بعد العراق..أي منقلب سينقلب «الثنائي الشيعي» في لبنان؟!

الثنائية الشيعية
بعد الإنقلاب على إتفاق الطائف في 7 أيار 2008 وإستبداله بإتفاق الدوحة ، ومن ثم الإنقلاب على مفاعيل إتفاق الدوحة بالإنقلاب على حكومة سعد الحريري بدايات عام 2011 بحجة شهود الزور، وقبلها التنصل والإنقلاب على النسخة الجديدة من السين - سين عام 2010 ، وبعدها الإنقلاب على إتفاق بعبدا عام 2012 الذي أقر النأي بالنفس.

ها هو اليوم الثنائي الشيعي يعود وينقلب على المبادرة الفرنسية التي جاءت بعد كارثة المرفأ وبعد أن وصل الوضع اللبناني حد الإنهيار الشامل ، والذي كان من المرحبين بها لا بل كان أحد المبشَرين بدخول جنتها عبر تمييز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للنائب محمد رعد بلقاء منفرد معه ولو لدقائق ، والتي أتت أصلا كخشبة خلاص وإعادة تعويم لهذه السلطة السياسية الغاشمة بقيادة هذا الثنائي وثالثه التيار الوطني الحر ، ما يدعو إلى طرح السؤال ماذا يريد الثنائي الشيعي ومَن وراءه من لبنان بعد كل هذه الإنقلابات على العهود ؟

إغتيال الحريري

لا شك بأن الإنقلاب الأكبر على الطائف كان جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي أتت بنتيجة عكس ما توقع مرتكبوها فإنقلب السحر على الساحر يومها بعد أن إندلعت ثورة الأرز وما تلاها من خروج قوات النظام السوري من لبنان والإنقسام على مستوى الشارع السياسي اللبناني بين فريقي 8 و 14 آذار ، فكان الإتفاق الرباعي السيء الذكر مخرجا يومها لتمرير الإنتخابات النيابية ولجنة التحقيق الدولية في جريمة الإغتيال ، وإنعقاد طاولة الحوار لدرس الإستراتيجية الدفاعية لحل مسألة سلاح حزب الله ، فكانت مرحلة كسب للوقت كما تبين لاحقا من جانب قوى 8 آذار وإنحناءً للعاصفة الدولية التي هبت إثر جريمة الإغتيال.

استكمال لانقلاب 1 تموز 2006

وكان الإنقلاب الأول في تموز 2006 حيث إتخذ حزب الله قرار الحرب ضاربا عرض الحائط بطاولة الحوار ومن عليها فأختلطت الأوراق وبات البلد والمنطقة في جو آخر تماما ، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بعد صدور القرار 1701 بمواكبة من حكومة ” المقاومة السياسية ” كما وُصفت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة يومها ، وبعد جولة للسنيورة في الضاحية الجنوبية لبيروت أستقبل فيها إستقبال الأبطال ، فجأة حدث الإنقلاب الثاني على الحكومة على خلفية العمل على إقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

إقرا ايضاً: «قارب الموت» الطرابلسي تابع..البحث عن 9 مفقودين والحريري يتدخل!

وباتت حكومة السنيورة هي نفسها تسمى بحكومة فيلتمان وإنسحب منها الوزراء الشيعة ووقع الحُرم المذهبي على أي شيعي آخر يفكر في تولي أي منصب وزاري في سابقة خطيرة جدا أسست لأعراف جديدة في فهم والحديث عن الميثاقية بين اللبنانيين ، وما نشهده اليوم من عرقلة لتشكيل الحكومة بحجة الحفاظ على الميثاقية ما هو إلا تمادٍ وإستمرارية لتلك التطورات والأحداث في العام 2006 حيث إحتل أنصار الثنائي الشيعي وتوابعهم من قوى الثامن من آذار الساحات وعطلوا البلد وأقفلوا مجلس النواب وهي كلها خطوات ساهمت وأسست لما نعانيه اليوم من خواء سياسي وإنهيار إقتصادي وإجتماعي .

سان كلو والمثالثة

تدخلت يومها فرنسا وعقد مؤتمر سان كلو عام 2007 حيث جرى الحديث لأول مرة عن المثالثة في الحكم وقيل يومها بأن الإقتراح كان فكرة إيرانية ، وفشل المؤتمر وإنتهى الأمر بأحداث 7 أيار 2008 حيث أحكمت قوى الثامن من آذار بقيادة الثنائي الشيعي سيطرتها على السلطة والبلد عبر إتفاق الدوحة الذي جاء وكأنه إستكمال لجريمة 14 شباط 2005 في الإنقلاب على الطائف بما هو تسوية وميثاق جديد للبنان كلف عشرات آلاف الضحايا والمصابين قبل أن يُقَر ويعتمد كدستور للبنان ، وتتابعت الإنتهاكات للدستور بعدها مرات ومرات وكان أكبرها ترك البلد في فراغ رئاسي لمدة عامين ونصف العام تقريبا حتى فرض مرشحهم ميشال عون.

“اسلامان متقابلان”: حركي سني وشيعي !

كل هذه التطورات منذ جريمة 14 شباط 2005 وحتى اليوم أتت كما هو معروف بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 الذي أتى بدوره بعد إحتلال أفغانستان في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وهو الغزو الذي غيَّر خارطة المنطقة السياسية نتيجة التخاذل العربي والخبث الإيراني بحيث أهدى العراق على طبق من فضة إلى إيران عبر تنصيب عملائها كحكام لهذا البلد بذريعة تمكين الأكثرية من التخلص من حكم الأقلية ، بينما هو في الحقيقة كان إستمرارا للنهج الأميركي بوضع الإسلام الحركي الشيعي المتطرف في المنطقة في مواجهة الإسلام الحركي السني المتطرف هو الآخر الذي قام بعملية 11 سبتمبر ورواسبه للتخلص منه وإشغال المنطقة بصراعات مذهبية وهو إستكمال لما كان قد بدأ في أواخر سبعينيات القرن الماضي حين تخلت واشنطن عن شاه إيران وتغاضت عن المد الإسلامي الشيعي في إيران بهدف محاصرة الإتحاد السوفياتي يومها الذي كان قد إستولى على أفغانستان عبر إنقلاب قاده الشيوعيون فيها ما أدى بعدها بعامين إلى الغزو السوفياتي المباشر لأفغانستان ، محاصرته بالمد الإسلامي وهو ما حصل بالفعل عبر تجنيد وحشد ودعم من قبل أميركا وحلفائها في المنطقة للإسلام الحركي السني الذي عُرف بعدها بالأفغان العرب والمجاهدين الأفغان الذين أذاقوا الإتحاد السوفياتي الأمرّين وهزموه شر هزيمة أدت إلى تفككه بعدها.

شيعة العراق

في العراق تم وضع دستور ونظام حكم جديد شبيه بالنظام الطائفي اللبناني بحيث وزعت الرئاسات الثلاث على الطوائف والأعراق بحيث باتت رئاسة الجمهورية ذات الصلاحيات المحدودة من نصيب الأكراد ورئاسة البرلمان من نصيب العرب السنة ورئاسة الحكومة التي هي السلطة التنفيذية في الدولة كما هو معروف بكامل صلاحياتها أعطيت للطائفة الشيعية التي هي بالحقيقة ونسبة للواقع العراقي بعد الغزو تعني جماعة إيران الذين تجمعوا تحت إسم الإئتلاف الوطني العراقي كما هو الحال في لبنان عبر الثنائي الشيعي وخاضوا الإنتخابات المتتالية وبطبيعة الحال كانوا يحصدون الأغلبية نسبة لإمكانياتهم والدعم السياسي والمالي الذي يتلقونه من إيران وبسبب من عدم وجود منظومة سياسية سنية فاعلة خاصة بعد الضربات التي تلقاها السنة العرب بعد إنهيار نظام صدام حسين بحيث حُمِّلوا تبعات أخطاء وخطايا نظامه.

حتى ان المرة الوحيدة التي تصدر فيها إياد علاوي نتائج الإنتخابات بتحالفه مع السنة خارج العباءة الإيرانية في إنتخابات 2010 جرى الإلتفاف عليه وحصل تقاطع أميركي – إيراني لإعادة نوري المالكي إلى رئاسة الحكومة في العراق الذي دمرته هذه الفئة وأغرقته بالفساد وبات في وضع يرثى له شبيه بما نعاني منه في لبنان اليوم.

ماذا يريد حقيقةً الثنائي الشيعي ومن ورائه إيران من لبنان من وراء كل هذه الإنقلابات والأعراف والبدع السياسية؟

وهو البلد الذي لطالما كان للتطورات فيه تأثيرها على الأحداث والتطورات في لبنان منذ إنقلاب عام 1958 وما تلاه من نزول قوات المارينز الأميركية على الشاطئ اللبناني دعما للسلطة في لبنان التي كانت تواجه يومها ما سمي بثورة 58 على خلفية التطورات والأحداث في المنطقة العربية ونشوء حلف بغداد ، وكذلك بحكم أنهما – العراق ولبنان – يمثلان مركز الثقل الديموغرافي للشيعة العرب وما يمثله هذا الثقل من أهمية في ظل تنامي المشروع الإيراني في المنطقة.

وهو ما يدفع للتساؤل ماذا يريد حقيقةً الثنائي الشيعي ومن ورائه إيران من لبنان من وراء كل هذه الإنقلابات والأعراف والبدع السياسية التي يخرجون بها بين الفينة والأخرى وآخرها بدعة أن وزارة المالية طوبت للشيعة في مؤتمر الطائف مع العلم أن جردة بسيطة للحكومات منذ الطائف وحتى اليوم تظهر عدم صحة هذا الطرح ، وإذا كان البعض يدَّعي بأن الوصاية السورية كانت ضاغطة على المكون الشيعي في هذا الموضوع قبل خروجها فكيف نفسر حكومات ما بعد ال 2005 إذن؟

بدعة الميثاقية

ثم أن هذه البدعة هي من أخطر البدع السياسية بحيث تعطي الحق لكل طائفة من الطوائف أن تطالب بتطويب وزارة معينة لها وبإسم الميثاقية أيضاً وهو ما معناه الشلل والتعطيل في وقت البلد لم يعد يحتمل هذه المناورات التي تعني اللعب بالأسس الميثاقية التي يتغنى بها دائما هذا الثنائي والتي قام عليها البلد بعد الحرب الأهلية.

فالحديث عن التوقيع الثالث معناه الحديث عن المثالثة ، وهذا الحديث كما هو معروف يستفز المكون المسيحي في البلد فهل يطرح ويعمل الثنائي الشيعي على المثالثة تارة ، وأخرى على طرح المؤتمر التأسيسي كي يصل إلى وضع نظام جديد للحكم يشبه النموذج العراقي مثلا بحيث تصبح رئاسة الحكومة للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة وتبقى رئاسة الجمهورية للمسيحيين ؟

وهل هذا ما تريد إيران الوصول إليه في النهاية من تحكم بمصير لبنان عبر إحكام قبضتها على السلطة السياسية وهو الأمر الحاصل فعلا اليوم ولكنه غير مكرس دستوريا بل هو قائم بفعل قوة الأمر الواقع والسلاح ؟ وهل تدرك هذه الأطراف – إذا كان هذا هدفها فعلا – مدى تكلفة هذا المشروع الإنتحاري للبلد في ظل هذه الظروف ؟

للأسف كل المؤشرات توحي بأن المطلوب هو تغيير في بنية النظام تحت مسميات عدة ، وما البهلوانيات السياسية التي تحصل من حين لآخر إلا من ” عدة الشغل ” المطلوبة للوصول إلى الهدف النهائي الذي هو السيطرة المطلقة خدمة لمشاريع خارجية غير لبنانية بغض النظر عن طائفية المناصب وهنا مكمن الخطر ، خاصة وأن التطورات الأخيرة في المنطقة من تطبيع خليجي للعلاقات مع إسرائيل قد جعل من إسرائيل تقريبا دولة على حدود إيران بعد أن كانت إيران تتباهى بأنها باتت على حدود إسرائيل بسيطرتها على أربع عواصم عربية وهو تطور خطير يمثل حقيقة الصراع القائم في المنطقة وهو بالنهاية صراع مصالح وليس صراعا إيديولوجيا كما يحاول البعض تسويقه.

كومبارس المستعمرين!

فالمصالح هي التي تقود السياسة وليست الإيديولوجيا وما التلطي وراء قضية فلسطين وتحريرها من جهة ، وقضية الدفاع عن مصلحة الطائفة والمذهب من جهة أخرى إلا وقود لهذا الصراع على المصالح يدفع ثمنه الناس العاديون البسطاء الذين لا هم لهم سوى تأمين لقمة العيش والحياة الكريمة بعد أن أعيتهم الصراعات والحروب العبثية التي لا تصب إلا في مصلحة المخططين لها الطامعين بخيرات المنطقة وموقعها الإستراتيجي ضمن سعيهم لإنجاز أحلامهم التوسعية الإمبراطورية ، يساعدهم فيها بعض المهووسون بأحلام وجنون العظمة من أبناء هذه المنطقة الذين تضخمت الأنا عندهم لدرجة باتوا يشعرون معها بأنهم من يصنعون الأحداث.

وما هم بالحقيقة سوى بيادق شطرنج في أيدي أصحاب المشاريع ، وأنهم مجرد كومبارس في مسرحية أو فيلم سينتهي دورهم فيه إن عاجلاً أم آجلاً لأن منطق الأمور يفرض بأن لكل فيلم بداية ونهاية ، والنهايات في مثل هذه الأفلام غالبا ما تكون دموية ومأساوية للأدوات لأن لها عمرا إفتراضياً ومدة صلاحية محددة ترمى بعدها على قارعة الأحداث أو تذهب ” فرق عملة ” كما يقال على مذبح المصالح المتقاطعة .

السابق
«قارب الموت» الطرابلسي تابع..البحث عن 9 مفقودين والحريري يتدخل!
التالي
تشكيل الحكومة في حاجة إلى تدخل ماكرون لدى القيادة الإيرانية!