لبناني مزمن، وكان يمكن انجازه بظروف لبنانية افضل، قبل نحو عشر سنوات او بعد حرب العام ٢٠٠٦ بل اثر الانسحاب الاسرائيلي في العام ٢٠٠٠، لذا فان الاسئلة مشروعة حول ما قدمه لبنان من تنازلات من خلال اتفاق الاطار، لا سيما تلك المتعلقة باعتماد خط هوف والتي يشاع ان الرئيس بري وافق في مباحثاته مع الاميركيين على اعتماده.

ما اظهره “حزب الله” من ليونة حول المفاوضات، يفتح شهية الكلام حول اسباب عدم تطرق السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير الى الخطوط الحمراء التي لا يمكن ان تمس في اي تنازل لبناني، لاسيما هو المتخصص في مخاطبة العدو وفي رسم قواعد التعامل مع المطالب الاسرائيلية والضغوط الاميركية، بل بكشف المؤامرات التي تحاك ضد لبنان ومقاومته، صمت السيد نصرالله يعبر عن القبول والرضى.

المعادلة الاميركية التي ترسم عملية التفاوض، تسير بسلاسة ويُسر، وهو ما يؤكد ان كلما كانت واشنطن جادة في تنفيذ ما تراه اولوية، تجد لها جنودا مجندة في محور المقاومة والممانعة لتوفير شروط نجاح المعادلة، بشرط ان يكون المحور او من يمثله هو من يفاوض العدو وهو من يقرر بمعزل عن المكاسب او الخسائر الوطنية.

بهذا المعنى فان ما تقدم من عراقيل وعقد تطال عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، هو بالضرورة يترجم غياب الاهتمام او الضغط الاميركي من اجل تشكيلها، ويمكن ملاحظة ان تهيب اطراف السلطة بعد مجيء الرئيس الفرنسي الى لبنان، دفعهم جميعا الى اظهار استعدادهم التام لقبول ما يملى عليهم، ولكن مع انكشاف حدود الاهتمام الخارجي بانقاذ لبنان، او عدم وجود خطة ضغط دولية واميركية من اجل الاتيان بحكومة مستقلين يحتاجها لبنان، عادت “حليمة الى عادتها القديمة” وبدأ الفجور السياسي في استعادة المحاصصة بلا خجل ولا ورع.

اطراف السلطة المنهمكون في تشكيل الحكومة او تعطيلها، يمهدون الطريق الى انضاج عملية تدخل خارجي لفرض قواعد جديدة في ادارة السلطة، هذا اذا كان حظ اللبنانيين جيدا، وان لم يكن كذلك فان ما يجري من تناتش في تشكيل الحكومة يؤشر الى فصل جديد من فصول الانهيار باشكال جديدة ومأساوية. ويبقى القول “الناس على دين ملوكهم”!.

السابق
اللواء ابراهيم عن زيارته لأميركا: تؤسس لعلاقة مع أي رئيس مقبل.. ماذا عن عودة النازحين؟
التالي
علوّش: الحريري لن يتجرّع السم لأنه لم يعد يحتمل.. وسيتنحّى في هذه الحالة!