الحاكم والطبقة السياسية.. «مساكنة» تعتاش على اموال الفقراء ووقف الدعم!

مصرف لبنان

عاد إسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى الواجهة مجددا، بعد تراجع نسبي سبّبه إنفجار مرفأ بيروت وتداعياته على لبنان لجهة الإطاحة بحكومة الرئيس حسان دياب وتكليف الرئيس مصطفى أديب لتشكيل حكومة جديدة. هذه العودة أتت ضمن سياق مسلسل “عضّ الاصابع” أو”تقاذف المسؤوليات” المستمر بينه وبين الطبقة السياسية منذ إندلاع الازمة المالية والسياسية، وتجلّت هذه المرة من خلال تسريب مصادر في المصرف المركزي خبرا منذ أيام بأن دعم المواد الاساسية كالدواء والطحين والمشتقات النفطية لن يستمر أكثر من ثلاثة أشهر( يقال أن هذا التسريب هو جزء من الضغط الفرنسي على السياسيين للسير بالاصلاحات وتشكيل حكومة جديدة بسرعة)، بعدها خرج سلامة ليعلن أن ذلك صحيح وأن بطاقة الدعم لهذه المواد هي أحد الحلول التي يتم التفكير بها لمعالجة تداعيات هذا التوقف الذي سنصل إليه لا محالة. فكان الرد من أهل السلطة بإشاعة “خبر إستقالته” كتلويح بما ينتظره وكجزء من الرد على الضغوطات المتبادلة بينهما.

اقرأ أيضاً: الغذاء بعد المازوت يُهرّب الى سوريا.. و«الثنائي» يُعتّم جنوباً على «الكورونا»!

كل ما يجري يشي بأن علاقة حلفاء الامس(الحاكم والطبقة السياسية) باتت أشبه بعلاقة “الحماة والكنة” فمن جهة هم ملزمون بالبقاء سويا على نفس المركب الحكم والسلطة الذي يؤمن لهم الفرار من المحاسبة والتحمل المسؤولية إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، لكنهم يترصدون الفرصة التي تتيح لأي طرف منهم رمي الطرف الاخر خارج هذا المركب كي تنهشه أفواه الناس الجائعة ليس إلى الخبز ومقومات الحياة الكريمة فقط، بل أيضا إلى معرفة ماذا حلّ بودائعها وجنى أعمارها.

كل ما سبق يدفع للتفتيش عمّا ينتظر الناس مجددا من هذا الصراع، هل هو مزيد من التقتير على الناس لجهة تمكنها من سحب ما يلزمها من أموال لها موجودة داخل المصارف، أم موجات عاتية من الغلاء الفاحش في المواد الاساسية طالما أن رفع الدعم عنها بات أمرا مفروغا منه في قاموس السياسيين والحاكم معا، وأن ما يجري هو محاولة إيجاد الاخراج المناسب لهذا الواقع القادم إلينا؟
الاستنتاج الاول الذي يمكن تسجيله في هذا الاطار هو أن “علاقة الحماة والكنة” بين سلامة والطبقة السياسية ستستمر إلى أن تأتي المبادرة الفرنسية بثمارها سواء على صعيد تشكيل حكومة أو تنفيذ الاصلاحات، والدليل هو تصريح سلامة نفسه للصحافية هادلي غامبل على ‎ CNBC اليوم صباحا بأنه”لا ينوي الاستقالة من منصبه، وأن قراره هذا يعود إلى مواصلته الاستراتيجية التي وضعها للخروج من الازمة”، رافضا “الاتهامات الموجهة إلى مصرف لبنان لجهة الوقوف وراء الازمة ومشددا على أن المركزي لطالما طالب الدولة بخفض العجز”.

حسين كنعان

مفعول كلام سلامة


أما مفعول هذا الكلام على الارض بحسب الخبراء الاقتصاديين فله معنى معنى واحد وهو أن الحاكم والسلطة السياسية هم شركاء في الجريمة ومفاعيلها على الشعب اللبناني وإن كانوا “تفرقوا بعدما إنفخت الدف”على ما يقول المثل اللبناني، إذ يشرح نائب الحاكم السابق لمصرف لبنان الدكتور حسين كنعان ل”جنوبية” أن “القانون اللبناني يعطي للحاكم عدم الاستقالة لكن المخالفات التي قام بها هي التي تقف بوجهه، فهناك وضع مالي ونقدي سيئ بسبب مجموعة من المسؤولين والحاكم سلامة هو أحدهم إلى جانب القيمين على الشأن السياسي والمالي في البلد، فهذه المسؤولية إذا إعتراها أخطاء فادحة تضر بالمجتمع فعلى المسؤولين أن يقدموا إستقالتهم وُيحاكموا”.

كنعان لـ«جنوبية»: الدعم على المواد الاساسية  قرار حكومي ولا صلاحيات لسلامة بإيقافه 

يشدد كنعان على أنه “ليس هناك خلاف بين الحاكم والطبقة السياسية وأنهم على سواء وإتفاق، بل هناك وضع إقتصادي ونقدي يجب أن يتحمل أحد مسؤوليته، وبالمعنى العملي فإن قانون النقد والتسليف يحمل المسؤولية لحاكم مصرف لبنان على النتائج التي نراها أمامنا”.
وينتقد كنعان تلويح الحاكم برفع الدعم عن المواد الاساسية، موضحا “الدعم الحاصل هو نتيجة قرار الحكومة وينفذه المصرف المركزي، ولا يحق له إتخاذ القرار بوقف الدعم ولا صلاحيات له بذلك ، يصب ذلك في باب التعدي على صلاحيات الحكومة النائمة في سبات عميق وبالاتفاق مع الطبقة السياسية” .
ويعتبر أنه “سواء إستقال الحاكم ام لم يستقل، رفع الدعم أم لم يرفعه هذا الامر بات تفصيلا في الوضع المالي الذي بات يحتاج إلى إصلاح حقيقي وولن يتم ذلك إلا عبر إنشاء صندوق نقدي على غرار ما حصل في أزمة هنغاريا، تجمع فيه أموال المؤسسات المنتجة في لبنان مثل قطاع الاتصالات والميدل إيست والكازينو لدعم الليرة اللبنانية ويترك للدولة مردود الضرائب من القطاعات الاخرى، لكن كل هذه الخطوات مرهونة بما ستحمله الحكومة الاصلاحية المقبلة”.

ايلي يشوعي خبير اقتصادي
ايلي يشوعي خبير اقتصادي

مشهد فوضوي

يوافق الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي على توصيف كنعان، ويفسر لـ”جنوبية” بأن ما يحصل هو مشهد فوضوي تسبب به حاكم مصرف لبنان، إذ أنه لم يكن مضطرا لمجاراة الطبقة السياسية الحاكمة والتفريط بالودائع المصرفية اللبنانية والتي وصلت إلى 70 مليار دولار، ولم يكن مجبرا على إتخاذ هذه الخطوة عبر إقناع المصارف بإقراض الدولة الودائع الموجودة لديها لقاء فوائد أكثر من مجزية بل هي فاحشة”، معتبرا أن “الحاكم تصرف وفقا لمصالحه الخاصة مخالفا بذلك قانون النقد والتسليف الذي ينص صراحة على أن البنك المركزي يعطي تسهيلات صندوق للخزينة المركزية ولا يقدم لها قروضا إلا بصورة إستثنائية مع التبريرات والحيثية اللازمة لذلك”.

يشوع يلـ«جنوبية»: امكانية الانقاذ موجودة ولكن  ليس بهذا الطقم السياسي و الاقتصادي 


ويشرح أن “الحاكم حوّل القاعدة إلى إستثناء والاستثناء إلى قاعدة، صحيح أنه لم يكن هناك إنضباط مالي في القطاع العام، ولكن من واجبات البنك المركزي أن يسهر على سلامة المصارف وسلامة ودائع الناس وهذه أهم مهمة من مهمات البنك المركزي”، لافتا إلى أن “الحاكم كان يرى بأم العين أن كل القروض والهبات التي كان كانت تأتي من الخارج لمساعدة لبنان كانت تذهب إلى جيوب الفاسدين، وبالرغم من ذلك قام بتقديم قروض داخلية لهذه الطبقة الفاسدة من دون قيد أو شرط ودون طلب أي كفالة من الخزينة والقطاع العام”.
يضيف :”ليس المهم أن يحصل تصادم بينه وبين الطبقة السياسية المهم ان الضحايا موجودين وهم الشعب اللبناني، وما نريده هو إنتشال البلد من الهوة المالية التي يقبع فيها ومن أوصل البلاد إلى هذا الوضع لا يمكن الرهان عليه لإنقاذنا مما نحن فيه، ولا معنى لكل التعاميم والتهديدات التي تحصل”.


ويختم:”الحكومة الجديدة المتوقعة والمنتظرة هي الفرصة الاخيرة قبل أن نرى لبنان يتفكك كدولة, إنها آخر فرصة للمحافظة على إرث الاجداد بدولة لبنان الكبير وأتمنى أن تأتي هذه الحكومة وُتسقط كل المشاريع المشبوهة حول الكيان اللبناني ومستقبله وإمكانية الانقاذ موجودة وليس بهذا الطقم السياسي والاقتصادي”.

السابق
مُسنّ مجهول في بعبدا.. هل تعرفون عنه شيئا؟
التالي
واشنطن تنفذ وعيدها.. عقوبات جديدة على حليفي «حزب الله»: من هما؟