رسائل الراعي من دون «كفوف» برعاية فاتيكانية ورغبة فرنسية: لا عودة إلى الوراء

البطريرك الراعي

من اللافت أن تزداد مساحة الموقف السياسي في عظات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي منذ 5 تموز الماضي وحتى الآن، يومها أطلق الراعي موقفه المتعلق بحياد لبنان الايجابي ثم تدرجت وتوسع كلامه حول مفهوم الحياد وتحييد لبنان عن التدخلات الخارجية لكنها لم تأخذ مداها في النقاش الداخلي لأسباب عدة، أبرزها حصول إنفجار المرفأ في4 آب الذي حوّل الانظار في إتجاه آخر وساهم بولادة المبادرة الفرنسية التي كانت خارطة طريق لعقد سياسي جديد وتسوية بين ما يطمح إليه الراعي من حياد وما هو متاح من إتفاق داخلي لإنقاذ البلد من الهوة السحيقة التي ينزلق فيها.

اقرأ أيضاً: المبادرة الفرنسية مستمرة في «فكفكة العقد» بعيدا من السجالات الداخلية!

لكن سرعان ما تعثرت المبادرة الفرنسية أيضا بعد إصرار الثنائي الشيعي على الحصول على وزارة المالية، فكان السؤال للبطريرك الراعي يوم الاحد الماضي “بأي صفة تطالب طائفة بوزارة معينة كأنها لها وتعطل البلد كي تحصل على مبتغاها وتتسبب بأضرار إقتصادية ومعيشية”، فكان كلامه أكثر من رسالة واضحة بأنه لا يمكن العودة إلى الوراء وبأنه لا يمكن لأي طرف الاستمرار خارج المبادرة الفرنسية التي لن تفشل بل ستظل مستمرة وبأشكال متعددة، إلى أن يتيقن أهل السلطة في لبنان بأن لا فائدة من كسب الوقت ولا بد من السير في ركابها لا محالة.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ما هي الركائز التي يستند إليها خطاب الراعي الذي يزداد صراحة وتسمية للأمور بأسمائها من دون “كفوف” أو”إستعارات”؟ يجيب مقربون من بكركي على هذا السؤال بالقول لـ”جنوبية”: “لا شك أن المنحى الذي ينتهجه البطريرك الماروني منذ 5 تموز الماضي وإلى الآن هو منحى تصاعدي بناءا على رغبة فاتيكانية وموافقة فرنسية من أجل الحفاظ على الكيان اللبناني الذي بدأ يتداعى نتيجة الازمة الخانقة التي نعيشها والتي تدفع المسيحيين في لبنان إلى الهجرة، إذ أن هناك لوائح شهرية تصل تباعا إلى بكركي والفاتيكان تظهر إزدياد أعداد المسيحيين الذين يهاجرون بسبب الازمة، وبالتالي فالفاتيكان يهمه الحفاظ على أن يكون الحضور المسيحي في لبنان أساسي وفاعل وعدم حصول أي تعديلات دستورية تفقد المسيحيين دورهم، أما تأييد الاميركيين لمواقف الراعي فلها لأهداف أخرى تصب في رغبتهم في تقليص دور حزب الله في لبنان”.

ويختم الزوار:”البطريرك سيكمل في تسمية الامور بأسمائها والفقرة السياسية في عظة الأحد ستكبر وستتناول أكثر من ملف، بحيث سنكون أمام إستعادة لدور البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير وما يمكن تسجيله في هذا الاطار أن الجمهور المسيحي يزداد تأييدا لوجهة نظر سيد بكركي”.

المطران سمير مظلوم
المطران سمير مظلوم

مسؤولية ضميرية

على خط بكركي يشرح النائب العام البطريركي المطران سمير مظلوم لـ”جنوبية” سبب صراحة البطريرك الراعي وحرصه وضع الاصبع على الجرح في هذا التوقيت بالذات بالقول:” الراعي حامل هم هذا البلد والشعب والمودعين والناس الجائعة والمريضة والدولة المنهارة كليا، ومحبته للبنان واللبنانيين هي الدافع له لتحريك الامور الجامدة، وهدفه تحفيز كل المسؤولين اللبنانيين على ضرورة التعاون مع بعضهم البعض والتنازل عن مصالحهم الشخصية والفئوية لإيجاد حلول وهذا مسؤوليته الكبرى والضميرية ولا يمكن التراجع عنها”، مشددا على أنه “لهذا سيكمل بهذا الوضوح الذي هو غير موجه ضد أحد او طائفة معينة بل هو وصفة لخلاص لبنان ولجمع كل اللبنانيين وحثهم على إيجاد حل للأزمة التي نعيش فيها”.

مظلوم لـ«جنوبية»: بقاء المبادرة الفرنسية يجنب لبنان الانهيار 


يتمنى مظلوم أن “لا تلفظ المبادرة الفرنسية انفاسها الاخيرة وأن تبقى قائمة إلى أن يقتنع الجميع بالمشاركة في إنجاحها الذي هو لمصلحة الجميع وفشلها هو إخفاق للكل وانهيار نهائي للبنان”، لافتا إلى أن “الخطر هو أن الشعب اللبناني بدأ يجوع، والخطر أن البلد ذاهب نحو الدمار والافلاس النهائي وإذا لم تشكل حكومة تستطيع معالجة هذه الامور والازمات المتراكمة على كل الاصعدة، فإن الشعب اللبناني متجه نحو الانهيار الكامل وهذا الخطر الذي دفع البطريرك للحديث بصراحة ووضوح”.
يشدد مظلوم على أن”الفرنسيين حاولوا قاموا بمبادرة إنطلاقا من محبتهم واندفاعهم تجاه لبنان والشعب اللبناني ولمساعدته في الخروج من الوضع المأساوي الذي يعيشه بعد حصول الانفجار في مرفأ بيروت والضحايا والدمار الذي خلفه”، مشيرا إلى أن”مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون التي عرضها مع المسؤولين اللبنانيين كانت واضحة ووعدوه بأنهم سيسيرون بها والمساعدة على تشكيل حكومة بشكل سريع لمعالجة الامور”.
ويسأل مظلوم:”هل وفى المسؤولون اللبنانيون بوعدهم لرئيس بلد مثل فرنسا والذي حرص على إستثمار علاقات بلاده الدولية لمساعدة لبنان؟ النكث أو تغيير الوعد ليس أمرا جيدا بحق لبنان واللبنانيين ولأن فشل ماكرون في مهمته هو فشل لنا جميعا وفشل للشعب اللبناني”.

تعبير عن حيرة

يفسر عضو المجلس التنفيذي السابق للرابطة المارونية سهيل مطر لـ”جنوبية” منهجية تفكير البطريريك الراعي الذي دفعته إلى المناداة بالحياد أولا ثم تسمية الامور بأسمائها في عظة الاحد بالقول:”يسعى البطريرك الراعي إلى رسم صورة واضحة للمشهد السياسي اللبناني عبر الاجابة على سؤال “لماذا نتأخر في تأليف الحكومة”، فكان كلامه بأن السبب لأن كل طرف متمسك بطرح معين، والدليل على هذا الامر ما قاله الرئيس ميشال عون يوم الاثنين أن هناك أطرافا تريد تشكيل الوزارة من دون إشراك أحد وقصد بذلك رؤساء الحكومة السابقين، وهناك أناس متمسكون بوزارة معينة اي الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله ولذلك نحن واقعون بهذا المأزق، والبطريرك الراعي عبر عن هذه الحيرة بصراحته وقال أنه لم يقصد طائفة معينة بل سياسيين معينين”.

مطر لـ«جنوبية»: الراعي رسم صورة المشهد السياسي ولم يقصد طائفة معينة

يضيف:”صحيح أن عظته يوم الاحد كان فيها شيء من اللاحياد، ولا شيء يمنعه من إبداء رأيه ولكن كلامه “من قال لطائفة أن تحتكر وزارة معينة أو منصبا معينا” لا يُقال فقط للشيعة بل لكل الطوائف والفئات السياسية في لبنان، لأن هذا الكلام نتائجه وواقعه هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم”، معتبرا أنه “بكل صدق وصراحة حاول اللبنانيون منذ 100 عام بناء دولة وفشلوا بسبب هذا النظام الطائفي اللعين ونحن اليوم نعيش نتائجه وبشاعات التي ولّدها فينا”.
يرى مطر أن “طرح الراعي والرئيس بري حول تطبيق الدولة المدنية يدفع للسؤال ما هي الدولة المدنية علينا تفسيرها، فمشكلتنا في لبنان هو مشكلة مصطلحات وكلنا نختلف حول ما تعني و هذه نقطة الضعف فينا كلبنان”.
ويشدد على أنه “لا يوجد إنسان في لبنان لا يريد الحياد لكن السؤال ما هو الحياد وكيف نصل إليه، لأنه لا يمكن أن أكون حياديا بين الخير والشر وبين الامور الوطنية والسيادية وأعتقد أنه يجب الاتفاق مع سيدنا البطريرك حول ما هوالحياد ومعناه وكيف يمكن أن نصل إليه في لبنان وبتحييد الذين يتدخلون في شؤوننا الداخلية”.

ويختم:”أنا حيادي وأحب أن أظل كذلك، لكني لا يمكن أن أكون حياديا بين إسرائيل وسوريا أو بين هذا الحزب ذو العقيدة القومية وذاك الحزب ذو العقيدة الاصولية، من هنا تمنياتنا على سيدنا أن يكون لديه التصور الكامل للحياد في لبنان والعالم العربي الذي نعيشه فيه، وهذا هو المطلوب منه كي يكون الطرح الذي طرحه قابلا للحياة”.

السابق
عون بعيدا عن التهكم.. صرخة يائس تكبله التحالفات!
التالي
ما حقيقة اندلاع حريق في باخرة مقابل ضبية؟