مترى لـ«جنوبية»: ثمة أطراف سعيدة بإفشال المبادرة الفرنسية.. ولن تراجع حساباتها!

طارق متري

يختلف تقييم الوزير السابق طارق متري للإنتكاسة التي ُمنيت بها المبادرة الفرنسية ومفاعيل ذلك على لبنان سياسيا وإقتصاديا، عن غيره من السياسيين اللبنانيين لأسباب عدة أبرزها أن متري غالبا ما يطلق تحليله وتفسيره مستعملا مجهر خبرته بالشأن الاقليمي والدولي كونه تولى سابقا مهمة تمثيل الامين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ومستفيدا من حنكته في التعامل مع الزواريب السياسية الداخلية والتي إكتسبها بعد معايشته عن كثب للطبقة السياسية اللبنانية في أحلك الظروف التي مرّ بها لبنان بعد إتفاق الطائف (ما بين عامي 2005 و2011)، يومها تولى حقائب وزارية في أربع حكومات متعاقبة، لكن ذلك لم يمنعه من الاحتفاظ بنزاهته الأكاديمية في توصيف الامور كما هي مع الاحتفاظ بدماثة الباحث والاستاذ المحاضر.

لا رابط بين نجاح المبادرة الفرنسية والانتخابات الاميركية

لا تأثير للإنتخابات الاميركية

يمسك متري مبضع الخبير ويشرّح لـ”جنوبية” الزواريب التي نفذت منها الطبقة السياسية اللبنانية لإفشال المبادرة الفرنسية، رافضا التفسير القائل أن ما حصل سببه إنتظار جزء منهم نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية إنطلاقا من رغبة الايرانيين في التعامل مع الإدارة الاميركية الجديدة، ويقول:”أعتقد أن ربط نجاح المبادرة الفرنسية بنتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية أمر غير منطقي أبدا، المفاوضات الاميركية–الايرانية تستغرق وقتا طويلا، وإعتبار أن الانتخابات الرئاسية الاميركية موعد فاصل يغيّر المعطيات، إلى حد أن مبادرة تتعلق بإنقاذ لبنان إقتصاديا ترتبط بهذه الانتخابات أمر لا أراه مقنعا أبدا”.

يرى متري على أن “التغييرات السياسية الحاصلة في المنطقة يمكن تحصل في أي وقت، فنحن في منطقة عربية تحتوي على تناقضات متفجرة من كل نوع، بينية أي بين الدول العربية وداخل الدول العربية وهي قابلة للإنفجار، وفي أكثر من بلد في منطقتنا هناك إحتمالات لإشتعال النار لكن هذا الأمر لا تأثير مباشر على ما حاول الفرنسيون القيام به في لبنان”، مشددا على أن”الفرنسيين قالوا لنا مرارا وأكدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمره الصحفي يوم الاحد الماضي، بأن طموح فرنسا من وراء المبادرة ليس كبيرا، صحيح أنها أمر مهم جدا لنا كلبنانيين ولكن ما يريده الفرنسيين هو مساعدة لبنان للخروج من حالة الانهيار الاقتصادي– المالي الحاصل”.

المبادرة الفرنسية غير سياسية

ويصف متري”المبادرة بأنها غير سياسية في معنى ما، ما أرادته هو تجميد الصراعات السياسية بين القوى في لبنان وتعليق الخلافات السياسية لفترة وأن نأتي بحكومة مستقلة أو إختصاصية، والاهم أنها لا تريد مقاربة مشكلات لبنان الجيوسياسية ولا للقيام بتغيير نظام لبنان السياسي بالانقلاب على أحد أو عزل أحد”، موضحا أن “ما تم التخطيط له هو تأليف حكومة تكون منشغلة بمسألة واحدة هي القيام بإصلاحات يقرّها المجلس النيابي بقوانين تجعل لبنان مرشح جدير بالاحترام للإتفاق مع صندوق النقد الدولي”.

حاليا لبنان ليس مرشحا جديرا بالاحترام للتفاوض مع صندوق النقد

ويؤكد “حاليا لبنان ليس مرشحا جديرا بالاحترام للتفاوض مع صندوق النقد، ولكن إذا أجرى هذه الاصلاحات فإن صندوق النقد يفتح الباب أمام الدعم الدولي للبنان سواء عن طريق مؤتمر سيدر أو ما يشبهه”، لافتا إلى أن “المبادرة الفرنسية لا تغير في الواقع السياسي اللبناني ولا هي مرتبطة بالولايات المتحدة الاميركية، صحيح  أن لفرنسا طموح سياسي في منطقة شرق المتوسط ولكن هذا ليس أساسيا بالنسبة لنا كشعب لبناني، الاهم بالنسبة لنا هو أن المبادرة الفرنسية فتحت نافذة على إمكانية معالجة أوضاعنا المالية والاقتصادية ووقف التردي على الاقل وشاءت القوى السياسية العظيمة أن تقفل هذه النافذة”.

إنتكاسة محلية الصنع

إذا كانت الانتكاسة التي أصابت المبادرة محلية الصنع، من الطرف الاكثر مسؤولية عن ذلك؟ وهل تمديد فترة المبادرة سيسمح لهذه الاطراف بمراجعة حساباتها؟يجيب مترى “ليس مهما من يتهم الاخر في لبنان في إفشال المبادرة، المهم ما قاله ماكرون في هذا الاطار وهو حدد الجهة الاكثر مسؤولية، وأعتقد أن بعض الاطراف سعيد بإفشال المبادرة ويعتبر نفسه قد حقق مكسبا سياسيا، ومن يفكر بهذه الطريقة لن يراجع حساباته بالتأكيد، ولن يفكر مليا بمصلحة اللبنانيين والناس التي باتت لا تعرف كيف تؤمن قوتها اليومي،أوالناس التي تتحسر على ودائعها المحجوزة في المصارف أوالذين يسعون للهجرة، كل هذه الفئات كانوا ينتظرون النافذة الفرنسية لمساعدتهم على وقف تردي أوضاعهم وزيادة قدرتهم على الاحتمال”.  

لبنان ُملقى على قارعة الطريق ولم يعد له صديق لا في الوطن العربي ولا في العالم

يضيف:”لدي شك بقدرة ورغبة القوى السياسية في أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الحاجات للناس، نحن في بلد (لسوء الحظ) المصالح السياسية والطائفية هي فوق الخير العام، وكل يوم تعطينا القوى السياسية مثلا على ذلك، وما حصل في المبادرة الفرنسية مثل جديد على ذلك  بأن النفوذ السياسي وكرامة الطائفة والحقوق الطائفية والحزبية هي أهم من المصلحة العامة، السياسيون اللبنانيون عودونا على هذا الامر و يمكن أن يستمروا في هذا السلوك”.

المبادرة الفرنسية كرست ان  النفوذ السياسي وكرامة الطائفة أهم من المصلحة العامة

إلى أين سنصل؟ يجيب متري :”هذا السلوك سيكون من نتائجه مزيد من التردي الاقتصادي وإدارة ظهر المجتمع الدولي لنا، لبنان ُملقى على قارعة الطريق ولم يعد له صديق لا في الوطن العربي ولا في العالم، جاء الفرنسيون بمبادرة(أيا كانت دوافعهم) وحاولوا أن يعاملونا كأصدقاء لمساعدتنا على الخروج مما نحن فيه وبإفشال هذه المبادرة عدنا إلى ما كنا عليه، بلد معزول على قارعة الطريق وإذا كان هذا ما يريده السياسيون فقط نالوا ما يريدون”. 

ويختم:”لا أعرف ماذا يدور برؤوس هؤلاء الناس(الطبقة السياسية) وإذا كانت إختلاف آرائهم حول المبادرة الفرنسية ستؤثر على التحالفات في ما بينهم، علينا الانتظار حتى يأخذوا موقفا علنيا  ونرى”.

السابق
أي رئيس انتحاري للتكليف؟!
التالي
نتنياهو في تصريح خطير: إنفجار آخر سيحدث في الضاحية بسبب «حزب الله»!