نصرالله «المهجوس» بنظرية المؤامرة.. ولا من «يتآمرون»!

السيد حسن نصرالله

ذكرني خطاب سماحته بأستاذ الأدب العربي في المرحلة الثانوية. في الامتحانات الدورية، كان المعمول به إجراء امتحان كلما انتهينا من دراسة ثلاثة ادباء. وكان استاذنا يختار اديبين من الثلاثة وعلينا نحن الطلاب ان نختار الإجابة عن الأسئلة التي تطال اديبا واحدا. وكان يكفي دراسة اديبين لضمان النجاح. ولكن عندما تتكثف الدروس والامتحانات، فلا يعود بإمكاننا دراسة اكثر من أديب واحد، وأحيانا لا يحالفنا الحظ ويستثني استاذنا الأديب الذي ركزنا على دراسته. فكنا نلجأ إلى تجاهل الأسئلة المطروحة ونكتب ما نعرفه عن الأديب الذي درسناه بكل ثقة وتفصيل. وكان استاذنا، وهو استاذ واديب وشاعر محترم، رحمة الله عليه، يصحح المسابقة ويضع العلامات وفق صحة الإجابة ولكن عن سؤال غير مطروح. 

اقرأ أيضاً: صحيفة ألمانية تكشف القصة الكاملة لتخزين«حزب الله» ثلاث شحنات من نيترات الأمونيوم

الجمهور المسحور

هذا ما يحصل مع سماحته اليوم حيث يعالج الموضوع الذي يختاره هو ويهمل الموضوعات التي يمكن أن تحرجه، ويخترع معارك لم تنشب ليسجل انتصارات في معارك لم تقع. يختصر السيد موضوع التحقيق بكارثة المرفأ بالإعلان عن ان محققي الاف بي أي، حتى ولو اكتشفوا بأن لإسرائيل علاقة بالتفجير فإنهم سيتسترون عليها. ويردد الجمهور المسحور ذات الكلام لينتهوا إلى خلاصة ان لا حاجة لأي تحقيق دولي. علما ان عشرات السياسيين والخبراء والصحافيين والمحققين، قد اوضحوا عشرات العناوين التي يجب أن يطالها التحقيق والتي لا يبدو أن الحزب سعيد بتبيانها. يخترع سماحته مؤامرة إسقاط الدولة عبر إسقاط رئيس الجمهورية والمجلس النيابي! أين المؤامرة؟ المطالبة بإستقالة رئيس الجمهورية هو مطلب ديموقراطي ومن حق الرئيس الاستجابة او الرفض، كما أن استقالة بضعة نواب لن تؤدي إلى فرط المجلس. واذا كانت المؤامرة هي في استقالة كتل اكبر من ذلك فلماذا لم يتم الأمر؟ يبدو أن هناك حاجة لتسجيل انتصارات بأي ثمن بعد كارثة المرفأ لرفع المعنويات في ظل كثافة الحضور الأجنبي على الأراضي و الشواطىء اللبنانية.

الا ان كل ذلك يمكن فهمه في سياق الألاعيب السياسية ولكن ما لا يمكن قبوله هو اصراره على تشكيل حكومة وحدة وطنية من جميع القوى التي نهبت ودمرت و أجرمت في حق البلد، في الوقت الذي يهدد فيه المنتفضين السلميين بالحرب الاهلية. السيد مصر على معاداة شرفاء لبنان والتحالف مع القوى التي تبتزه في كل  لحظة وتقايضه عند كل مفرق. ربما لم يدرك سماحته بعد أن لا حلفاء له ضمن السلطة القائمة وان القضية هي مسألة وقت قبل أن تأتيه الطعنات من كل حدب وصوب. 

المتغيرات الحاصلة

بات على الحزب ان يدرك المتغيرات الحاصلة في المنطقة وفي لبنان. وان إعادة النظر في استراتيجياته الآن هي أكثر كلفة من الأمس وأقل كلفة من الغد. لقد بات من الضروري ان يخاطب اللبنانيين بلغة جديدة ينعقد حولها شبه إجماع. بات من الضروري انسحابه من شتى المعارك الخارجية والتي اساءت إلى علاقة لبنان بمحيطه العربي. بات من الضروري ان تكون قضايا النزاع الحدودي البري منها والبحري شأنا عاما وعلني ولا يتم التصعيد حولها وفقا لحاجات غير لبنانية، وعدم تقزيمه ليغدو وكأنه صراع الحزب وايران مع إسرائيل بغياب اهتمام المجتمع اللبناني.

هذا ما يحصل مع سماحته اليوم حيث يعالج الموضوع الذي يختاره هو ويهمل الموضوعات التي يمكن أن تحرجه، ويخترع معارك لم تنشب ليسجل انتصارات في معارك لم تقع

بات على الحزب ان يدرك ان استمرار تقييد البلد ومختلف مؤسساته لن تؤدي الا إلى معاداة الجميع له وستزيد من انكشاف البلد على الخارج. بات على الحزب ان يكف عن حكم لبنان بإسم المقاومة، وأن يعيد لأجهزة الدولة صلاحياتها وان ينسحب من عمليات التهريب البرية او في المطار. بات على الحزب ان يرجع ليكون مدافعا عن الجنوب في تنسيق مدروس وآمن مع الجيش اللبناني. عمليات التهريب والتجارة غير المشروعة ليست مقاومة، تغطية المخالفين والزعران وقهر الخصوم ليست مقاومة.

اقرأ أيضاً: إرتجال حكومي يخنق اللبنانيين ويعزل المناطق..وصراع سياسي بين «الثنائي » جنوباً!

ارهاب المختلف معهم ليست مقاومة. دعونا نتناقش بلا أقنعة. فلا سيطرة على البلد تحت حجة ( مقاومة) ولا استسلام للشروط الإسرائيلية تحت شعار الواقعية او السيادة.نعم للنأي بالنفس وسط الانقسامات العربية ولكن لا يمكن أن ننأى بأنفسنا في الصراع العربي الاسرائيلي. نعم للصواريخ الذكية والأكثر تطورا لردع العدو الصهيوني من القيام بأي اعتداء، نعم لشتى انواع التنسيق التي تضمن أمن المقاومة وفاعلية قوتها وأمن المواطنين. 

عندما يكون الخلاف فعليا حول موضوع المقاومة ستتبدل التحالفات وتصبح نقاط الخلاف اكثر عقلانية وواقعية ونقاشها غير مموه وقد يصل إلى نتائج مرضية. اذا لم يبادر الحزب كما خصومه الى النقاش الصريح، وأصر الحزب على المضي بسياسته الراهنة غير آبه بآراء بقية المجتمع اللبناني فستبقى أبواب البلد مشرعة للقريب والبعيد وسنحصد مزيدا من الدمار والخراب. 

السابق
دعم بريطاني للقطاع الطبي في لبنان.. 238,530 قطعة من معدات الوقاية الطبية!
التالي
بعد كارثة المرفأ.. «ترابة» من جنبلاط للمتضررين!