«الممانعة» تطلق النار على رجلها.. و«تُشظي» المبادرة الفرنسية!

إيمانويل ماكرون و ميشال عون

هل تكون مواجهة رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب العراقيل التي تعترضه خلال تشكيل الحكومة بـ”التريث” وإعطاء الوقت “لمزيد من التشاور” مع رجال سياسة عتاة يئن لبنان من تسبُّبهم الدائم بأزماته حينًا بعد حين، ويضجّ اللبنانيون من مراوغاتهم  البغيضة المتجددة مع كل صباح، والتي إذا واجهها مَن لو أعطي صبرَ أيوب لصرخ من داخل أعماقه: “صبرت صبر الصابرين حتى ملّ الصبر عن صبري”؟ كانت باكورة قرائح هؤلاء التي لطالما جادت بما ينغّص على الناس عيشهم، ما رموه في وجه أديب في آخر حلقة من سلسلة أزماتنا المتناسلة، وهو خروج رئيس مجلس النواب نبيه بري على اللبنانيين بأول “المراوغات” القائلة ببدعةِ ميثاقيةِ تخصيصِ وزارة المال للشيعة، وذلك بموجب نظام مدَّعًى لمحاصصةٍ طائفية منصوص عليها في الطائف، فوصل به الالتزام بمبدأ “اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الناس” إلى درجة وصوله بالإفك حتى إلى دستور الطائف، ورغم جوجلة وسائل الإعلام أسماء الوزراء المتعاقبين على وزارة المال منذ الطائف وإطلاع الرأي العام عليها، ليتبين أنهم 6 شيعة و8 سنة و5 مسيحيين، وأن لا العرف ولا الدستور طوّبا “المال” لـ”الثنائي”، لا يزال رئيس حركة أمل على رأيه بطيران العنزة، في وقت أعلن بيان عن مكتبه رفْضَه طريقة أديب عدم التفاوض في التشكيل، وأنه قرر في ضوء ذلك عدم الانضمام إلى الحكومة، ليلحقه إلى إعلان الاستنكاف ذاته “التيار الوطني الحر”، مؤكدًا (بري) أن “المشكلة ليست مع الفرنسيين ولا داخلية”، بل “الاستقواء بالخارج” (؟؟!!!)، مع معرفة القاصي والداني أن بري يدين بكل حجمه السياسي إلى الخارج.

اقرأ أيضاً: فترة سماح فرنسية حكومية..ورهان على «أرنب» بري لحل عقدة «المالية»

تمييع المبادرة

أوليس تمييع المبادرة الفرنسية منذ البداية، مع اتصال الرئيس ماكرون ببري التي لا تُفهم إلا أنها استرضاء على رغم إفادة مكتبه بأنه يضغط على الساسة اللبنانيين لتشكيل حكومة وإجراء إصلاحات للقضاء على الفساد ومواجهة شلل القطاع المصرفي وانهيار العملة، ومع قول المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول إن “الأمر متروك إلى القوى السياسية اللبنانية للوفاء بتعهداتها تشكيل حكومة وترجمتها إلى أفعال دون تأخير”، أوليس هذا لن يؤدي مع هؤلاء سوى إلى استجرار المزيد من التنازلات ثم المرواحة القاتلة وتفشيل المبادرة؟

في ظل التوترات السياسية كالتي نشهدها اليوم في لبنان كانت مهلة الـ15 يومًا لتشكيل حكومة في السابق من شبه المستحيلات، إذ كان يستغرق شهورًا، لكن الظروف الداخلية (الحصار والعقوبات) والخارجية (دعم المبادرة الفرنسية أميركيًّا وأوروبيًّا ومن المجتمع الدولي والتصميم على فرض حل في لبنان) اليوم خلقت الأمل بتحقيق شبه المستحيل، فلماذا التمييع وتضييع الفرصة بعد أن أينعت الثمرة وحان قطافها؟ سوف تلتزم حكومة أديب كليًّا بالورقة الإصلاحية التي أعدها ماكرون في اجتماع قصر الصنوبر مع ممثلي ثمانية أحزاب سياسية وسميت «مشروع برنامج للحكومة الجديدة»، فلماذا النكول عنها اليوم واعتبارها “تدخلًا خارجيًّا”، مع أنها تُعتبر حقًّا حبلًا للخلاص وإخراج لبنان من عنق الزجاجة، إذ تناولت رؤوس الحلول الإنقاذية وتدخلت حتى في التفاصيل (كإلغاء مشروع سلعاتا مثلًا)؟ لا شك في أن تداعيات سقوطها ستكون ثقيلة جدًّا، وما احتكاك ميرنا  الشالوحي سوى مثال بسيط على الاحتقانات الكامنة التي ستؤدي إلى الانفجار الكبير لا قدر الله.

مطالب المبادرة

لقد طالبت المبادرة بتحقيق محايد ومستقلّ في انفجار المرفأ بمساندة شركاء دوليين، وبتبادل منتظم لوجهات النظر مع المجتمع المدني في ما يتعلق بالإصلاحات، وبالموافقة السريعة على مطالبة صندوق النقد الدولي بالكابيتال كونترول والتدقيق في حسابات مصرف لبنان الذي تم تكليف شركة “أوليفر وايمان” به، والتعيين السريع لمسؤولي الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وإطلاق استدراجات عروض لمعامل توليد الكهرباء بواسطة الغاز لتقليص الاستعانة بالمولّدات، وعقد اجتماع ثانٍ لمجموعة متابعة مؤتمر سيدر، وإنجاز التعيينات القضائية والمالية والقطاعية، وتعيين أعضاء “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” ومنحها القدرات الضرورية للعمل، والانضمام إلى “منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية” حول مكافحة الفساد في العالم، والتطبيق الفوري للإصلاحات الجمركية، وإنشاء بوابات رقابة في مرفأي بيروت وطرابلس ومطار بيروت وفي نقاط المرور الحدودية الأخرى، واعتماد ميزانية متجانسة لسنة 2021، وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة في مهلة سنة كحد أقصى، وإصلاح القانون الانتخابي مع ضمّ المجتمع المدني بشكل كامل…..إلا أن تجربة اللبنانيين الأحرار مع شياطين الممانعة تدلهم بالبداهة على أنهم لن يرضوا إلا بأخذ نصيبهم “الدسم” في الحكومة العتيدة إلا إذا أُجبروا على عكس ذلك، بدءًا بـ”المالية” وليس اكتفاء بها، فـ”المالية” للاستمرار في اتخاذها وسيلة للتهرّب من تأثير العقوبات الدولية، وما تصرف وزير المال في حكومة تصريف الأعمال والمعاقَب دوليًّا علي حسن خليل في وزارته عنّا ببعيد، إذ كان يفتح حسابات مالية لمسؤولي حزب الله باسم الوزارة يتسلّمون ويرسلون الأموال عبرها، و”الصحة” لترويج الدواء الإيراني، و”الأشغال” للتغاضي عن “أنفاق” حزب الله وممراته الخاصة الخارجة عن أي قيد في المطار والمرفأ والحدود البرية، الشرعية وغير الشرعية، و”الطاقة” لدفن أسرار اختفاء مليارات الكهرباء في أقبية فساد وزراء “التيار الوطني الحر”.

لقد طالبت المبادرة بتحقيق محايد ومستقلّ في انفجار المرفأ بمساندة شركاء دوليين، وبتبادل منتظم لوجهات النظر مع المجتمع المدني في ما يتعلق بالإصلاحات

وبانتظار موعد لا دليل عليه كشفت عنه مصادر تلفزيونية، وهو يوم الخميس، لتقديم أديب تشكيلته إلى رئيس الجمهورية، فإن أمام الأخير خيارين: إما عدم التوقيع فيضع أديب على درب المراوحة التي وُضع مَن قبله عليها، والمراوحة تجر مثلها ثم مثلها… وإما يدفعه إلى الاعتذار، وبالتالي انفتاح لبنان على جميع الاحتمالات…

اقرأ أيضاً: المبادرة الفرنسية «صامدة».. وترقب لنتائج لعبة «المتاهة» الحكومية

تفشيل الحكومة

وإما يوقّع ويترك تفشيل الحكومة إلى مجلس النواب، خصوصًا في ضوء ما نُقل من أنه قال لأديب في ما يشبه السخرية: لو أنك تضمن إيجاد نصف عدد النواب زائد واحدًا لوقّعت في الحال أي ورقة تأتيني بها”، ولكن…سواء كان هذا أو ذاك فإن الفرنسيين ومن يقف وراءهم يريدون أكل العنب، ولن يستطيع تذاكي سياسيي “الممانعجية” الساذج والسخيف بادعاء أن مجلس النواب هو مَن رد التشكيلة وليس هم، رد الغضب الغربي الذي سيتفجر بقتل الناطور، عبر ضربات مؤلمة لهذا المحور يقوم بها الأميركيون والإسرائيليون، تتمثل في ضربات أشد على السلاح الإيراني التابع لحزب الله في سوريا والذي يلعب الروس دورًا أساسيًّا في إعطاء إحداثيات حركته إلى الإسرائيليين، كما أنهم يمنعون بأنفسهم أحيانًا بعضَه من الوصول إلى لبنان، ما تسبب بنقص كبير في الترسانة التي كان يُعِدّها الحزب لمواجهة إسرائيل في حال قررت اجتياح الأراضي اللبنانية،  وذلك إثر الاستياء الروسي الشديد من الرئيس بشار الأسد الذي كان ينسق مع الإيرانيين دونهم، وإبلاغهم إياه بطريقة غير مباشرة بأنه لن يكون على رأس سوريا في الانتخابات المقبلة وبدايه اتجاههم نحو اختيار رامي مخلوف خلفًا له، ما دفع الأسد إلى إبعاد مخلوف عن الساحة، ومدِّ يديه واتصالاته إلى الأميركيين والسعوديين والإماراتيين، وفي بعض الأحايين إلى الأتراك، معلنًا استعداده للاعتراف بإسرائيل مقابل بقائه في الحكم. وربما يلجأ ترامب، مطيحًا كل النظريات القائلة بأن في طيّ أي عمل عسكري قبيل الانتخابات مخاطرة بمصيره السياسي، ومحوِّلًا إياها إلى نظرية أن العمل العسكري هو جوازه إلى البيت الأبيض، إلى اغتيالات تطاول شخصيات ذات مستوى رفيع في حزب الله أو الإيرانيين، كقاسم سليماني وأضرابه، أو توجيه ضربات باليستية إلى داخل الأراضي الإيرانية بصواريخ تُستخدم للمرة الأولى تخترق التحصينات بكمية ونوعية هائلة من المتفجرات لضرب منشآت حساسة، في محاولة للضغط على إيران لإيقاف تدخلاتها على الساحة اللبنانية والرضى بالخطة الفرنسية.

سيناريوات أحلاها مر، ولا بد أن الشعب اللبناني ملاقٍ أحدَها، فالصبرَ الصبرَ يا شعب لبنان، لكم الله.

السابق
النجوم يجمدون حساباتهم على فايسبوك منعاً للتضليل والتحريض على الكراهية!
التالي
الادعاء على 4 اشخاص تسببوا بحريق المرفأ.. وهذه التفاصيل