المشروع الوطني ورافعته المدنية وحيوية الشباب

في إيران مشروع وطني الاسلام ثقافته مع موروث جميل سابق عليه والتشيع نكهته مع ماضٍ مختلف يعود الى ما قبل الصفويين في القرن السادس عشر الميلادي ، حيث كانت في إيران ودائماً حدائق شيعية تأسست في معظمها على المهجَّرين والفارين من القتل ، من أبناء أئمة أهل البيت وأحفادهم ، الى العهد البويهي من منتصف القرن الرابع الهجري الى منتصف الخامس حيث كانت السلطة البويهية في خدمة الخلافة السنية على التباس بين الزيدية والإسماعيلية والإمامية الجعفرية . ومهما تتعدد وتختلف الأطروحات التي تحمل ذلك المشروع الوطني الإيراني ، من إسلامية تقليدية أو إسلامية تجديدية.. أو ليبرالية أو قومية إلخ.. والنقاش حول الصالح أو الأصلح أو المناسب أو الأنسب، والكل في خدمة المشروع، الإسلام في خدمة المشروع، لا المشروع في خدمة الإسلام، وفي كل حال يبقى هناك مكان سري أو علني لمغامر أو مراوغ أو مقترف أو مرتكب… ويبقى المشروع مشروعاً، يحمل على عاتقه عبء الأمثولة للمنطقة، التي يسودها التعدد على قاعدة الوحدة، والاختلاف على قاعدة التوحيد، وذات الهوية القارة على ثوابتها القلقة في حدود غير معطلة، من إمكان تجميد هذه الثوابت وإغلاقها وأسطرتها، والمفتوحة – الهوية – علي المستجد وعلى الآخر المختلف شرطاً لوعي الذات وتجديدها. من علامات هذا المشروع، المبكرة في تاريخ الثورة ودولتها، الإجماع السياسي والشعبي على التصدي للعدوان البعثي ، والإجماع على احترام موقف الخميني حتى لدى ما تبقى، وكانوا وقتها كثراً، من مؤيدي الشاه، لأن الخميني لم يفرط بسيادة الوطن واستقلاله، وكان بعض مؤيدي الشاه، أثناء الحرب، يذكر بأن كثيراً منهم، ومن مواقع مسؤولة في الدولة، قد فقدوا ثقتهم بالشاه عندما اكتشفوا ولمسوا طواعيته المطلقة للمخابرات الأمريكية، وانخفاض منسوب عزته الوطنية بحسب الوقائع التي كانت أخبارها متداولة بينهم، والتي ذكر بعضها سفير الشاه في لندن في كتابه الذي صدر قبل سنوات. ومن علامات المشروع الوطني الإيراني أو علامات الوعي الإيراني به في السلوك السياسي، أن الإيراني يمارس دوره المدني الوطني في الانتخابات الرئاسية أو النيابية في مكان إقامته أو وجوده، فهو ليس ملزماً بالانتقال إلى مسقط رأسه أو حتى محل إقامته الدائم بحسب سجل القيد، للإدلاء بصوته لمرشحه أو لائحته مقيداً بجهة أو تقسيم إداري أو انقسام ديني أو مذهبي أو قومي أو حزبي، لأن المشروع واحد، ومعرفة الناخب بالمرشح هي إحدى شروط الانتخاب وإحدى ضمانات حريته وحسنه.

اقرأ أيضاً: الصفوي ثم العثماني في بغداد تعاقب السيطرة والخراب

المؤشرات على الحاضر والمستقبل السياسي

هذا المشروع له رافعات أو روافع أصلية لها جذورها الثقافية والدينية، التي تعود لتجد في المدينة مكانها الحضاري، فتضطلع بدور الناظم للاجتماع الوطني العام في حيوياته المتعددة وفي شؤونه الثقافية والتربوية والسياسية والإدارية والتنموية، مع الاقتصار على الضروري والوظيفي من المركزية الإدارية، لا يمنع من أن تبقى المدينة هي التي تقرر وترسم المؤشرات على الحاضر والمستقبل السياسي، من دون أن تهمل أو تنفصل أو تعدو أو تصادر أو تلغي مداها وعمقها الريفي، الذي يتأثر ويؤثر في دور المدينة، من مكانه وموقعه، أما إذا زحف نحوها، مضطراً أو مختاراً فإنه ملزم بالاندماج، لئلا يبقى هامشياً ومن دون تأثير وبلا صوت، أي أنه ملزم باكتساب صفته المدنية وممارسة حراكه على مقتضاها، وإلا فقد دوره، لا بسبب المنع والحظر، بل بسبب القصور الذاتي عن الارتقاء إلى نصاب المدينة وشروط الفعالية فيها، وعلى موجبات النصاب المدني يصبح الطرف الريفي الملتحق بالمركز المدني عرضة للانقسام بين أجياله، ويتأثر هذا الانقسام حدة وليونة، بالبعد الجغرافي للمركز المدني عن الريف من جهة، وبحجم المدينة وجاذبيتها من جهة ثانية، فيتفاوت الاستقطاب قوة وضعفاً، قطعاً ودمجاً، بين مدينة ومدينة، بين كاشان أو خرَّم آباد وبين أصفهان أو مشهد وبين طهران مثلاً، ويفارق الشباب أو الجيل الثاني من الريفيين الملتحقين بالمدينة ثم الثالث، الجيل السابق، بمقتضى العلائق المدنية وآليات الاجتماع المدني، إلى حالة مدنية تحول ذاكرتهم الريفية إلى ذاكرة متدرجة في انخفاض نسبة فعاليتها. من هنا طهران، هذه المدينة العظمى – الوسط موقعاً – والغريبة شكلاً ، هي في الأساس بلدة – قصبة – متوسطة الحجم وعدد السكان حتى أوائل القرن الماضي، حيث اختارها القاجاريون عاصمة لملكهم، بعد تبريز وقزوين وأصفهان.. وبعد الري (المتصلة بطهران) في العهد السلجوقي، أي أن طهران عاصمة إيران ذات الملايين العشرة من السكان، هي أقل عراقة تاريخية من قاهرة المعز عاصمة مصر، ذات الخمسة عشر مليوناً والألف عام من عمرها، والتي لا نقاش في مركزيتها، ورغبتها في دمج الأرياف القادمة إليها على صعوبة بالغة، تأتي من محصلة كبيرة ومعقدة ومتراكمة من الصعوبات والاستحقاقات التي ترتبت على مصر وعاصمتها وأطرافها تنموياً، ومن تاريخ تكوين المركز المصري، بينما تأسس المركز الإيراني، العام الذي يخفف من فعل الخاص وحضوره، ويضبط ما يتبقى منه بالقانون والنظام والعلائق والقيم، تأسس على الأطراف ولها وبها وليس خارجها، ما أتاح للعاصمة المصطنعة حديثاً أن تنمو بسرعة هائلة، باتت وتائرها المتصاعدة في النمو تهددها بالاختناق، رغم الجهود الهائلة من أجل تجميلها بالبراحات المرورية المحاطة بفضاءات من الخضرة والملتفة حول جنائن دائمة الأريج، وإن كانت المصاعب البيئية هي الغالبة حتى الآن والمرشحة لاستمرار غلبتها مع الانفتاح الاقتصادي الملحوظ وما يستتبع من حرية في اقتناء وسائل النقل الخاصة، التي تسهم عوادمها في تعقيد الأزمة، من دون أن تستطيع تغطية العمق الاقتصادي والمعيشي المتراجع، والذي لم تؤثر فيه إيجابياً بشكل واضح لا نهاية الحرب مع العراق ولا ارتفاع أسعار النفط، والذي يبدو أن الشرط الأول لتحسينه في طهران وإيران عموماً هو رسو البلاد على حالة من الهدوء السياسي تعيد رسم سلم الأولويات وتضع المسألة التنموية في بعدها الاقتصادي، في موقعها من هذا السلم، بعدما أصبحت على مدى السنوات القليلة الماضية، مسألة التنمية السياسية هي الشغل الشاغل للجميع وهي الحاضر الأبرز في الخطاب اليومي، السياسي والثقافي والاجتماعي، وربما كان ذلك بسبب شعور الحرمان سابقاً تحت وطأة الحرب ومستلزمات بناء الدولة على شعارات الثورة، وما يستتبع ذلك عادة من أولوية شعارات مؤقتة على شعارات أبعد مدى من ضرورات الدولة وأقرب إلى ضرورات الاجتماع المدني الموازي لها والذي ليس بالضرورة أن يكون ناقضاً… وتحتفظ طهران مع غيرها من المدن، وفي طليعتها، بجاذبية مدينية عالية، لأن الجميع كانوا شركاء في نمو بنيانها وعمرانها ودورها.. وقلما نشاهد في إيران تجمعات ريفية أو جهوية، متكورة على نفسها ومنفصلة عن سوية المدينة، وفي مواسم الانتخابات لا ترى مرشحاً أو مفتاحاً انتخابياً مشغولاً بتأمين وسائل النقل مجاناً من المركز الأول أو المراكز الفرعية إلى الأطراف… إلى الجامعات والصحف ودور النشر والسينما والإذاعة والتلفزيون ومراكز الأبحاث والكثافة البشرية التي تتيح تنويعاً وحراكاً متنوعاً، إلى الشعور بالمسؤولية، تصبح المدينة مكاناً للقرار والمراقبة والتغيير والمشاركة، تتفاوت في ذلك المدن بمقدار حجمها وأهمية موقعها وتراثها ودخالتها في دورة الإنتاج الوطني، وتتصدر طهران قائمة المدن المؤثرة ويعادل حجم التأثير كتلتها النيابية (الثلاثون نائباً على مئتين وتسعين) حجم تأثير بقية المناطق مجتمعة (لعله من هنا يأتي الجدل حول انتخابات طهران الآن) والتي تعين رئيس الجمهورية في صناديق اقتراعها على العكس من بيروت – مثلاً – فإن طهران تقرر أولاً، لا وحدها، على العكس من سائر المدن اللبنانية، فهي، طهران، متقدمة بين متساويات في المدينة وفيما يترتب عليها من أعباء ومسؤوليات، كونها الأكثر جمعاً لمعاني الوطن ونصاباً لمختلفاته ومتعدداته وحساسياته، وتدخل المدن الأخرى معها في القرار وتقترب من سياقها بمقدار ما تكون قد أنجزت من مدينيتها، أي من دخالتها في إنجاز صيغة المشروع الوطني.. وهكذا تتمايز أصفهان مثلاً عن قم، باعتبار أن قم مدينة مستحدثة اقتضتها ضرورات مدنية ووطنية، أساسها استيعاب الفائض من طلاب العلوم الدينية على إمكانية الهجرة إلى النجف الأشرف المحكومة بتقلبات السياسة في العراق، من العهد العثماني إلى العهد البعثي، بينما أصفهان هي عاصمة قديمة ومدينة مكتملة وطامحة، إلى كونها حوزة علمية وبنية مزدهرة قبل قم وبعدها..

التغيير السياسي

ومن هنا تشهد أصفهان كما طهران شبه إجماع على التغيير السياسي، فتقترع لتيار الإصلاح من الدورة الأولى، وتماثلها في ذلك شيراز وبعض المدن الأخرى، وتتراوح نسبة الاقتراع للإصلاحيين، قلة وكثرة، بين مدينة وأخرى على أساس المقدار الذي أنجزته من مدنيتها التي تؤهلها للتواصل والتناغم مع المدنيات المنجزة في المركز الأول والمراكز الأخرى، فتقل نسبة المقترعين للإصلاحيين في مشهد – مثلاً – قليلاً عن النسبة في أصفهان، بسبب أن ريف خراسان واسع جداً والمركزية الطرفية في مشهد شديدة التركيز بسبب وجود ضريح الإمام الثامن علي بن موسى الرضا، ما يجعل أهل الريف الخراساني دائمي الحركة إليها ومنها، مع احتمال دائم بأن يتحول البعد الشاسع للأرياف عن المركز مع إغراءات المدينة، إلى قاطع للعودة وداعٍ للاستقرار والمراوحة بين جاذبية مدنية مغرية وريفية مكوِّنة، وتباطؤ في غياب العوارض الريفية وظهور العوارض المدينة مع دخول قلق ومتردد في جدل الحياة المدنية والمعرفة والسياسة والثقافة. إلى ذلك فإن الفارق في نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة لصالح المحافظين من دون غلبة، في الريف أو المدن التي يغلب عليها الطابع الريفي، يأتي فيما يأتي أيضاً من دور رجال الدين الريفيين، الذين لم يعودوا إلى الريف إلا لأنهم كانوا أقل قدرة في الانفتاح على موجبات المدنية وثقافتها حمَّالة الأسئلة، فاستقروا في اجتماع ريفي مستقر، فكانوا محافظين في مناخ يتيح لهم مساحة اجتماعية للمحافظة… ورجل الدين الريفي في إيران كان وما يزال معروفاً بالبطء في وتيرة خطابه وحركته، وهذا لم يمنعه من أن يكون مع الثورة ودولتها، لأنه مع أهله وجماعاته كان الضحية الأولى لاستبداد الشاه وفساد حكمه، والضحية الأولى لإصلاحاته في ما عرف بالثورة البيضاء، كما استبيحت الجماعات الريفية من قبل مجموعات التثقيف العسكرية التي أرسلها الشاه لتحضير الريف بعد إسقاط حكومة مصدق فعاثت بقيمه وأعصابه فساداً وإفساداً… وهذا لا يعني أن الريف معاد للتغيير… ولكنه يستقبله عندما يتم إنجازه أكثر مما يشارك فيه أو ينخرط في مشروعه… وإذا ما شارك.. فمن دون أسئلة حادة ومن دون قلق، أو بقلق ما، هو أقل حدة من قلق المدينة التي تسمع وترى ما يدور فيها وخارجها وخارج الوطن، وتصل التأثيرات إلى نسيجها بسرعة أكبر وبشكل أعمق.

هذه هي طهران وهذه هي إيران.. مجتمع فتي، ستون بالمئة من أهله دون الثلاثين من العمر، أثبتوا في انتخابات الرئاسة والنيابة، أنهم مصدر الحيوية الأول وجسر للتغيير الحقيقي..

هذه المدينة العظمى، طهران، التي ينتظر العالم نتائج حراكها وأمثولاتها الحضارية الإشكالية.. قررت تهميش الشيخ رفسنجاني رئيس جمهوريتها لدورتين ورئيس مجلس نوابها لدورتين قبل ذلك، استطاع بذرائعيته خلالهما أن يتجاوز موقع الرئاسة والسلطة التنفيذية، وعندما أصبح رئيساً للجمهورية كان قد أنجز دستورياً وعرفياً وعملياً مرحلة التضييق على غيره والتوسعة لرئاسته بتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي، ما أتاح له أن يسرح في مجالاته كافة، تعاونه في ذلك وتستفيد معه أو من دونه من أنظمة المصالح التي ترتبت على موقعه في السلطة، أسرة شديدة الحيوية، هي أسرته التي لم تلبث بفعل القرار المدني الطهراني، والإيراني الأصل، أن تراجع موقعها وانشغل الإيرانيون، بتأمين استمراريتها على ضعف لم يكد رأسها الشاطر علي أكبر هاشمي رفسنجاني أن تخطاه ليفرض نفسه رأساً في أكثر من مؤسسة عليا في الدولة… هذه المدينة زرناها أخيراً للمشاركة في الأنشطة الفكرية والأدبية والحوارية المعدة على حاشية معرض الكتاب الدولي فيها، لنقرأ، نحن القادمين من لبنان والبلاد العربية، على خيبة بسبب هامشية الكتاب في حياتنا وحياة شبابنا، وتقدم كتب الطبخ والأبراج على غيرها مبيعاً وقراءة في معارضنا وحياتنا، لنقرأ حيوية المجتمع الإيراني في حركة شبابه الكثيفة والمتواترة إلى المعرض ومنه، إلى الكتاب والندوة ومنهما إلى الحياة العامة… ووجدتني مضطراً وأنا أرى عشرات الآلاف تدخل وتخرج على مدى عشرة أيام، وكل يوم من دون نقيصة، آتية من كل الأحياء، الفقيرة والغنية، البعيدة والقريبة، ومن كل الأقاليم بالأوتوبيس والقطار والطائرة، رغم الأزمة المعيشية، وجدتني مضطراً لمراقبة ما في الأيدي، لأجدها بأغلبيتها الساحقة، أيدي الشباب، ممسكة بأكياس الكتب بحنو وفرح ورغبة في قراءة الكتاب المكتوب والكتاب الذي يكتب بالرأي والموقف والاقتراع والحوار والهدوء المخيف!! الهدوء الذي صفق بهدوء للرئيس خاتمي مفتتحاً المعرض، مخيباً توقعاتنا العادية وأمال المصطادين في الماء العكر، بخطابه الهادئ الذي لم يتعرض كسابقه قبل يوم مع المعلمين ولاحقه بعد يوم ويوم ثانٍ وثالث ورابع.. لأي من الإشكاليات موضوع الجدل السياسي في إيران، إلا لماماً وبشكل ناعم ولطيف لا يستدعي هتافاً ولا شعاراً. ولا عصاباً.. لأن الهم أعمق من الضجيج ومن تجميع الأنصار، والمسألة أعمق من هتاف ومن مظاهرة احتجاج على منع الحريات الصحافية، تبرر للمتوترين أن يخربوا السياق الواعد بإنجاز سياسي متقدم وحقيقي على قاعدة الاعتدال والتوسط والتسوية التي تجمع بين الحقين ولا ترى الحقيقة شأناً حصرياً لطرف من دون طرف، من دون تخل عن رؤية التفاوت في النسب.. وإلا لما كان هناك من داعٍ للاعتراض أو الجدل وحتى الحوار.

اقرأ أيضاً: لبنان وإيران: قناعات ومحطات على طريق الحوار

حساسية المرحلة

هذه هي طهران وهذه هي إيران.. مجتمع فتي، ستون بالمئة من أهله دون الثلاثين من العمر، أثبتوا في انتخابات الرئاسة والنيابة، أنهم مصدر الحيوية الأول وجسر للتغيير الحقيقي.. وأن المدينة، لتكون مدينة، لا بد لها أن تكون متجهة نحو المستقبل، مؤهلة لاستشرافه والتقاط حساسية المرحلة وأسئلتها واحتضان قلقها الثقافي والاجتماعي والسياسي والوجودي والتنموي… والشباب في طهران، كما في إيران كلها، يدركون موقعهم ودورهم التغييري، متشبثين بالحرية على قاعدة النظام، وبالنظام على شرط الحرية.. منفتحين على العصر، يريدون أن يفهموا إسلامهم ويقدموه من دون عوائق، ويريدون أن يقرأوا مكوِّناتهم وأصولهم وحركتها في الواقع قراءة نسبية لا تستبعد التاريخ ولكنها لا تنحبس فيه… هؤلاء الشباب ولدوا قبل الثورة بقليل أو بعدها بقليل.. لم تتكون ذاكرتهم على معطياتها، الثابت الأكبر في ذاكرتهم هو الطليعة التي اجترحت فعلاً كبيراً ودشنت متحولاً عظيماً ينطلقون منه ويبحثون عن مثالهم المستقبلي، استجابة لإلحاح المتغيرات المتغير.. من هنا التفافهم حول خاتمي الآتي من جيل وسيط، يمكن أن يخبرهم عما رأى، ويرى معهم ما تجب رؤيته. وهو غير قاطع مع ماضيه، فهو يمكن أن يكون وصلة مع الذاكرة وهو مشدود إلى حاضره، وإلى غدهم، وهذه الحالة يمكن جعلها جسراً لمعرفتهم بالإسلام وإطلاق سراحهم في فهمه واستيعابه وتجديده وتجديد أنفسهم به والالتزام بقواعده وقيمه التي تقتضي الحرية ولا تلغيها.. وتحفظها بالقانون وتحفظ القانون بها… علاقتهم بخاتمي هي علاقة بوعد إن أنجزه معهم فهم حاضرون.. وإلا بحثوا عن مثال آخر.. لأنهم مدنيون يبحثون عن مشروع، قد يكون الشخص شرطه، ولكنه ليس شرطه الوحيد، بل المشروع هو شرط الشخص أولاً وأخيراً… وأيدوا الإصلاحيين وناصروهم ونصروهم… ولكنهم يتساءلون هل نكفي مجموعة (سلوب) حقيقية لكي تنتج أطروحة أو مشروعاً؟ فهل تكون جبهة المشاركة التي تكونت من مجموعة إصلاحية، وخففت من ظهور شقيق الرئيس في واجهتها، لما عرف عنه من شدة في الانفعال، وروعي فيها أن يكون للجيل الوسيط حضور فاعل في إطارها، هي العامل الذي يساعد الشباب على الاطمئنان إلى وجود مشروع وأطروحة؟

(9/6/2000)

السابق
قبل يومين على اللقاء.. وزير الطاقة الإسرائيلي: المباحثات مع لبنان ليست تطبيعاً!
التالي
رئاسة الحكومة «تنقض» على بعبدا و«تنقلب»على المفاوضات: مُخالفة دستورية!