«حزب الله» من «الفوضى الخلّاقة» الى  نظام «الولاية»!

يصعب كشف كنه “حزب الله” بالتحديد وأي وجه من وجوه لبنان يريد، لكنه من الواضح انه يفصل وجهاً على قياس راعيه الإيراني و”صورته و مثاله” لا يكون “حمّال أوجه”، خصوصاً وانه قطع أشواطاً في “حياكة” جغرافيا و ديمغرافيا و حتى تاريخ “مجيد” ( وهو في حقيقة الأمر لا مجيد ولا من يمجدون) داخل ما بات يْعرف  بالبيئة الحاضنة له ولمشروعه الإيراني وعلى إمتداد الأراضي اللبنانية.

تطور عبث “حزب الله” في الحياة اللبنانية وغير اللبنانية، وصل إلى حدّ بدأت تتكشف معه، ليس الغاية فحسب، انما بداية النهاية المرسومة بعناية من قبل “حزب الله”، لإرساء نظام الولاية الإيرانية في لبنان، بالمعنى المجازي السياسي المستمد من “ولاية الفقيه”، للتحكم برقاب البلاد والعباد إنطلاقاً من نظام الفوضى الذي يشيعه مع الحليف الأعمى، العهد والحكومة الطرشاء مروراً بنظام الفوضى و الفوضى الخلّاقة.. وصولاً الى نظام الولاية و الخلافة!. 

يدخل لبنان في “نظام الفوضى” تلك الحالة التي تتفوق اليوم على ما يزاحمها من سعي لترسيخ “نظام الدولة” التي عبرت عنها كل الدعوات والجهود والنضالات التي خرجت ولاتزال من اجل ترسيخ قواعد الدولة، بما هي نتاج عقد اجتماعي بين الشعب والسلطة على قواعد النظام السياسي، وحق احتكار العنف المشروع.

“نظام الفوضى” هو ردّ السلطة الأبلغ على انتفاضة ١٧ تشرين تلك التي قامت في سبيل ترسيخ قواعد الدولة، واعتمدت السلمية، وراحت في الاعلاء من شأن قواعد الدولة وسيادتها، ودعم سلطة القضاء المستقل، والتمسك بالمؤسسات الدستورية، ودعت الى التغيير من داخل النظام، عبر انتخابات نيابية مبكرة. في المقابل ذهبت السلطة بعيدا في ترسيخ نظام الفوضى، وبدا ان الخروج عليه بات مكلفا لها، على رغم ان استمراره بات يهدد الدولة والكيان برمته، نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي من جهة، وبسبب ضعف موقع لبنان الدولة وتقهقره، ازاء التحديات الخارجية سواء على مستوى علاقات لبنان العربية والدولية، او في المستوى المتعلق بالتحدي الاسرائيلي، وهو تقهقر سبّبه ولا يزال تبلور نظام الفوضى الذي جعل من لبنان دولة اشبه بالدول المارقة، وزاد من الغربة بين المواطنين ومؤسساتهم الدستورية والقانونية.

في النموذج المتصل بالتطورات الجنوبية التي شهدها لبنان في الاسبوع المنصرم، ما يرسخ هذه الحقيقة، التي باتت شديدة النفور، مع كل هذا السعي الخبيث من اجل تظهير السلطات الرسمية على انها الغائب الأكبر عن مسؤولياتها السيادية.

ولم تكن زيارة وزير الخارجية الفرنسي الى لبنان وما تلاها افضل حالاً، لقد تحولت الحكومة اللبنانية ورئيسها، الى منصّة ايرانية لتوجيه الرسائل الى المجتمع الدولي من دون اي اعتبار لمصالح الدولة اللبنانية ولعلاقات لبنان الخارجية.

هذه الملامح لنظام الفوضى لا تقف عند هذه الحدود، بل تتعداها الى ترسيخ المافياوية، باعتبارها السبيل لتغذية وانعاش السلطة وادواتها داخل المجتمع، فقوة السلطة باتت مرتبطة بابتزاز المواطنين، لقد تحوّل قطاع الطاقة، وهو المنهبة التي طالما كانت عنصر تمويل لأحزاب السلطة واذرعها، الى مسرح لعمليات النهب المنظم والمعلن من خلال نظام التوزيع للمحروقات ولا سيما مادتي المازوت والفيول، وبات ما يسمى السوق السوداء هو السوق الرسمي الذي يتم اعتماده بشكل علني ومنظم، من خلال التسعيرة الرسمية التي تصدر عبر فواتير منظمة بزيادة على سعر ليتر المازوت الرسمي من نحو الف ليرة الى ما يقارب الالف وخمسماية ليرة لبنانية، من دون تهتز كرامة الرئيس حسان دياب ولا اوداجه لما يتم تحت ناظريه في منشآت الزهراني الرسمية على سبيل المثال لا الحصر.

وقس على ذلك في كل المجالات الاقتصادية والمعيشية، ولا سيما المعابر الحدودية، التي باتت تلك الحدود مع سوريا، مقاطعات مقسمة بين اصحاب النفوذ، فحتى المواشي ولا سيما الأغنام باتت تجارة رائجة يحتكرها بعض مسؤولي الأحزاب الذين يشرفون على عملية انتقالها غير الشرعي من سوريا، ليجري تجميعها في مزارع قريبة من الحدود في لبنان، منها ما هو موجود اليوم في البقاع الغربي، ليعاد شحنها عبر مطار رفيق الحريري الى دولة قطر.

نظام الفوضى على الأرض هذا هو ما يشكل حزام الأمان لكل ما يتصل بالبعد العسكري والأمني والسياسي، ذلك ان توسعة دائرة هذا النظام وربطه بمصالح جزء من المواطنين من مهربين ومحازبين ومنتفعين، هو ما يساهم في حماية ذلك الخروج الاستراتيجي على نظام الدولة.

على ان السؤال الذي يلحّ في هذا المسار ل “الفوضى الخلاقة” كما تشتهي احزاب السلطة ان يكون لتعزيز نفوذها، هو الى اي مدى يمكن لنظام الفوضى هذا ان يستمر ويدوم، وهل هو مقدمة لانتقال لبنان الى نظام جديد او لمزيد من التحلل والانهيار؟

لا يخفى على اللبنانيين ان نظام الفوضى هذا، يقف على رأس سلمه، “حزب الله” الذي لا يرى وجوداً لمشروعه بهويته الايرانية ونظامه الايديولوجي والأمني والعسكري اي فرصة للبقاء في مشروع الدولة، في المقابل فان “حزب الله” الذي استثمر في هيكل الدولة وصورتها، كان حريصا على حماية حضورها من دون ان تتفوق على حضوره ونفوذه، فهل بات اليوم في موقع غير آبه بتدهور احوالها، الى الحدّ الذي بات فيه ملزماً بحمايتها ومنع انهيارها، ام انه انتقل الى مرحلة جديدة لم يعد مهتما بما ستؤول اليه من انهيارات؟

اسئلة عديدة تواجه اللبنانيين حول مستقبل الدولة، وتواجه “حزب الله” حول ضرورة بقائها من عدمه وما هي البدائل؟

“نظام الفوضى” ليس جديدا بذاته في لبنان اليوم، لبنان مرّ خلال الحروب المتعاقبة فيه وعليه، بما يمكن ان يطلق عليه هذه التسمية، لكن المتغيّر هذه المرة ان مقوّمات هذا النظام الذي كانت توفره عوامل الانقسام الطائفي، والرعاية الخارجية لهذا النظام من دعم وتمويل سياسي ومن سوق متفلت يستقطب عمليات غير قانونية، بات اليوم امام واقع مختلف، تلك النوافذ اغلقت، والرعاية الخارجية شبه منعدمة، والنظام المصرفي فقد جاذبيته ان لم يكن قد فقد مقومات وجوده، والعقوبات الاميركية باتت اكثر تشدّداً مع بدء تنفيذ “قانون قيصر” فيما الفقر والعوز يجتاح اللبنانيين والموارد المالية للخزينة تتراجع والاحتياط المالي في مصرف لبنان الى تراجع غير مسبوق.

يبقى ان لبنان يتغيُر، ثمة تحولات فرضتها السطوة العسكرية والامنية ل”حزب الله” على نظام العيش وعلى موقع لبنان في محيطه، وثمة وقائع اقتصادية ومالية تدفع لبنان نحو وراءٍ غامض ومجهول في ما يحمله من تداعيات على المجتمع.

إقرأ أيضاً: لبنان يدخل «نظام الفوضى» من بوابة «حزب العهد»!

نظام الفوضى هذا كفيل بان يستهلك ما تبقى من موارد للدولة وموارد خاصة لأفراد المجتمع، وهو يجعل من قدر الانتقال الى سلطة جديدة امر حتمي، فاما استعادة لبنان كنموذج منفتح على محيطه وعلى العالم وينطوي على دولة ممسكة بزمام السلطة في مجتمع تحكمه الديمقراطية ونظام اقتصادي حر ومنظم يدعمه “الحياد”، او الانتقال الى نموذج آخر مختلف غير واضح، الاّ لجهة السيطرة الايرانية ونفوذ حزب الله، وهذان الخياران كل له فرصُ تحققه، وهذه المرة، اللبنانيون انفسهم من يرجح خيار على آخر، وليس الخارج مهما بلغ هذا الخارج من اهتمام بلبنان، طالما ان “حزب الله” ملتزم بعدم تجاوز الخطوط الحمر، تجاه اسرائيل وواشنطن، فان مسارات الداخل لن تستنفر الخارج واي تغيير لا يخلّ بالخطوط الحمر سيبقى رهن التوازنات الداخلية، واللبنانيون وحدهم من سيقرر طبيعة السلطة والنظام الذي سيحكمهم.. إذا تمكنوا من الصمود في وجه عملية الإبتلاع المدبرة لحراكهم وثورتهم.

السابق
أزمة النفايات تُعاود الظهور.. وهذة «سلة» الحلول!
التالي
هدنةٌ ثابتة في ليبيا… أم حربٌ مؤجّلة؟