اللبنانيون تواقون الى «الموضة» ولا صناعة ألبسة تعوض هجرة «الماركات»!

فتح المولات التجارية في لبنان بعد اغلاقها اثر انتشار فيروس كورونا (نبيل اسماعيل/فيسبوك)

كل اللبنانيين الذين عايشوا الحرب يتذكرون معامل خياطة الالبسة النسائية والرجالية  و”التريكو” والجوارب في أحياء الحازمية وحارة حريك والدكوانة والشويفات وغيرها من المناطق، ومنهم من يتذكر أيضا أن أصحاب هذه المعامل التي تقع تحت الارض كانوا يفتحون أبوابها أمام الناس ليلا للمبيت فيها هربا من القصف، وحين يطلع النهار وتهدأ الاوضاع يعود العمال إلى ماكيناتهم.

هذه المعامل أصيبت بنكسة كبيرة في تسعينات القرن الماضي وبعد أن لبس الاقتصاد اللبناني حلّة جديدة قوامها إقتصاد الخدمات السياحية والمصرفية ولم يعد من هذه المعامل اليوم إلا نسبة قليلة من معامل الكلسات والبياضات التي  تمكنت من الصمود بسبب الحرفية العالية التي تتمتع بها اليد العاملة اللبنانية من جهة وبسبب حفاظها على أسواقها في البلاد العربية من جهة أخرى، لكن حتى هذا العدد القليل من المعامل نال نصيبه هذا العام من تداعيات جائحة كورونا على لبنان ومن الازمة المالية المستفحلة التي قطعت سبل إستيراد المواد الاولية التي غالبا ما تكون بالعملة الصعبة.

إقرأ أيضاً: اللبنانيون يستشعرون «الويلات» القادمة.. تهافت على التموين وإفراغ «السوبر ماركات» من محتوياتها!

إلى جانب هذه الصورة القاتمة لصناعة المنسوجات في لبنان، هناك تداعيات أخرى حصلت في سوق بيع الملابس الجاهزة في لبنان نتيجة الازمة المالية والاقتصادية، وتضج وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أسبوعيا بأخبار الشركات والماركات العالمية التي تهجر لبنان وتقفل متاجرها لأنها لم تعد تستطيع تحمل الخسائر والتكاليف، في ظل تراجع حقيقي في مبيعات سوق الالبسة وتغير العادات الشرائية للبنانيين نتيجة الازمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد. 

المحال التجارية تقفل ابوابها
زحمة ما قبل الإقفال

ثغرات سوق المنسوجات

كل ما سبق يقود للبحث عن أجوبة للسؤال التالي، هل يمكن لقطاع المنسوجات الذي لم يستطع أن يكون منافسا لأسواق بيع الملابس بالتجزئة في زمن البحبوحة، أن يسد جزءا من حاجات السوق اللبناني في زمن الازمة وأن تكون خروج بعض الشركات و الماركات من لبنان  بابا لإستنهاض هذه الصناعة من جديد؟ 

يجيب رئيس المجلس الاجتماعي والاقتصادي شارل عربيد لـ”جنوبية” على هذه الاسئلة إنطلاقا من خبرته في عالم صناعة المنسوجات، فيقول:”صناعة الالبسة في لبنان تعاني من ثغرة أساسية وهي شراء المواد الاولية من الخارج، أي أن حياكة الانسجة نستوردها من الخارج ويتم تصنيعها في لبنان”، لافتا إلى أن “هذه الصناعة بدأت بالتراجع في تسعينات القرن الماضي لأسباب عدة منها عدم تطوير وتدريب اليد العاملة اللبنانية في صناعة الالبسة كما يجب، لأن أغلب اليد العاملة هن من النساء ولم تعد محط إهتمامهن مما إضطر العديد من المعامل الاستعانة (مرغمة)باليد العاملة الاجنبية، والثغرة الثانية هي المنافسة البضائع الصينية وشرق الاسيوية والبرتغال والمغرب وإسبانيا في الاسعار، بالاضافة إلى الكلفة التشغيلية المرتفعة في لبنان مقابل حجم السوق الصغير والذي لا يغطي كلفة الانتاج ويؤمن الاستمرارية لأصحاب المصانع”.

زحمة أمام محل تجاري قبل الإقفال
زحمة أمام محل تجاري قبل الإقفال

ويرى أن “كل ما حصل نتيجة غياب الاهتمام الرسمي بالصناعة اللبنانية وتطويرها، وقد بقيت بعض الصناعات النسيجية مستمرة إلى حد ما إلى أن حلت كارثة كورونا والازمة الاقتصادية التي قلبت موازين الصناعة اللبنانية لجهة تأمين العملة الصعبة وإستيراد المواد الاولية وتراجع الطلب الداخلي على الالبسة وعدم قدرة على التصدير”، مشيرا إلى أن “البلاد التي تتميز بصناعة الألبسة مثل الصين والمغرب وبنغلادش تتميز أيضا بأنها تتمتع بإستقرار أمني وسياسي، لأن الاضطرابات السياسية والامنية تدفع بالمستثمر إلى الانكفاء والتوجه نحو أسواق أكثر أمنا لإقامة معارض الانتاج”.

ويضيف:”كل هذه المنظومة كانت مفقودة في لبنان خلال السنوات الماضية، مما أدى إلى تراجع صناعة المنسوجات في لبنان بالاضافة الى غياب الرعاية والعناية والدعم الرسمي والاغراق الاسواق والتهريب”.

خروج الماركات و الشركات 

يشرح عربيد أن “خروج بعض الماركات من السوق اللبنانية نتيجة الازمة الاقتصادية التي تضرب لبنان فرصة لإعادة النهوض بالصناعة اللبنانية، ولكن الامر يحتاج إلى عناية ورعاية وأهمها رساميل تشغيلية وهي مفقودة اليوم في لبنان نتيجة الازمة المالية والنقدية”، مشددا على أننا “نحتاج إلى تأهيل اليد العاملة اللنانية وأسواق مفتوحة فكل البلاد التي لمعت في هذه الصناعات كانت بسبب وجود سياسات تصديرية قامت بها حكومات هذه الدول، بالاضافة إلى وجود قطاع صناعي نشيط في هذه البلدان مما يزيد من تحريك الاسواق التجارية وإنشاء المعارض، ولبنان للأسف هو بلد منكوب وصناعة الالبسة تحتاج إلى ظروف لا تزال غائبة في لبنان وغير متوفرة “.

 “سيدر” وتغيير النظرة الى الانتاج 

ويوضح عربيد أن “مشاريع سيدر هي مشاريع للبنى التحتية في لبنان وشراكة بين القطاع العام والخاص ولا تتعاطى بسياسات تطويرية لهذا النوع من الصناعات كتحفيز ودعم أو إعفاء ضريبي لهذه الصناعات”، مشيرا إلى أنه “قد تكون الفرصة مؤاتية حاليا للسير في هذا الاتجاه لكننا بحاجة إلى ثبات في التشريع ورؤى وسياسات واضحة تجذب الاستثمارات الجدية من الخارج وتحول لبنان إلى منصة لتصنيع هذا النوع من الانتاج وأن يكون هناك يد عاملة لبنانية متحفزة للعمل في هذا النوع من الصناعات”.

ويرى أن “كل هذه العناصر لا تزال خجولة في لبنان وان كنت اشجع وجودها لكي نتمكن من المساعدة في بناء قطاع صناعي واعد وثابت لأن قطاع صناعة الالبسة يكون مترنح صعودا ونزولا إرتباطا بالاستقرار الداخلي السياسي والامني”. 

 ويختم: “في الحرب كانت صناعة الالبسة تتكل على السوق الداخلي ولم تكن تصدر إلى الخارج وحجم الاقتصاد اللبناني أيام الحرب لا يمكن مقارتنه بما هو اليوم او ما نطمح إليه والمطلوب رؤى وسياسات إذا في نية هناك إمكانية لإعادة بناء قطاع المنسوجات في لبنان”.

رئيس المجلس الاجتماعي والاقتصادي شارل عربيد
عربيد

صندوق “سيدر أوكسجين”  

تجدر الاشارة إلى أنه نتيجة الازمة المالية والاقتصادية أعلن مصرف لبنان في آذار الماضي عن إنشاء صندوق بالاتفاق مع الحكومة ووزارة الصناعة وبالتعاون بين مصرف لبنان والمصارف اللبنانية، هو صندوق “سيدر أكسجين” (Cedar Oxygen) المستقلّ للتمويل الصناعي بقيمة 175 مليون دولار أميركي، يهدف إلى ابتكار حلول حيوية وفورية تؤمن التمويل الصناعي لشركات التصنيع، ما يؤثّر ايجاباً على اقتصاد لبنان ومجتمعه. ويقدم الصندوق تسهيلات إئتمانية كناية عن ديون مضمونة قصيرة الأجل، مع سقوف على المبالغ المعطاة للمقترضين على المستويين الفردي والجماعي، بهدف تمويل الشركات لشراء حاجتها من المواد الأولية من العالمية الأسواق لتقوم محلياً بإنتاج وبيع ضرورية استهلاكية منتجات مستدامة. 

تراجع الاستيراد 40 بالمئة 

ويشرح نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد البكداش لـ”جنوبية” أنه “نتيجة الوضع المأزوم الذي نعيشه تراجعت نسبة واردات الدولة اللبنانية إلى (40 بالمئة) والمطلوب منا كجمعية صناعيين هو سد العجز الذي خلقه هذا التراجع في السوق اللبنانية وتأمين المنافسة المطلوبة والاستحواذ على حصة الاستيراد التي كانت تقوم بها الدولة”، لافتا إلى أن على “الصناعيين في المقابل تأمين المبالغ اللازمة لشراء المواد الاولية من خلال التعاون مع المؤسسات المانحة وصندوق “سيدر أكسجين” وهو مشروع بين القطاع الخاص الصناعي ومؤسسات مانحة أجنبية ومصرف لبنان لكي نتمكن من شراء المواد الاولية عبرهم من خلال قروض ميسرة للصناعيين”.

ويشير إلى أن “الجمعية تعمل حاليا على عدة مشاريع للوصول إلى بر الامان والمطلوب منا تأمين فرق سعر المواد الاولية وإذا حصلت إصلاحات وحكومة فاعلة فالمستقبل للصناعة اللبنانية أكيد”.

تحديات تواجه الصناعة

في المقابل يشرح البكداش التحديات التي تقف في وجه الصناعيين في لبنان فيقول: “تحدياتنا كجمعية صناعيين هو الابقاء على البلد وعلى مؤسساتنا وعمالنا ولا شك اننا في وضع من أصعب الاوضاع التي مرت على لبنان منذ العام 1975، فآنذاك وبالرغم من الوضع الامني والسياسي الصعب إلا أن القطاع المصرفي بقي صامدا”، مشيرا إلى أن” ما نعانيه اليوم هو إضطرابات سياسية وإقتصادية وتراجع بسعر الليرة بنسبة 80 بالمئة والمشكلة الاكبر أن المصارف اللبنانية وضعها صعب جدا ومشكلتنا الاساسية كقطاع صناعي هو  موضوع المواد الاولية ومن لا يستطيع التصدير إلى الخارج لتأمين العملة الصعبة عليه شراء هذه العملة في لبنان بسعر السوق السوداء”.

يضيف:”نهاية النفق الذي نتخبط فيه مرتبط بقدرة الحكومة المقبلة على الانجاز وتطبيق الاصلاحات التي يطلبها المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي والقضاء على الفساد وقدرة المجتمع اللبناني على تحمل تبعات هذه الاصلاحات (رفع الدعم عن المواد الاساسية  وزيادة التي في أي ) في ظل الوضع الصحي زيادة البطالة في لبنان”، مشددا على “ضرورة تنفيذ الاصلاحات الاساسية والتفاوض مع صندوق النقد حول الاصلاحات التي تمس المواطن الفقير وتأخيرها لحين تحسن الوضع الاقتصادي قليلا، وبرأيي الاهم هو وقف التهريب من المعابر الشرعية وغير الشرعية ومحاربة التهرب الضريبي لتأمين المساواة بين جميع التجار والصناعيين وإلغاء الحمايات السياسية للبعض لأنها تساهم في تقليص الاقتصاد الشرعي وتوسيع حجم الاقتصاد الشرعي”.

ويختم:” المطلوب إصلاحات جذرية لزيادة الواردات إلى خزانة الدولة ومن بعدها يتم البحث في باقي الاصلاحات التي يطلبها صندوق النقد”.

نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد البكداش
البكداش
السابق
الموت العبثي متواصل على الطرقات..54 قتيلاً حصيلة حوداث سير تشرين الاول!
التالي
«العودة الآمنة الى التدريس».. قرار جديد عن وزارة التربية!